25‏/10‏/2016

عن الحرب 69

عن الحرب 69


   فكل قوة طبيعية فى حاجة إلى وقت ما كى تغدو مؤثرة ، فلو استخدمت قوة ما بلطف وتدريجيا فستكون كافية لإيقاف جسم متحرك ، إلا أنه سيتغلب على تلك القوة إن لم يتيسر لها ما يكفى من الوقت للعمل ، يقدم لنا هذا القانون الطبيعى صورة وثيقة الصلة بالعديد من الخصائص والتأثيرات المعنوية فى الحرب ، 

وحال توجيه سيل أفكارنا باتجاه محدد سيكون من الصعب على العديد من المبررات أن توقف أو تغير مسار تلك الأفكار ، وإن كانت قادرة على ذلك فى حالات أخرى ، والوقت مطلوب وعامل ضرورى لصياغة ودعم العقل الإنسانى ، 

كذلك الأمر فى الحرب . فحال توجه الفكر فى مسار معين نحو هدفه ، أو حال نكوصه وعلى العكس من ذلك بحثا عن مهرب أو ملاذ ، فقد يحدث عندها أن المناقشة التى قد تجبر أحدهم وببساطة على التوقف ، قد تبرر مواصلة العمل للآخر وليس ذلك بالأمر الذى يسهل تدبره أو تقديره .        

 وبينما يتواصل العمل ، ومن خلال سيل المشاعر فقد يجتاز أحدهم نقطة الاستقرار والتوازن ، أو خط الذروة ، ودون أن يدرى ، بل إنه حتى من الممكن للمهاجم الذى يمتلك قوى معنوية عالية ملائمة للتعرض، أن يجد ورغم استنزاف قواه أن مواصلة التقدم أقل صعوبة من التوقف – كالحصان الذى يتسلق مرتفعا وهو محمل بالأثقال .

 نعتقد أن ذلك يوضح لنا ودون خلاف ، كيفية تجاوز المهاجم للنقطة التى توقف عندها وتحول إلى الدفاع ، لوجد أمامه فرصة مناسبة للفوز بعد – أى نقطة التوازن . لذلك فمن المهم حساب تلك النقطة بدقة عند التخطيط للحملة . 

 وبخلاف ذلك فقد يذهب المهاجم إلى أبعد مما قدر كثيرا ، فيغدوا وكأنه أصبح مدينا ، ويجب أن يكون المدافع قادر على تفهم وعلى استعداد لوقوع مثل هذا الخطأ ولاستغلاله كاملا .
   عند إعادة النظر فى مجموعة العوامل ككل ، على القائد الموازنة ما بينها قبل اتخاذ قراره ، وعلينا أن نتذكر قدرته على حصر اتجاه وقيمة أكثرها أهمية بمجرد تقويمه لعدد كبير من الإمكانيات الأخرى – بعضها قريب وآنى والآخر بعيد .    

 عليه الافتراض إن جاز لنا ذلك ، ما إذا كانت الصدمة الأولى للمعركة ستزيد من عزم العدو وتشدد من روح مقاومته .

   وأن يفترض ما إذا كانت المصائب والآلام الناجمة عن الخسائر التى عليه التعامل معها ستدفع العدو لقسوتها إلى الانهيار بعد إنهاكه تماما ، أو أنه كالثور الجريح سيثور بفعل شدة الغضب ، وما إذا كانت القوى الأخرى ستشعر بالخوف أو أن نقمتها ستتصاعد ، وفيما إذا كان الحلفاء السياسيين ، ومن منهم بالذات سيبتعد أو سينضم من جديد 

                                                                                  
   وعندما ندرك أن على القائد الخوض وسط كل هذه الافتراضات وأشياء أخرى عديدة بقوة حكمته وتعقله ، وكما يفعل الرامى البارع لإصابة الهدف ، لابد لنا أن نعترف بأن انجاز كهذا للعقل البشرى ليس بالأمر اليسير أو الصغير ،

 هناك الآلاف من التحولات الخاطئة الجارية فى جميع الاتجاهات محاولة التأثير على فكره ، وحتى إن لم ينجح على طول المدى ، ولا فوضى ولا تعقيدات الموضوعات فى التغلب عليه وسحقه ، فقد ينجح الخطر وعظم المسئولية فى ذلك .


   لعل هذا يوضح لنا السبب وراء ميل أغلبية القادة والجنرالات فى التوقف قبيل أهدافهم مفضلين ذلك على عدم تحمل مسئولية الاقتراب كثيرا منها ، ولماذا يذهب القادة الفائقى الشجاعة والعزم إلى ما وراء أهدافهم غالبا فيفشلوا فى تحقيق أغراضهم ، لكن فقط ، الرجل الذى يستطيع تحقيق النتائج العظمى بوسائل محدودة يكون قد أصاب الهدف حقا . 

0 التعليقات: