عن الحرب 10
ما دمنا نرى حتى مراكز القيادة الصغيرة بحاجة
إلى مقدرة عقلية باهرة كى تحقق نتائجا رائعة ، وطالما يتصاعد المقياس مع كل خطوة
فى سلم القيادة ، الأمر الذى يعنى إدراكنا نوعية وحجم القابليات الضرورية المطلوبة
أن أريد إشغال المناصب الثانية فى الجيش ، من ضباط متميزين .
قد يبدو أمثال هؤلاء الضباط بسيطين إلى حد ما ،
مقارنة مع الباحثين الموسوعيين ، أو رجال الأعمال الكبار ، ورجال الدولة ، لكن
ينبغى علينا ألا نغفل قيمة ذكائهم العملى .
يحدث
أحيانا أن من حظى بسمعة جيدة فى رتبة ما ، سينقلها معه بطبيعة الحال عند ترقيته ،
دون أن يستحق ذلك فعلا ، فإن لم يتعرض إلى تجارب جديدة للحكم على مواهبه ، أو أنه
تجنب بشكل أو بآخر الكشف عن عجزه ، فمن الصعب فى حالة هذا الضابط القرار على
المكانة الحقيقية التى يستحقها .
غالبا
ما تسبب حالات كهذه التقليل من شأن الضباط الذين كانوا سيبدعون فى مناصب أقل .
لابد من موهبة مناسبة فى
جميع المستويات إن أريد تقديم خدمة متميزة .
تتغير
الظروف بكثرة هائلة فى الحرب ، كما أنها يصعب تحديدها ، إذ يتطلب ذلك تقويم ودراسة
كم هائل من العوامل معظمها على ضوء الاحتمالات وحدها .
لقد
أصاب نابليون بونابرت حين قال بخصوص ذلك بأن العديد من القرارات التى يواجهها
القائد العام مشابهة للمعضلات الرياضية التى تحتاج إلى عقليات فذة كالتى لإسحق
نيوتن أو " يولر Euler " لحلها .
ما
يحتاجه هذا الواجب بالنسبة للمواهب الفكرية العالية هو الاحساس بالوحدة ، وقوة حكم
ترقى إلى مستوى عال من التبصر بوسعه الامساك واستبعاد آلاف الاحتمالات البعيدة
بسهولة ، كان العقل العادى سيجهد نفسه حد الارهاق والتمزق من أجل تحديدها .
الحقيقة نفسها ليست كافية لدفع الرجال إلى العمل إلا نادرا لذلك تظل
المسافة طويلة ما بين الإدراك ( Cognition )
والاختيار ( Volition ) .
يستمد
الرجل معظم دعمه القوى إن جاز لنا استخدام مصطلح كهذا ، من ذلك المزيج من العقل
والعواطف الذى بوسعنا تمييزه من بين خصائص العزم ، والصلابة والصمود ، وقوة
الشخصية .
لو
تساءلنا عندها عن العقل المؤهل لعرض سجايا العبقرية العسكرية أكثر من غيره ،
لأظهرت لنا التجربة والملاحظة أنه العقل الباحث ( Inquiring ) وليس الخلاق ( Creative ) ،
الشمولى وليس ذو المسلك المحدد ، العقل الهادئ وليس السريع الهياج الذى ستختاره فى
الحرب ونأتمنه على مصير إخوتنا وأبناءنا ، وعلى أمن وشرف البلاد .
0 التعليقات:
إرسال تعليق