عن الحرب 9
تظل العواطف المتأججة ، والمشاعر السريعة
الاستثارة قليلة الجدوى عموما فى الحياة العملية ، وبالتالى ستظل قليلة الجدوى
كذلك فى الحرب .
فايقاعاتها قوية إلا أنها قصيرة فإن أمكن الجمع بين طاقة رجال
كهؤلاء وشجاعة وطموح ، فإنهم غالبا ما يثبتون كفاءة عالية فى مستويات القيادة
المتوسطة ، وذلك ببساطة لأن الأعمال التى يتولى صغار الضباط تنفيذها وإدارتها لا
تستغرق الكثير من الوقت .
وغالبا
ما يكفى فى مواقف وحالات كهذه قرار شجاع واحد ، أو انفجار قوة عاطفية . إن الصولة
الجريئة هى عمل لبضعة دقائق ، بينما قد يستغرق القتال الضارى يوما بكامله ، أما
الحملة فقد تستمر لعام كامل .
غالبا
ما تكون هناك ثغرة ( فجوة ) ما بين المبادئ والأحداث الواقعية ، والتى لا يمكن
سدها (تجسيرها) بسيل من الاستنتاجات
المنطقية ، لذا لابد من درجة معقولة من الثقة بالنفس ، كما أن نسبة من الحذر (
التشكك ) مفيدة أيضا . ولا يمكن غالبا لأقل من مبدأ أساسى وملزم ، أن يكون كافيا ،
وهو ليس جزء مباشرا من العملية الفكرية ، بل يتحكم فيها . ذلك المبدأ هو أن على
المرء وفى جميع الحالات بالشكوك ، التمسك برأيه الأول ورفض تغييره ما لم يضطر إلى
ذلك بتأثير قناعات واضحة وأكيدة . لابد من
ثقة قوية بالحقيقة الطاغية للمبادئ موضع التجربة ، وأن لانسمح لحيوية وتدفق
الانطباعات العابرة والآنية أن تنسينا أن حقائقا كهذه وكما هى أقل أثرا . بإعطاء
الأسبقية ، فى حالة الشك ، إلى قناعاتنا الأولية وبالتمسك بها بعناد سنحقق تلك
النوعية من الثبات والإصرار التى يعبر عنها بقوة الشخصية .
ليس
العناد انحطاطا فكريا ، العناد هو عيب فى الطبع ، يتولد العناد وعدم تحمل المعارضة
من نوع خاص من الأنانية ، التى تصنع رضاها وسعادتها باستقلالها الفكرى الذى على
الآخرين الانحناء أمامه ، فوق أى شئ آخر . يمكن أن يعتبر ذلك غرورا Vanity ، إن لم يكن شيئا أكبر من ذلك حتى ، يرضى الغرور بالمظاهر وحدها ، أما
العناد فيريد أشياء ملموسة وواقعية .
الاحساس المكانى المقدرة الشخصية السريعة والدقيقة على الإحاطة بطبوغرافية
( سطح ) الأرض لأية منطقة والتى تمكن الرجل من معرفة طريقه وسطها فى أى وقت .
فإن انعدمت ملكة التخيل كليا فسيصعب عندها جمع
التفاصيل فى صورة واضحة ومتماسكة .
الحرب
ورغم أنها قد تبدو غير معقدة ، لا يمكن شنها وإدارتها بشكل متميز إلا من قبل رجال
من طراز عال وقرات فكرية عالية جدا .
علينا
أن نصر مرة أخرى : فما من قضية أكثر شيوعا من قضية الضابط الذى تتناقص قدرته مع رقيه
فى سلم الرتب ونيله لمناصب فوق مستوى قابلياته .
هناك
فجوة واسعة ما بين القائد العام – القائد ( الجنرال ) الذى يقود الجيش ككل ، أو
القائد فى ساحة العمليات – وبين أقدم الجنرالات الذى يليه مباشرة ، لسبب بسيط هو
أن : المستوى الثانى ( الأدنى ) يخضع لسيطرة وإسراف شديدين ، وبالتالى لا يحظى إلا
بنطاق أضيق من الاستقلال الفكرى .
لذا
يعتقد الناس أن القدرة الفكرية العالية حكر لمن هم فى قمة سلم القيادة ، وأن
الذكاء العادى كاف لانجاز كل الواجبات والأعمال الأخرى بكفاءة . وهكذا فإن جنرالا
ذو مسئوليات أقل ، أى ضابط قد شاب شعره فى الخدمة ، وتبلد عقله بسبب العديد من
سنين الروتين ، غالبا ما يعد من الذين اكتسبوا من جراء ذلك غباء متخما ، قد يحترم
لرتبته ومنصبه إلا أن سذاجته تدفعنا إلى السخرية منه .
كل ما نريده هو استعراض
كما هو ، كى لا يعتقد القارئ أن بوسع رجل شجاع ولكنه غبى أن يحقق أية أعمال باهرة
فى الحرب .
0 التعليقات:
إرسال تعليق