25‏/05‏/2021

قوانين الطبيعة البشرية 51

 قوانين الطبيعة البشرية 51

كیف تنظر إلى العالم:

انظر في نفسك وكأنك مستكشف، فبفضل وعیك تقف في مواجهة كونٍ شاسع ومجهول؛ بدأنا نحن البشر باستكشافه لتوِّنا، ویفضل معظم الناس التعلق بأفكار ومبادئ معینة؛ وكثیر منها اعتنقوها في بدایات حیاتهم، إنهم یخشون سرا،  مما هو غیر مألوف، وغیر متیقَّن، ویجعلون الاقتناع محل حب الاستطلاع، ویمر الزمن فیصبحون في الثلاثین من عمرهم، ویتصرفون كأنهم یعرفون كل شيء یحتاجون إلى معرفته.

فإذا جعلت نفسك مستكشفًا فإنك تترك كل ذلك الیقین وراء ظهرك، فكن في بحث دائم عن الأفكار الجدیدة وطرق التفكیر الجدیدة، ولا ترَ حدودًا لتطواف ذهنك، ولا تهتم بالأفكار المتعارضة أو الناشئة التي تظهر لك فجأة، وتناقضُ مباشرة ما كنت تؤمن به قبل بضعة أشهر؛ فالأفكار أشیاء تلعب بها، وإذا احتفظت بها أمدًا بعیدًا تصبح كأنها الأموات؛ بل عد إلى روحٍ كروح الطفولة وفضولها، حیث لم یكن ثمة إحساس بالأنا عندك، ولا الشعور بأنك مصیب فیما تذهب إلیه؛ لم یكن الأمران أهم من اتصالك بالعالم، وقم باستكشاف كل أشكال المعرفة، من جمیع الثقافات ومن مختلف العصور، فعلیك أن تواجه تحدیًا ما لأفكارك ومبادئك.

فإذا فتحت عقلك بهذه الطریقة، فسوف تنطلق فیك قوًى إبداعیة لم تكن تدركها، وستمنح نفسَك متعةً عقلیة عظیمة، ومن ذلك الانفتاح كن منفتحًا لاستكشاف الرؤى التي تأتیك من عقلك الباطن على نحو ما تكشفه لك أحلامك، ولحظات إعیائك، ورغباتك المكبوتة التي تتسرب في لحظات معینة، ولیس هناك ما تخشاه أو تكبته منها، فعقلك الباطن لیس إلا عالمًا آخر لك، ینتظر استكشافك له.

 

كیف تنظر إلى الشدائد:


 

لا شك أن في حیاتنا عقبات وإحباطات، وألمًا وفراقًا. وطریقة تعاملنا مع هذه اللحظات في بدایات حیاتنا، لها دور كبیر في تطور موقفنا الإجمالي من الحیاة، وتلهم هذه اللحظات كثیرًا من الناس لتقلیص ما یرونه ویمرون به، فیمضون في مسیرة الحیاة وهم یحاولون تحاشي أي نوع من أنواع المحن والشدائد، حتى لو أدى ذلك إلى عدم تخطیهم لأي صعوبات حقیقیة تعترضهم، أو أدى إلى عدم نجاحهم نجاحًا حقیقیا في عملهم، وبدلًا من أن یتعلموا من تجاربهم السلبیة تراهم یریدون كتمها. أما غایتك أنت فهي التحرك في الاتجاه المعاكس، فتتقبل كل العوائق كأنها تجارب تتعلم منها؛ إنها وسیلتك لتزداد قوة على قوة، وبهذه الطریقة فإنك تتقبل الحیاة ذاتها.

 

مثال ذلك مالكوم لیتل الذي عرف فیما بعد باسم  مالكوم إكس فكان في العشرین من عمره سنة 1946 عندما دخل السجن بتهمة السرقة بحكم یدوم ثماني سنوات إلى عشر سنوات، والسجن بصورة عامة له تأثیر في زیادة قسوة المجرمین، وتضییق نظرتهم إلى العالم؛ الضیقة مسبقًا. لكن مالكوم قرر بدلًا من ذلك إعادة تقییم حیاته، فأخذ ینفق وقته في مكتبة السجن، ووقع في حب الكتب والتعلم، وبات السجن في نظره الآن یقدم له أفضل وسیلة ممكنة لتغییر نفسه، وتغییر موقفه تجاه الحیاة؛ وبما أنه كان لدیه متسع كبیر من الوقت فقد استطاع أن یدرس في سجنه، وینال شهادة أكادیمیة، واستطاع أن یزرع في نفسه سلوكیات الانضباط والتهذیب التي كان یفتقدها قبل ذلك، واستطاع أن یدرب نفسه لیصبح خطیبًا مفوَّها، وتقبَّل تجربة السجن بلا أي شعور بالمرارة، فبزغ أقوى من أي وقت مضى، وعندما ترك السجن كان یرى في الصعوبات التي تواجهه - صغیرة كانت أو كبیرة-  وسیلةً لاختبار نفسه وتقویتها.

 

فمع أن الشدائد والآلام خارجة عن سیطرتك عمومًا إلا أن لدیك القوة في تحدید استجابتك لها، والمصیر الذي یتحدد بها.


كیف تنظر إلى نفسك:

 

مع تقدمنا في العمر یزداد میلنا لوضع حدود للمدى الذي یمكننا أن نمضي فیه في حیاتنا، وبمرور السنین نستبطن انتقادات الآخرین وشكوكهم؛ فإذا قبلنا ما نظنه حدودًا لذكائنا وقدراتنا الإبداعیة؛ فنحن نصنع داخلَنا قوة ضاغطة تتحقق من تلقاء ذاتها،وتصبح تلك الحدود حدودًا لنا، ولا حاجة بك إلى أن تكون متواضِعًا منزویًا للغایة في هذا العالم، فهذا التواضع لیس فضیلة؛ بل هو أقرب إلى قیمة یروج لها الآخرون؛ سعیًا لإبقائك في منزلةٍ دونهم، ومهما كان ما تقوم به الآن فالواقع أن في استطاعتك القیام بما هو أكثر منه، فإذا اعتقدت ذلك فستصنع قوة ضاغطة مختلفة كل الاختلاف.

وفي الأزمنة القدیمة شعر كثیر من القادة العظام من قبیل الإسكندر الأكبر ویولیوس قیصر بأنهم یتحدرون من الآلهة، وأن فیهم شیئًا من القداس، ویتحول هذا الإیمان بالنفس إلى مستویات عالیة من الثقة؛ یتغذى بها الآخرون، ویعترفون بها، ویصبح الأمر نبوءة تتحقق من تلقاء ذاتها، ولا یتوجب علیك الاستسلام لهذه الأفكار الجامحة، إلا أن شعورك بأنك معدٌّ لشيء عظیم أو مهم سیمنحك شیئًا من المرونة إذا عارضك الناس أو قاوموك؛ ولن تستبطن الشكوك التي تساورك في تلك اللحظات، فستكون لدیك روحٌ مبادِرة، وستدأب على تجربة أشیاء جدیدة حتى لو كان فیها مجازفة؛ لثقتك بقدرتك على استعادة توازنك إذا أخفقت، ولشعورِك بأنك معَدٌّ للنجاح.

 

وعندما جاء الإلهام إلى تشیخوف بالحریة المطلقة -التي یمكن أن یصنعها لنفسه- كان لدیه ما یدعوه الاختصاصي النفسي الأمریكي أبراهام ماسلو: تجربة الذروة، وهي اللحظات التي تترفع فیها على صخب الحیاة المعتاد، وتحس بأن هناك شیئًا أعظم في الحیاة، وأكثر رفعة، كنت تفتقده في حیاتك، وفي حالة تشیخوف اشتعل فیه ذلك نتیجة أزمة مرت به، ونتیجة وحدته، فأودتا به إلى الإحساس بتقبُّل الناس والعالم المحیط به تقبلًا كاملًا.

ویمكن لهذه اللحظات أن تأتیك عندما تجهد نفسك فیما هو أبعد مما كنت تظنه حدودًا لك؛ ویمكن أن تأتیك بعد أن تتغلب على عقبات كبیرة، أو تتسلق جبلًا عظیمًا، أو تسافر في رحلة إلى ثقافة مختلفة جدا عن ثقافتك، أو تأتیك من الترابط العمیق الذي تجده في أي صورة من صور الحب، وعلیك أن تمضي بتأنٍّ في البحث عن هذه اللحظات، وتثیرها في نفسك إذا أمكنك ذلك، وكما حصل مع تشیخوف فإن لهذه اللحظات تأثیرها في تغییر موقفك إلى الأبد، إنها توسع ما تظنه في إمكانیاتك، وما تظنه في حیاتك نفسها؛ ولك في الذاكرة مرجع دائم تنال منه الإلهام الكبیر.

 

وهذه الطریقة في النظر إلى نفسك تتناقض بصورة عامة مع الموقف الفاتر الساخر الذي یحب كثیر من الناس إظهاره في عالم ما بعد الحداثة؛ حیث لا طموح كبیرًا أبدًا، ولا إیجابیة كبیرة أبدًا تجاه الأشیاء والحیاة؛ وحیث التظاهر الدائم باللامبالاة، وبالتواضع الزائف كل الزیف. وهذا الصنف من الناس یرى في الموقف الإیجابي الرحب سذاجةً وبلاهة، والحق أن موقفهم الفاتر ما هو إلا قناع ماكر یخفون به مخاوفهم الكبیرة؛ من تقبُّل الآخرین، أو الإخفاق، أو إظهار قدر كبیر من العاطفة. وكحال كل المیول المشابهة في ثقافة الناس فإن مصیر الموقف الفاتر هو الاضمحلال، إنه من خرائب القرن الحادي والعشرین. وإذا تحركت في الاتجاه المعاكس له فإنك تكون أكثر تقدمًا وتحررًا.


كیف تنظر إلى طاقتك وصحتك:

على الرغم من أن الموت هو مصیرنا جمیعًا، وأننا معرضون للأمراض؛ وهما أمران خارجان عن نطاق سیطرتنا؛ إلا أنه لا بد لنا من إدراك الدور الذي تقوم به قوة الإرادة في صحتنا، وجمیعنا یشعر به بدرجة أو بأخرى؛ فعندما نقع في الحب، أو نشعر بالإثارة في عملنا، تعظُم طاقتنا فجأة، ونتعافى من أي مرض بسرعة، أما إذا كان الاكتئاب جاثمًا فوق صدورنا، أو كنا نمر بأوقات عصیبة تصیبنا بالتوتر، فإننا نصبح فریسة سهلة لجمیع أنواع الأمراض، فهناك دور عظیم في صحتنا للموقف الذي نتخذه لأنفسنا؛ وهو دور بدأت الدراسات العلمیة تستكشف معالمه، وستتفحص أغواره بمزید من البحث في العقود المقبلة، لكن بصورة عامة بوسعك بكل أمن وسلامة- أن تدفع بنفسك إلى ما وراء ما تظنه حدودك البدنیة، عن طریق الشعور بالإثارة والتحدي، في مشروع ما، أو مساعي معینة؛ فالناس یتقدمون في العمر، ویهرمون قبل الأوان، إذا قبلوا بالحدود البدنیة لما یمكنهم فعله؛ فیجعلون من ذلك حلقة

تتحقق من تلقاء ذاتها؛ أما من یتقدمون في العمر ویستمرون في القیام بالأنشطة البدنیة، فهم لا یتغیرون عند الهرم إلا بدرجة معتدلة، فلدیك منابع للطاقة والصحة لم تستفد منها بعد.

 

كیف تنظر إلى الآخرین:

 

لا بد لك أولًا أن تتخلص من میلك الطبیعي في أخذ ما یقوله الناس أو یفعلونه على محمل شخصي موجه مباشرةً إلیك؛ وبخاصة إذا كان ما یقولونه أو یفعلونه شیئًا بغیضًا، وحتى إذا انتقدوك، أو تصرفوا ضد مصالحك، فالغالب أن ذلك نابع من ألم عمیق قدیم في أنفسهم لا یتصل بك شخصیا يقومون بالتنفیس عنه؛ وتغدو أنت الهدف القریب لإحباطهم واستیائهم، المتراكمَین على مر السنین. إنهم إنما یبرزون مشاعرهم السلبیة الخاصة بهم، فإذا استطعت أن تنظر إلى الناس بهذه الطریقة، فستجد أنه من السهل علیك ألا ترد علیهم، وألَّا تنزعج منهم؛ فلا تتورطُ في معارك تافهة. وإذا كان من تواجهه شریرًا خبیثًا حقا فإن عدم تعاملك معه بعواطفك سیجعلك في موقع أفضل یمكِّنك من تدبیر الرد المناسب علیه، وتنقذ بذلك نفسك من مراكمة الآلام والمشاعر المرة.

وانظر إلى الناس كأنهم حقائق في الطبیعة، فلهم أصناف شتى كثیرة، كحال الأزهار أو الحجارة، فهناك حمقى، وهناك أطهار، وهناك معتلون اجتماعیا، وهناك مهووسون بالأنانیة، وهناك محاربون نبلاء؛ وهناك المفعمون بالحساسیة، والفاقدون للحساسیة.ولكل منهم دوره في بیئتنا الاجتماعیة، لكن ذلك لا یعني ألَّا نكافح لتغییر السلوكیات المؤذیة عند الأشخاص القریبین منا، أو الذین هم في نطاق تأثیرنا؛ بل یعني أنه لا یمكننا إعادة تصمیم الطبیعة البشریة، وحتى لو نجحنا في ذلك بطریقة ما فإن النتیجة ستكون أسوأ بكثیر مما نحن علیه الآن، فلا بد لك من القبول باختلاف البشر، وأن الناس هم على ما هم علیه؛ أي أن اختلافهم عنك ینبغي ألا یشعرك بأنه تحدٍّ للأنا فیك، ولا هو تحدٍّ لاعتزازك بنفسك؛ بل هو شيء ترحب به وتتقبله.

 

وانطلاقًا من هذا الوضع المحاید یمكنك أن تحاول أن تفهم الناس الذین تتعامل معهم فهمًا عمیقًا، كحال تشیخوف مع أبیه، وكلما ازددت فهمًا لهم ازداد میلك إلى التسامح مع الناس، ومع الطبیعة البشریة عمومًا، وروحك المنفتحة السمحة ستجعل تآثراتك الاجتماعیة رقیقة سلِسة، فینجذب الناس إلیك ویتوقون إلى لقیاك.

 

فمن جهة أولى، نرى أناسًا غایتهم في الحیاة كبح قوة الحیاة والتحكم بها؛ فیودي بهم ذلك إلى إستراتیجیات تدمیر النفس، حیث علیهم أن یحدُّوا من أفكارهم، ویخلُصوا إلى أفكار فقدت وجاهتها، وعلیهم أن یقیدوا تجاربهم في الحیاة، وكل شيء إنما یتعلق بهم، وبحاجاتهم التافهة، ومشكلاتهم الشخصیة، وغالبًا ما یصبحون مهووسین بهدف بعینه یهیمن على أفكارهم كلها؛ من قبیل جمع المال أو لفت الانتباه، وكل ذلك یحولهم إلى أموات من الداخل، وهم یغلقون أنفسهم دون غنى الحیاة وتنوع التجربة الإنسانیة، وبهذه الطریقة یتجهون مباشرة صوب انعدام النفس، فیعوزهم العمق الداخلي والمرونة.

 

 


أما هدفك أنت، فیجب أن یكون تحركك الدائم في الاتجاه المعاكس، فتعید اكتشاف حب الاستطلاع، الذي كان عندك ذات یوم وأنت طفل صغیر؛ فكل شيء، وكل إنسان، هو مصدر سحر لك، وعلیك أن تستمر في التعلم، وتوسع باستمرار ما تعرفه، وما تجرِّبه. وتكون سمحًا متسامحًا مع الناس، حتى لو كانوا أعداءك، أو كانوا ممن حاصرتهم حالة انعدام النفس، ولا تكن عبدًا للمرارة أو الضغینة؛ وبدلًا من لومك الآخرین، أو لومك الظروف، انظر إلى الدور الذي یقوم به موقفك وتصرفاتك في أي إخفاق یصیبك أو عثرة تعترضك، وتكیف مع الظروف بدلًا من أن تشتكي منها؛ فاقبل بالارتیاب والمفاجأة، وتقبَّلهما بسرور، فهما من السمات العظیمة في الحیاة، وبهذه الطریقة تتوسع رحابة نفسك لتصل إلى ملامح الحیاة، وتمتلئ بقوة الحیاة.

 

فتعلَّم أن تقوم بقیاس الناس الذین تتعامل معهم بعمق أنفسهم وكبرها؛ وإذا أمكنك فلتصاحب قدر ما تستطیع أصحاب النفوس الكبیرة .