عن الحرب 40
مفهوم
الرتل لا يستند فقط على مجرد وضع قطعات قوة واحدة فى خط المسير . إذ ينطبق المصطلح
فى الاستراتيجية على مجموعات القطعات المتنقلة على نفس الطريق فى أيام مختلفة .
والحقيقة هى أن القطعات قد انقسمت إلى ارتال كى تسهل وتقصر التنقل أساسا ، إذ
تنتقل قوة صغيرة بصورة أسرع وأيسر من قوة كبيرة ، ويحقق هذا الهدف كذلك عند تنقل
القطعات فى أيام مختلفة لا على طرق مختلفة .
الاستخدام العملياتى للفيالق الأمامية
المهمة الرئيسية لتلك القطعات هى رصد ومراقبة العدو وإبطاء تقدمه .
الخطر
الرئيسى الذى ينشأ من مقاومة عدو متفوق هو امكانية إحاطة المقاومة أو جعلها بوضع
سئ للغاية ومعرضة لهجوم تطويق . إلا أن هذا الخطر يتضاءل إذا عرفنا بأن العدو
المتقدم فى شك من موضع أقرب إسناد من القسم الأكبر ( الجيش الرئيسى ) ، لذلك عليه
وبحذر بالغ تجنب وقوعه بين نارين .
والاستنتاج النهائى حتى الآن هو أن القيمة العملياتية للمقدمة تنشأ وبدرجة
كبيرة من ظهورها أكثر مما من تأثيرها ، فهى لا تستهدف إيقاف العدو بل وإلى حد ما
إلى تخفيف وتنظيم ذلك الاندفاع ، كوزن( ثقل ) البندول ، كى تكون تحركات العدو مما
يمكن ضبطه وإخضاعه للحسابات .
المعسكرات
سنبحث
الحالات الثلاث للجيش عندما لا يكون منشغلا بعملية ما ، من وجهة نظر الاستراتيجية ،
فالدخول فى المعسكر – ونعنى به كل وسائل الإقامة الوقتية ، كالخيام ، والكواخ ، أو
الإيواء فى العراء – من وجهة النظرالاستراتيجية .
منذ
حروب الثورة الفرنسية ، تخلت الجيوش عن استخدام الخيام بسبب ثقل أحمالها ، ويعتقد
الآن أن الأنفع للجيش الذى تعداده (100) ألف رجل إضافة خمسة ألاف خيال ، أو عدة
مئات من المدافع الأخرى بدلا من (6) آلاف حصان لحمل الخيام . بالإضافة إلى ذلك
يشكل رتل الأحمال عبئا مرهقا ، وقليل الفائدة فى العمليات السريعة والمكثفة .
إلا
أن هذه التغييرات تسببت بنوعين من الأضرار هما : زيادة فى إرهاق القطعات ، وفى
تخريب أكثر للريف .
لقد
تضاعفت القوة النارية للحرب ، وأصبحت أكثر قسوة ، وجرى خوض الحرب بعنف هائل إلى حد
اختفت معه فترات الراحة والتعطل المنتظمة ، وتواصل كافة القوات الضغط دون انقطاع
وصولا إلى النتائج الكبرى .
التنقل
التنقل مجرد تحول من موضع لآخر، ولذلك علاقة بشرطين رئيسيين هما :
الأول صحة ورفاه الرجال ، كى تستخدم مثل
هذه القوة بشكل مجد وأن لا تضيع هباء
الثانى وهو تنظيم المسير بشكل يضمن وصول القطعات بشكل متتابع (بفاصلات) .
فإن كان على رتل من (100) ألف رجل المسير على طريق واحد برتل واحد ودون وقفات ،
فلن يسع ذيل الرتل الوصول إلى المكان المقصود فى نفس اليوم كرأس الرتل .
أما
عند توقع نشوب معركة ، فإن المهم فى الأمر هو إيصال عدد من القطعات إلى نقطة معينة
، فحتى الطرق الفرعية والسيئة قد تستخدم آنذاك دونما تأخير أو قلق .
كلما
كان الاشتباك محتملا – بكلمة أخرى ضمن المسرح الكلى للحرب فمن المبادئ الرئيسية فى
الحرب الحديثة تنظيم الأرتال بطريقة تمكنها من جعل القطعات على استعداد دائم للعمل
بشكل مستقل وبغض النظر عن نوع وأسلوب التنقل .
تتم مراعاة ذلك بجحفلة الأسلحة
الثلاث ، وينتظم الكل بتشكيلات فرعية ، وباختيار الأماكن المناسبة للقيادة . لذا
فالمسيرات هى القاعدة الرئيسية فى نظام المعركة الحديث ، كما أنها المستفيد
الرئيسى منه كذلك .
حوالى
منتصف القرن الثامن عشر ، وخصوصا فى مسرح عمليات فردريك الثانى الكبير ، بدأت
المسيرات نفسها ترقى إلى مرتبة مبدأ قتالى مستقل بذاته . وكانت الانتصارات تتحقق
بتحركات ومناورات ليست متوقعة .
وعندما يتوجب على
الاحتياط المسير بموازاة القسم الأعظم ، محافظا على فاصلة لا تزيد على الميل
الواحد عن ذلك القسم ، فهذا يعنى أن عليه تحمل مشاق ووعورة الأرض وتسلق هذا التل ،
والانحدار مع الوادى ، مع ما فى ذلك من إجهاد ، ناهيك عن الاهتمام بالظروف
والأحداث المحلية والآنية ، إذ ليس من السهل دائما العثور على طريقين معبدين
ومتوازيين ولا يبعدان عن بعضهما أكثر من ميل واحد ؟
كذلك تعانى الخيالة من ظروف مشابهة
وهى على الأجنحة عند التنقل نحو العدو بالرتل . أما المدفعية فهى مشكلة أخرى لأنها
بحاجة إلى طريق خاص بها ، ومع حماية المشاة لها ، لذلك ستجعل المدفعية من خطوط
المشاة التى يجب أن تكون متواصلة ولكن الطويلة والمرتبكة بما يكفى ، ستجعلها أكثر
طولا ، ولا يمكن المحافظة على المسافات كما حددت بدقة أبدا .
لقد
أعطت الحرب الحديثة منظومة عضوية للتجزأة ، تشكل من خلالها الوحدات الكبرى كيانات
ثانوية شاملة ، فاعلة ومؤثرة فى العمل كالجيش الكامل ، ما عدى أنها غير قادرة على
العمل طويلا .
كلما
صغرت الوحدة أكثر كلما سهل تنقلها ، خطر التفرغ (الانقسام ) يتناسب عكسيا مع
ضرورته . وكلما صغرت الوحدات ، كلما زاد احتمال الحاجة لأن تذهب لمساعدة بعضها
البعض ، وكلما كبر حجمها ، كلما احتاجت إلى وقت وجهد أكثر للاهتمام بنفسها .
ترينا
التجارب أن فرقة من (8) آلاف رجل مع مدفعيتها وبعض عربات النقل ستحتاج عادة أى
ساعة لاجتياز نقطة معينة (حرجة ) .
فرقة بهذا الحجم قادرة على الصمود لوحدها عادة
لعدة ساعات حتى ضد عدو متفوق .
يعرف
هذا التوقيت بزمن المرور بنقطة (ز.م.ن) وهو الوقت ما بين مرور أول وآخرعجلة فى
الرتل ، كالجسور ومفارق الطرق والخوانق وتعرف هذه بالنقاط الحرجة ولابد من
احتسابها فى تخطيط وأوامر التنقل كما يستفاد منها كنقاط تدقيق .
كما
علمتنا التجارب أيضا أن رأس الرتل لقوة بحجم أربع فرق مع احتياط من الخيالة يمكن
أن يقطع عموما مسافة (15) ميل من خلال ثمانى ساعات حتى فى طرق ليست جيدة . وبمعدل
ساعة واحدة لكل فرقة وساعة للخيالة والمدفعية الاحتياط فسيستغرق التنقل بكاملة
(13) ساعة .
وعلى
عكس الأيام التى كانت المعركة تنشب بعد كلمة واحدة من القائد ، بينما كان التنقل
يتطلب تخطيطا دقيقا ، فالمعركة اليوم هى تحتاج التخطيط ، بينما ليس التنقل بحاجة
إلى أكثر من أمر من كلمة واحدة .
تكون
المسيرات إما عمودية على خط الجبهة أو موازية له ، ويدعى النوع الثانى منها أيضا
" بالمسيرات الجانبية " ، فالقطعات التى ترتببالنسق باتت تسير الآن
بالرتل ( واحدة بعد أخرى ) والعكس بالعكس . فوحدة القيادة أهم بكثير من التقييد
بالترابط الهندسى .
يعتبر
نظام المسير قضية تعبوية أكثر منها استراتيجية لأنها تتضمن تجزأة الكل إلى أجزاء ،
وستشكل بدورها هى الأخرى كيانا موحدا عند انتهاء التنقل . ولم يعد يرى أن من
الضرورى فى الحرب الحديثة إبقاء تلك الأقسام قريبة من بعضها أكثر خلال المسير ،
وليهتم كل منها بنفسه . كما يمكن أن ينتج ذلك من معارك يخوضها كل قسم لوحده ، ويجب
اعتبار كل منها معركة كاملة . وهذا هو السبب الذى جعلنا نخوض فى كل هذه التفاصيل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق