عن الحرب 17
يجب تحويل المعرفة إلى مقدرة
لابد
أن تتشرب المعرفة فى العقل ، لأنها تتوقف تقريبا عن الوجود منفصلة بطريقة موضوعية
.
فهو أولا قد انتخب المعطيات بدقة ثم أخضعها لعملية عقلية ليست من ابتكاره
هى الأخرى ، ولعله لم يكن يدرك لحظتها منطقها كليا ، مع أنه استخدمها فى معظم
حياته تلقائيا . لكن الأمر ليس كذلك فى الحرب ، فالتغيير المتواصل ، والحاجة
للاستجابة له ، تجبران القائد على حمل كل القدرات العسكرية لمعرفته معه ، وعليه
الاستعداد دائما للتوصل إلى القرار الصحيح .
لقد
قسمنا إداة الحرب إلى ميدانين هما التعبية والاستراتيجية ونظرية الثانية منهما
وكما أوضحنا للتو ستواصل ودون مجابهة المعضلات الأكبر نظرا لأن الأولى (أى
التبعية) محدودة بالعوامل المادية .
بينما تتعامل نظرية الاستراتيجية ، وكما كانت تفعل مع النهايات التى تنحو
مباشرة أى استعادة السلام ، أما نطاق الإمكانيات فغير محدود .
وما دامت هذه
النهايات مما يتوجب على القائد العام التمعن فيها أساسا ، فإن المعضلات التى ستنشأ
فى تلك الميادين ستكون ضمن دائرة اختصاصه .
فن الحرب أو علم الحرب
لم يتحدد استعمال أى منهما بعد
هدف العلم هو المعرفة
الفن هو القدرة الخلاقة
المعرفة والقدرة شيئان مختلفان – اختلافا شديدا لا ينبغى أن يثير أى ارتباك
، لايمكن لكتاب ما أن يعلمنا كيفية القيام بأى شئ ، لذا فما من مكان لكلمة فن فى
عنوان الكتاب . إلا أننا تعودنا اختصار المعرفة المطلوبة لممارسة فن ما ( فروع
منفردة قد تكون علما قائما بذاتها ) بمصطلح " نظرية الفن " أو "
الفن " ببساطة والذى موضوعه هو القدرة على الخلق .
أما
مصطلح " علم " فينبغى قصر استخدامه فى فروع المعرفة كالرياضيات أو الفلك
والتى تشكل المعرفة البحتة موضوعها الأساسى . كما تحتوى كل نظرية فى الفن علوما
متميزة لا اعتراض عليها . إلا أننا لابد أن نلاحظ أن أى علم لا يمكن أن يوجد دون
شئ ما من الفن .
صعوبة فصل الإدراك عن الحكم
فن الحرب
كلما
زاد تجسد ومضات النور المبدع بأشكال خارجية ، كلما زاد انفصال مجالاتها . أكرر
القول أن الإبداع والإنتاج هما ضمن مجال الفن ، أما العلم فسلطانه حيث البحث
والمعرفة ، يلى ذلك أن مصطلح " فن الحرب " هو الأكثر تلائما من مصطلح
" علم الحرب " .
على
وجه الدقة فإن الحرب ليست فنا ولا علما ، لقد أدركوا هذه الصعوبة فى الماضى ، لذا
اقترحوا اعتبار الحرب مهنة . وقد ثبت أن ذلك خسارة لا ربح ، لأن المهنة وببساطة ليست
سوى شكلا متدنيا للفن ، وموضوعا خاضعا لقوانين أكثر دقة وجمودا .
فى الحقيقة كان هناك عصر هو عصر الكوندوتيرى Condottieri – يوم كان فن الحرب فيه قريب من الحرفة ، ولم يكن لهذا التوجه أسس
ودوافع داخلية بل خارجية فقط . وقد أثبت لنا التاريخ العسكرى أن ذلك النهد لم يكن
طبيعيا ولا ناجا أبدا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق