عن الحرب 69
فكل قوة طبيعية فى حاجة إلى وقت ما كى تغدو
مؤثرة ، فلو استخدمت قوة ما بلطف وتدريجيا فستكون كافية لإيقاف جسم متحرك ، إلا
أنه سيتغلب على تلك القوة إن لم يتيسر لها ما يكفى من الوقت للعمل ، يقدم لنا هذا
القانون الطبيعى صورة وثيقة الصلة بالعديد من الخصائص والتأثيرات المعنوية فى
الحرب ،
وحال توجيه سيل أفكارنا باتجاه محدد سيكون من الصعب على العديد من
المبررات أن توقف أو تغير مسار تلك الأفكار ، وإن كانت قادرة على ذلك فى حالات
أخرى ، والوقت مطلوب وعامل ضرورى لصياغة ودعم العقل الإنسانى ،
كذلك الأمر فى
الحرب . فحال توجه الفكر فى مسار معين نحو هدفه ، أو حال نكوصه وعلى العكس من ذلك
بحثا عن مهرب أو ملاذ ، فقد يحدث عندها أن المناقشة التى قد تجبر أحدهم وببساطة
على التوقف ، قد تبرر مواصلة العمل للآخر وليس ذلك بالأمر الذى يسهل تدبره أو
تقديره .
وبينما يتواصل العمل ، ومن خلال سيل المشاعر فقد يجتاز أحدهم نقطة
الاستقرار والتوازن ، أو خط الذروة ، ودون أن يدرى ، بل إنه حتى من الممكن للمهاجم
الذى يمتلك قوى معنوية عالية ملائمة للتعرض، أن يجد ورغم استنزاف قواه أن مواصلة
التقدم أقل صعوبة من التوقف – كالحصان الذى يتسلق مرتفعا وهو محمل بالأثقال .
نعتقد أن ذلك يوضح لنا ودون خلاف ، كيفية تجاوز المهاجم للنقطة التى توقف عندها
وتحول إلى الدفاع ، لوجد أمامه فرصة مناسبة للفوز بعد – أى نقطة التوازن . لذلك
فمن المهم حساب تلك النقطة بدقة عند التخطيط للحملة .
وبخلاف ذلك فقد يذهب المهاجم
إلى أبعد مما قدر كثيرا ، فيغدوا وكأنه أصبح مدينا ، ويجب أن يكون المدافع قادر
على تفهم وعلى استعداد لوقوع مثل هذا الخطأ ولاستغلاله كاملا .
عند
إعادة النظر فى مجموعة العوامل ككل ، على القائد الموازنة ما بينها قبل اتخاذ
قراره ، وعلينا أن نتذكر قدرته على حصر اتجاه وقيمة أكثرها أهمية بمجرد تقويمه
لعدد كبير من الإمكانيات الأخرى – بعضها قريب وآنى والآخر بعيد .
عليه الافتراض إن جاز لنا ذلك ،
ما إذا كانت الصدمة الأولى للمعركة ستزيد من عزم العدو وتشدد من روح مقاومته .
وأن
يفترض ما إذا كانت المصائب والآلام الناجمة عن الخسائر التى عليه التعامل معها
ستدفع العدو لقسوتها إلى الانهيار بعد إنهاكه تماما ، أو أنه كالثور الجريح سيثور
بفعل شدة الغضب ، وما إذا كانت القوى الأخرى ستشعر بالخوف أو أن نقمتها ستتصاعد ،
وفيما إذا كان الحلفاء السياسيين ، ومن منهم بالذات سيبتعد أو سينضم من جديد
وعندما ندرك أن على القائد الخوض وسط كل هذه الافتراضات وأشياء أخرى عديدة
بقوة حكمته وتعقله ، وكما يفعل الرامى البارع لإصابة الهدف ، لابد لنا أن نعترف
بأن انجاز كهذا للعقل البشرى ليس بالأمر اليسير أو الصغير ،
هناك الآلاف من
التحولات الخاطئة الجارية فى جميع الاتجاهات محاولة التأثير على فكره ، وحتى إن لم
ينجح على طول المدى ، ولا فوضى ولا تعقيدات الموضوعات فى التغلب عليه وسحقه ، فقد
ينجح الخطر وعظم المسئولية فى ذلك .
لعل
هذا يوضح لنا السبب وراء ميل أغلبية القادة والجنرالات فى التوقف قبيل أهدافهم
مفضلين ذلك على عدم تحمل مسئولية الاقتراب كثيرا منها ، ولماذا يذهب القادة
الفائقى الشجاعة والعزم إلى ما وراء أهدافهم غالبا فيفشلوا فى تحقيق أغراضهم ، لكن
فقط ، الرجل الذى يستطيع تحقيق النتائج العظمى بوسائل محدودة يكون قد أصاب الهدف
حقا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق