ثروة الأمم 3
لنأخذ مثالا من صنعة بسيطة جدا ، ولكنها صنعة
تعرض تقسيم العمل فيها إلى كثير من المراقبة ، إنها صنعة الدبابيس ، فالعامل غير
المدرب على هذه الصنعة (التى جعلها تقسيم العمل صنعة مستقلة) ، ولا المعتاد على
استعمال الآلات المستخدمة فيها
( والتى أدى تقسيم العمل إلى اختراعها فى أرجح الظن
) قد لا يستطيع وإن بذل أقصى جهده ،
أن يصنع أكثر من دبوس واحد فى اليوم ، ومن المؤكد انه لن يتمكن من صنع عشرين .
ولكننا إذا ما نظرنا فى الطريقة
التى تزاول بها هذه المصلحة اليوم ، وجدنا أن العمل فيها ليس مجرد صنعة محددة فحسب
، بل إنه مقسم إلى عدد من الفروع التى يشكل معظمها أيضا صنائع محددة .
يشد رجل السلك ، ويقومه رجل ثان ،
ويقطعه ثالث ، ويدببه رابع ، ويشحذه خامس ويعده لتلقى الرأس ، أما صناعة الرأس
فتستلزم ثلاث عمليات متمايزة ، فوضعه فى مكانه شغل ، وتبييض الدبابيس شغل آخر ،
كما أن وضع الدبابيس فى الورقة صنعة قائمة بذاتها ،
وهكذا يتبين لنا أن صناعة
الدبوس تنقسم إلى قرابة ثمانى عشرة عملية ، تقوم بإنجازها ، فى بعض المعامل ، أياد
متمايزة ،
وإن كان العامل نفسه يقوم فى معامل
أخرى بآداء اثنتين أو ثلاث منها .
وقد رايت مشغلا صغيرا من هذا النوع
يعمل فيه عشرة رجال فحسب ، ورأيت البعض منهم يقوم بعمليتين أو ثلاث من هذه
العمليات ، وبالرغم من أنهم كانوا فقراء جدا ،
وغير مجهزين تماما بالآلات الضرورية
، فقد كان فى مقدورهم ، إذا ما أجهدوا نفسوهم ، أن ينتجوا فيما بينهم حوالى اثنى
عشر باوندا من الدبابيس فى اليوم ،
أما الباوند فيحتوى على أكثر من أربعة آلاف
دبوس من الحجم المتوسط ، ولذا فقد كان فى وسع هؤلاء العمال العشرة أن ينتجوا،
مجتمعين ، أكثر من الثمانية والأربعين ألف دبوس فى اليوم .
وعليه ، فإذا ما اعتبرنا أن كل
عامل يصنع عشر الثمانية والأربعين ألف دبوس ، أمكن القول إن العامل الواحد يصنع أربعة
آلاف وثمانمئة دبوس يوميا ،
ولكن ، لو أن كل واحد منهم اشتغل بمفرده ، ومن دون أن
يكون أحد منهم قد تدرب على هذه الصنعة ، فالمؤكد أن لن يكون فى وسع كل واحد منهم
أن يصنع عشرين دبوسا ، ولا حتى دبوسا واحدا فى أرجح الظن ،
أى لايستطيع أن ينجز ما
يشكل جزءا واحدا من مئتين وأربعين ، وربما جزءا من أربعة آلاف وثمانمئة مما هم
قادرون على إنجازه جراء التقسيم المناسب للعمل ، والتركيب الملائم لعملياتهم
المختلفة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق