31‏/10‏/2016

ثروة الأمم 7

ثروة الأمم 7

            فى المبدأ الذى يتيح نشوء تقسيم العمل

   أن تقسيم العمل هذا الذى تفرع عنه العديد من المزايا لم يصدر فى الأساس عن أية حكمة إنسانية كانت تتوقع تلك الثروة التى تسبب بها تقسيم العمل ولا كانت تقصدها ،

 بل هو نتيجة ضرورية ، وإن كانت بطيئة وتدريجية لميل معين فى الطبيعة البشرية لا يتطلع إلى فوائد موسعة كهذه ، إنه الميل إلى المفاوضة ، ومقايضة شئ ما لقاء شئ آخر والمبادلة به .

   فقد يظهر على كلبى صيد يطاردان الأرنب البرى نفسه أنهما يعملان وفق اتفاق ما ، فكل واحد منهما يطرده نحو رفيقه ، أو يحاول اقتناصه عندما يطرده رفيقه نحوه ، بيد أن هذا ليس ناتجا عن أى عقد أو تفاهم ، بل عن مجرد تضافر أهوائها ، صدفة واتفاقا ، 

على الهدف نفسه فى هذا الوقت عينه ، ولم ير أحد قط كلبا يتبادل ، عمدا وطوعا ، عظمة بعظمة أخرى مع كلب آخر .

   فى معظم الأنواع الحيوانية الأخرى ، يصبح كل فرد ، متى بلغ أشده ، مستقلا تماما ولا يحتاج فى حالته الطبيعية إلى مساعدة أى كائن آخر ، أما الإنسان فيكاد يحتاج باستمرار إلى مساعدة إخوته .    

 أعطنى ما أريده تحصل على هذا الذى تريده ، ونحن عندما نتوجه إلى الآخرين لا نخاطب إنسانيتهم بل أنانيتهم ، ولا نتكلم إليهم عن احتياجاتنا الخاصة بل عن منافعهم ،

 ولا يختار الاعتماد بصورة أساسية على أريحية مواطنيه إلا المتسول .

   الاستعداد للمقايضة نفسه هو الذى يخلق الداعى إلى تقسيم العمل ، من ذلك أنه فى صفوف قبيلة من الصيادين والرعاة ، يتوصل شخص معين إلى صنع أقواس وسهام بمهارة وقدرة تفوق سواه ، وهو غالبا ما يبادلها مع رفاقه بالمواشى أو لحوم الغزلان ، 

ثم يدرك فى النهاية أنه يستطيع أن يحصل بهذه الطريقة على كمية من المواشى أو لحوم الطرائد أكبر مما لو خرج بنفسه إلى البرارى ليحصل عليها ، ومن قبيل الاهتمام بمصلحته الخاصة إذا ، يصبح صنع الأقواس والسهام شيئا فشيئا صنعته الرئيسية ، ويغدو صانع أسلحة .

   وهكذا فإن التأكد  من مبادلة كل ذلك القسم الزائد من إنتاج عمله ، والفائض عن استهلاكه الخاص ، لقاء أفسام زائدة كهذه من إنتاج أعمال آخرين ،

 حسبما تدعو الحاجة إلى ذلك ، يشجع كل رجل على الانكباب على شغله الخاص ، وترقية ما قد يمتلكه من فطرة أو موهبة لهذا النوع الخاص من الشغل وبلوغ غاية الكمال فيه . 

0 التعليقات: