23‏/10‏/2016

عن الحرب 41

عن الحرب 41

التنقل – تتمة

   التجربة أفضل دليل لتحديد طول الرتل والوقت الذى يحتاجه .

   لقد اعتادت الجيوش الحديثة على اعتبار التقل لمسافة خمسة عشر ميلا يوميا كافيا . ويجب تقليص ذلك فى العمليات الشديدة إلى عشرة أميال لتخصيص الوقت الباقى من الأيام للراحة ويمكن إجراء التصليحات وأعمال الإدامة الضرورية الأخرى .

   تحتاج فرقة من (8) آلاف رجل من ( 8-10) ساعات لتنتقل كهذا فى الأراضى المستوية والطرق الاعتيادية . وإلى (10-12) ساعة فى المناطق الجبلية .

   وليس بوسع المرء تصور الجهد والضغط الذى يتحمله جندى يحمل عدته وأمتعته طوال ( 10 أو 12) ساعة ، والسير لمسافة خمسة عشر ميلا ، لا تحتاج لأكثر من خمسة ساعات للفرد العادى على طرق معبدة .

   ولابد عند التنقل لمسافة (25) ميلا من وقفة راحة لعدة ساعات ، وليس بوسع فرقة من (8) آلاف رجل اكمالها بأقل من (16) ساعة حتى على الطرق الجيدة .

التنقل – استنتاجات

   أن نقص مواد الإعاشة والماوى فى منطقة العمليات و والطرق البالغة الوعورة ، والحاجة لإبقاء القطعات باستعداد كامل للمعركة ، هى الأسباب التى تؤدى إلى الجهود المضنية التى على الأفراد والحيوانات آدائها ، كما تترك آثارها على العربات والأحمال .

   لقد اعتدنا القول بأن الراحة لفترات طويلة ليست أمرا جيدا للصحة البدنية للجيش ، ونزداد حالات المرض فى تلك الأوقات أكثر مما تبدو إبان العمليات .

   لنتمعن فى الاختلاف الذى يتعرض له انسان متعب ومضطرب الأحوال ، مابين سقوطه مريضا داخل المعسكر أو أن يصاب بعارض صحى وهو على قارعة الطريق أثناء التنقل وسط الأوحال والمطر وهو محمل فوق ذلك بعدته وأمتعته . فحتى لو مرض وهو فى المعسكر فيمكن ساعتها إرساله إلى أقرب قية حيث يمكن العثور على بعض المساعدة الطبية ،
 أما إصابته وهو على قارعة الطريق فقد يظل ولساعات طويلة دون أى علاج ، ثم قد يضطر فوق ذلك إلى أن يجر نفسه كالمتخلفين عن الجيش وللسير عدة أميال على هذه الحال . وكم من أمراض بسيطة وحالات إصابة طفيفة تفاقمت فى أحوال كهذه ، بل انتهت بعض الحالات الخطرة إلى الموت .

   لنفكر كذلك بالغبار وحرارة الصيف المحرقة وحيث تسببت حتى التنقلات المتوسطة بالإجهاد بسبب الحرارة ، كما سيدفع العطش الشديد الجنود إلى الاندفاع نحو أى نبع ماء بارد ملتقطا فى الوقت نفسه مرضا ما يؤدى إلى الموت .

   على المرء أن ينظر فقط إلى النتيجة النهائية ، ولينسى السؤال عن قيمة ما بذل من عمل لأجلها .
   ولنقدم بعض الأمثلة لتصوير هذا الأمر .

   عند عبور نابليون نهر نيمين فى 24 حزيران/ 1812 ، كان القسم الأكبر من جيشه والذى كان يقوده بنفسه (301) ألف رجل فى طريقه نحو موسكو . ثم أخرج مفرزة قوامها (13،5) ألف رجل فى سمولنسك يوم 15/8 ، لذا كان سيظل معه (287،5) ألف رجل . إلا أن قوته الحقيقية كانت بحدود (182) ألف رجل – وهذا يعنى فقدانه ما يقرب من (105،5) ألف رجل .

 ولو تذكرنا ذلك الجيش الذى لم يخض سوى اشتباكين يستحقان الذكر – جرى أحدهما ما بين الجنرالين دافو و( باكراشين ) والآخر ما بين الجنرالين ( مورا ) و(تولستوى – أوسترمان ) – ولم تزد خسائر الفرنسيين فيها لى (10) آلاف رجل كحد أقصى . وهكذا بلغت الخسائر بين المرضى والمتخلفين طوال فترة تنقل لمدة (52) وبطول (350) ميلا بحدود (95) ألف رجل او حوالى ثلث القوة الكلية للجيش .

   بعد ثلاثة أسابيع ، وفى معركة بوردينو ، وصل حجم الخسائر ( بما فيهم خسائر العمليات ) إلى (144) ألف رجل ، ثم ارتفع العدد عند موسكو بعد أسبوع واحد إلى (198) ألف رجل . والخلاصة فقد بلغت نسبة الخسائر اليومية للجيش فى المرحلة الأولى ( ا : 150) من القوة الكلية ، وفى الفترة الثانية إلى ( 1: 120 ) وفى الفترة الثالثة ( 1 : 19 ) .


    كان تقدم نابليون قاس وصادم دون شك منذ عبور نهر نيمين وحتى الوصول إلى موسكو ، لكن علينا أن نتذكر بانه احتاج (82) لقطع حوالى (600) ميلا ، وأن الجيش قد توقف بأجمعه لمرتين – الأولى لجوالى (14) يوما عند (فيلنا ) ، والثانى ولمدة (11) يوما عند (فيتبسك) – مما أعطى الكثير من المتخلفين الكثير من الوقت للحاق بوحداتهم ، ولم يجرى هذا التقدم لمدة (14) أسبوعا فى أتعس أيام السنة ولا على طرق ، بل فى الصيف وعلى طرق رملية فى معظمها . كان عامل الإعاقة هو ضخامة حشود القطعات المتنقلة على طريق واحد ، ونقص مواد الإعاشة ، والعدو الذى كان فى حالة تراجع إلا أنه لم يكن مهزوما . 

0 التعليقات: