عن الحرب 41
التنقل – تتمة
التجربة أفضل دليل لتحديد طول الرتل والوقت الذى يحتاجه .
لقد
اعتادت الجيوش الحديثة على اعتبار التقل لمسافة خمسة عشر ميلا يوميا كافيا . ويجب
تقليص ذلك فى العمليات الشديدة إلى عشرة أميال لتخصيص الوقت الباقى من الأيام
للراحة ويمكن إجراء التصليحات وأعمال الإدامة الضرورية الأخرى .
تحتاج
فرقة من (8) آلاف رجل من ( 8-10) ساعات لتنتقل كهذا فى الأراضى المستوية والطرق
الاعتيادية . وإلى (10-12) ساعة فى المناطق الجبلية .
وليس
بوسع المرء تصور الجهد والضغط الذى يتحمله جندى يحمل عدته وأمتعته طوال ( 10 أو
12) ساعة ، والسير لمسافة خمسة عشر ميلا ، لا تحتاج لأكثر من خمسة ساعات للفرد
العادى على طرق معبدة .
ولابد
عند التنقل لمسافة (25) ميلا من وقفة راحة لعدة ساعات ، وليس بوسع فرقة من (8)
آلاف رجل اكمالها بأقل من (16) ساعة حتى على الطرق الجيدة .
التنقل – استنتاجات
أن
نقص مواد الإعاشة والماوى فى منطقة العمليات و والطرق البالغة الوعورة ، والحاجة
لإبقاء القطعات باستعداد كامل للمعركة ، هى الأسباب التى تؤدى إلى الجهود المضنية
التى على الأفراد والحيوانات آدائها ، كما تترك آثارها على العربات والأحمال .
لقد
اعتدنا القول بأن الراحة لفترات طويلة ليست أمرا جيدا للصحة البدنية للجيش ،
ونزداد حالات المرض فى تلك الأوقات أكثر مما تبدو إبان العمليات .
لنتمعن فى الاختلاف الذى يتعرض له انسان متعب ومضطرب الأحوال ، مابين سقوطه
مريضا داخل المعسكر أو أن يصاب بعارض صحى وهو على قارعة الطريق أثناء التنقل وسط
الأوحال والمطر وهو محمل فوق ذلك بعدته وأمتعته . فحتى لو مرض وهو فى المعسكر
فيمكن ساعتها إرساله إلى أقرب قية حيث يمكن العثور على بعض المساعدة الطبية ،
أما
إصابته وهو على قارعة الطريق فقد يظل ولساعات طويلة دون أى علاج ، ثم قد يضطر فوق
ذلك إلى أن يجر نفسه كالمتخلفين عن الجيش وللسير عدة أميال على هذه الحال . وكم من
أمراض بسيطة وحالات إصابة طفيفة تفاقمت فى أحوال كهذه ، بل انتهت بعض الحالات
الخطرة إلى الموت .
لنفكر
كذلك بالغبار وحرارة الصيف المحرقة وحيث تسببت حتى التنقلات المتوسطة بالإجهاد
بسبب الحرارة ، كما سيدفع العطش الشديد الجنود إلى الاندفاع نحو أى نبع ماء بارد
ملتقطا فى الوقت نفسه مرضا ما يؤدى إلى الموت .
على
المرء أن ينظر فقط إلى النتيجة النهائية ، ولينسى السؤال عن قيمة ما بذل من عمل
لأجلها .
ولنقدم
بعض الأمثلة لتصوير هذا الأمر .
عند
عبور نابليون نهر نيمين فى 24 حزيران/ 1812 ، كان القسم الأكبر من جيشه والذى كان
يقوده بنفسه (301) ألف رجل فى طريقه نحو موسكو . ثم أخرج مفرزة قوامها (13،5) ألف
رجل فى سمولنسك يوم 15/8 ، لذا كان سيظل معه (287،5) ألف رجل . إلا أن قوته
الحقيقية كانت بحدود (182) ألف رجل – وهذا يعنى فقدانه ما يقرب من (105،5) ألف رجل
.
ولو تذكرنا ذلك الجيش الذى لم يخض سوى اشتباكين يستحقان الذكر – جرى أحدهما ما
بين الجنرالين دافو و( باكراشين ) والآخر ما بين الجنرالين ( مورا ) و(تولستوى –
أوسترمان ) – ولم تزد خسائر الفرنسيين فيها لى (10) آلاف رجل كحد أقصى . وهكذا
بلغت الخسائر بين المرضى والمتخلفين طوال فترة تنقل لمدة (52) وبطول (350) ميلا
بحدود (95) ألف رجل او حوالى ثلث القوة الكلية للجيش .
بعد
ثلاثة أسابيع ، وفى معركة بوردينو ، وصل حجم الخسائر ( بما فيهم خسائر العمليات )
إلى (144) ألف رجل ، ثم ارتفع العدد عند موسكو بعد أسبوع واحد إلى (198) ألف رجل .
والخلاصة فقد بلغت نسبة الخسائر اليومية للجيش فى المرحلة الأولى ( ا : 150) من
القوة الكلية ، وفى الفترة الثانية إلى ( 1: 120 ) وفى الفترة الثالثة ( 1 : 19 )
.
كان
تقدم نابليون قاس وصادم دون شك منذ عبور نهر نيمين وحتى الوصول إلى موسكو ، لكن
علينا أن نتذكر بانه احتاج (82) لقطع حوالى (600) ميلا ، وأن الجيش قد توقف بأجمعه
لمرتين – الأولى لجوالى (14) يوما عند (فيلنا ) ، والثانى ولمدة (11) يوما عند
(فيتبسك) – مما أعطى الكثير من المتخلفين الكثير من الوقت للحاق بوحداتهم ، ولم
يجرى هذا التقدم لمدة (14) أسبوعا فى أتعس أيام السنة ولا على طرق ، بل فى الصيف
وعلى طرق رملية فى معظمها . كان عامل الإعاقة هو ضخامة حشود القطعات المتنقلة على
طريق واحد ، ونقص مواد الإعاشة ، والعدو الذى كان فى حالة تراجع إلا أنه لم يكن
مهزوما .
0 التعليقات:
إرسال تعليق