23‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 45

مطارحات مكيافيلي 45


                 تعامل رومة مع الدول والمدن المجاورة

      مدى الخطورة فى تغافل الجمهورية أو الامير عن الثأر لإساءة لحقت بالشعب أو بشخص فرد .


       الحظ يعمى بصائر الناس ويطمس عقولهم عندما لا يريد منهم الوقوف فى طريق مشاريعه .

       المال ليس سبيل الاقوياء من الجمهوريات والأمراء إلى سراء الاحلاف ولكن سبيلهم اليها التحلى بالفضيلة وما لقواتهم العسكرية من شهرة .

        قد لجأ الرومان فى استيلائهم على أية مدينة الى إحدى طريقتين اما اقتحامها عنوة , او ارغامها على الاستسلام .

        الرومان يمنحون قادتهم العسكريين حرية التقرير والاختيار .


        أكثر النقاط أهمية من التى تستحق الملاحظة الصلاحيات التى كانا يمنحانها الى القنصل والديكتاتورين وغيرهم من قادة الجيش عندما يكونون فى الميدان .

مطارحات مكيافيلي 44

مطارحات مكيافيلي 44


                               أخطاء الحروب

       القلاع تبنى لغاية واحدة , هى الدفاع اما ضد الاعداء او ضد الرعايا , وهى فى الحالة الاولى لا لزوم لها وفى الثانية ضارة ومؤذية .

      لا تنفع القوة او العنف فى السيطرة على شعبك إلا فى احدى حالتين اولاهما ان يكون لديك جيش قوى تستطيع ان تزج به فى الميدان كما كان شأن الرومان وثانيتهما ان يكون شعبك قد بلغ به الانهاك والتعب وسوء التنظيم والتفرقة كل مبلغ بحيث غدا من المتعذر عليه ان يتحد ليلحق بك الأذى .

 اذ لو تمكنت حتى من إفقاره (فستظل الاسلحة فى يديه رغم تعريتك اياه) , وحتى لو جردته من سلاحه (فأن سورة غضبه عليك ستؤمن له السلاح) , ولو ذبحت قادته وقضيت على جميع مظاهر العصيان عنده , فأن قادة آخرين سيظهرون تماما كما تظهر رؤوس التنين بعد قطع رأسه .

و اذا بنيت القلاع والحصون , فأنها ستنفعك فى ايام السلم ليس إلا , اذ ستمكنك من اكتساب ما تحتاج اليه من شجاعة زائدة لتسئ معاملة رعاياك , اما فى اوقات الحرب والشدة , فأنها لن تجديك فتيلا , اذ ستتعرض الى الهجوم من ناحيتين , ناحية اعدائك وناحية رعاياك , وليس فى وسعها ان تصمد لهذا الهجوم المزدوج . وهذا الوقت الذى نعيش فيه , هو اكثر وقت فقدت فيه القلاع أهميتها بسبب اختراع المدفعية .

      الابقاء على الحاكمين فى مركز السلطان , لا يكون عن طريق القلاع و انما عن طريق ارادة الشعب .

      من خطل الرأى والسياسة الهجوم على مدينة منقسمة على نفسها أملا فى أن يؤدى انقسامها إلى تذليل احتلالها .

      تنشأ المنازعات فى الجمهوريات بسبب البطالة والتكاسل الناجمين عن السلام , وتتولد الوحدة عن الخوف والحرب .

      الطريقة المثلى التى تتبع فى مثل هذه الحالة , هى ان يحاول الخصم كسب ثقة المدينة التى تسودها التجزئة , وان يمثل دور الحكم بين الفريقين المتخاصمين فيها , طالما انهما لم يشتبكا فى صراع عملى بعد , وان يقدم عونا متأخرا الى الفريق الاضعف بعد ان يقع الاشتباك , وهدفه من ذلك , الابقاء على الصراع قائما بينهما , لإنهاكهما , ممتنعا قدر الطاقة عن اتخاذ اية اجراءات قوبة , اذ ان اتخاذها , لا يدع مجالا للشك عند اى انسان فى ان هذا الخصم يستهدف اخضاع المدينة و اعلان نفسه حاكما عليها .

      على العقلاء من الامراء وحكام الجمهوريات ان يقنعوا بالنصر , إذ عندما يبعدون عن القناعة يغدو الفشل نصيبهم دائما .

        يرجع الاستخفاف بالعدو عند الحديث عادة الى ما يبعثه النصر أو الأمل الزائف فى النصر فى نفسك من غطرسة وتكبر .

        لا يمكن لحكام الدول ان يرتكبوا خطيئة أكبر , من رفض الوصول الى تفاهم مع العدو عندما تكون قواته المهاجمة لهم اقوى بكثير من قواتهم , ولا سيما اذا جاءت عروض الصلح من العدو نفسه .


       عندما غادر هانيبال ايطاليا بعد ان قضى فيها وقتا مجيدا طال ستة عشر عاما , عائدا الى قرطاجنة تلبية لدعوة اهلها , لمساعدة بلاده , وجد صهره هاسدروبال وسفاكس , وقد هزما شر هزيمة , ووجد ان مملكة نوميديا قد ضاعت وان القرطاجيين قد حصروا ضمن اسوار مدينتهم , وقد فقدوا كل امل إلا ما يحمله لهم وهو وجيشه منه .

مطارحات مكيافيلي 43

مطارحات مكيافيلي  43

         إدارة الأراضى المحتلة

         تسهم الممتلكات التى تحتلها أية جمهورية إذا لم تحكم حكما صالحا , وتعامل كما كان الرومان يعاملون ممتلكاتهم فى اسقاط تلك الجمهورية لا فى تقدمها .

        الطريقة المثلى للوصول بالجمهورية الى مراتب العظمة , ولاكتساب هذه الجمهورية ما تشاؤه من توسع امبراطورى , هو ان يزداد عدد سكانها , وان يجعل من الدول الاخرى حلفاء لها لا رعايا , وان يبعث بجماعات المستوطنين لاقامة مستعمرات للحفاظ على سلامة البلاد المحتلة ,

وان يودع خزائن الدولة ما يجمعه من الأسلاب والغنائم , وان يخضع العدو بالغارات والمعارك لا بالحصار , وان يغنى الخزينة العامة مع الابقاء على الأفراد فقراء , وان يعنى أشد العناية بالتدريب العسكرى .

       الفتوحات مؤذية فى أكثر من الف طريق وطريق ولاكثر من سبب وسبب .

       تعرض جميع انواع الفرص للجنود , للانغماس فى الشهوات والاسترخاء , مما طمس من عقولهم الضعيفة ذكريات وطنهم . وتتأثر المدن والمقاطعات المحتلة بهذه الطريقة من فاتحيها , دون حاجة إلى معارك او سفك دماء , إذ عندما يتشرب المحتلون عاداتها القبيحة , يغدون فى وضع يعرضهم للهزيمة على أيدى كل من يقدم على مهاجمتهم .


       القوات الاضافية أو القوات المساعدة , كثيرة الضرر للغاية , اذ ان من يقبل عونها , سواء اكان اميرا او جمهورية , لا يستطيع ان يفرض عليها سلطته ابدا , لان صاحب السلطة الوحيد عليها , هو الذى أوفدها . عندما ينتصر مثل هؤلاء الجنود يفتكون غالبا باولئك الذين جاءوا لنصرتهم .


       مطامع الانسان دائما كبيرة الى الحد الذى يصرفه , رغبة منه فى اطفاء غلتها آنيا , عن التفكير بالشرور التى قد تتوالى عليه بعد وقت قصير من ارواء هذه المطامع .

20‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 42


مطارحات مكيافيلي 42




الجيش : انضباطه والأجزاء التى تؤلفه

     ان النصر يعتمد على التصميم , وانه طالما وجد هذا العنصر فى صدور من يقاتلون فإنهم لا يولون الادبار ابدا .

      لما كان فى وسع الجيش عن طريق هذا التشكيل , ان يعيد تنظيمه ثلاث مرات فى غضون معركة واحدة , فان خسارة هذه المعركة تعنى ان سوء الطالع يجب ان يرافقه ثلاث مرات . وان شجاعة المهاجمين يجب ان تكون كافية الى الحد الذى يستطيع الصمود الا لهجوم واحد , وهو شأن جميع الجيوش المسيحية , فانه قد يخسر المعركة بسهولة , اذ أن ارتباكه مرة واحدة , أو اهمال الشجاعة فيه لحظة واحدة , يعرضه الى فقد كل أمل فى النصر .

      السهل الذى دارت فيه معركة رافينا , اذ ان ادراكها لما يحدثه الانسحاب من اضطراب , عندما تكون الصفوف ممتدة عمقا , يدفعها الى تجنب ذلك , عندما تستطيع , بمد جبهتها عرضا , كما سبق لى قوله من قبل . أما اذا كان المجال فى منطقة المعركة ضيقا , فأنها تلجأ الى الترتيب السئ السابق بدون ان تقدم له اى علاج . وهكذا تتقدم فى هذا التشكيل السئ مجتازة بلاد العدو , سواء بقصد النهب أو بقصد اداء أية مناورة عسكرية اخرى .

      البقاء فى الجناحين , حتى اذا ما ارغم فرسان حلفائهم على التراجع , لم يصطدموا بهم , ليوقعوا بهم الاضطراب . وعلى الرغم من سهولة فهم هذه الامور .

      التشكيلات عسكرية ثلاثية : يطلق عليها أسماء المقدمة والقلب والمؤخرة , إلا ان هذا الترتيب لا يخدم أى غرض من الاغراض سوى توزيع الجنود على كتل .

      المدافعين دائما اما وراء لسوار مدنهم , او مرابطين وراء متاريسهم .

      المدفعية تكون عاجزة امام هجوم كثيف مركز .

      تظل المدفعية أكثر نفعا للمهاجمين منها للمدافعين .

      يكون الدفاع عن المدينة بالنتيجة , عن طريق الاشتباك بالسلاح الابيض كما كان يقع فى العصور القديمة , على ان تدعمه بعض وحدات المدفعية الخفيفة .

       او ان اؤكد بأن المدفعية تكون نافعة للجيش اذا تعززت بالشجاعة التى كان يعرضها الأقدمون , ولا فائدة لها بدون هذه الشجاعة , فى مواجهة جيش باسل .

        يقوم الرومان دليلا على أفضلية المشاة على الفرسان كما تثبت ذلك الاجراءات العسكرية القديمة .

        المشاة يجب ان يظلوا قاعدة الجيش وعصبه وان يولوا مكان الأفضلية والتقدير العظيم .

        لا يمكن للتغلب على مشاة فى وضع حسن التنظيم إلا عن طريق المشاة , او إلا بعد مشقة بالغة للغاية .

مطارحات مكيافيلي 41

مطارحات مكيافيلي 41


      كثيرا ما يخطئ الناس فى الظن بأن التواضع يقهر الكبرياء .

      التساهل فى احدى النقاط ان ترغم خصمك على انتزاعها منك بالقوة على ان تتخلى عنها متأثرا بالتهديد باستعمال القوة , ولو انك أذعنت للتهديد , فأنك انما تفعل ذلك تجنبا للحرب , ولكنك لن تستطيع تجنبها فى معظم الحالات .

 وذلك لأن اولئك الذين كشفت عن نفسك أمامهم بإذعانك , لن يقفوا عند هذا الحد , بل سيعملون على اغتصاب تساهلات اخرى منك , وكلما قل تقديرهم لك , ازدادت ثورتهم عليك . وستجد من الناحية الاخرى ان انصارك ومؤيديك , قد فتر حماسهم لك , 
لأنهم رأوا فيك شخصا ضعيفا وخوارا .

 أما اذا بادرت الى الاعداد لاستخدام القوة حال معرفتك بنوايا خصمك حتى ولو كانت قواتك اضعف من قواته , فانه يأخذ فى احترامك , ولما كان الحكام الذين سبق لك ان تحالفت معهم سينظرون اليك نظرة التقديم بعد ان يروا موقفك هذا فإنهم سيكونون على استعداد لمساعدتك عندما تشرع فى التسلح , وهو شئ ما كانوا ليفعلوه قط لو انك استسلمت منذ البداية .



      تكون قرارات الدول الضعيفة عادة مشحونة بالغموض ويكون البطء فى الوصول اليها مؤذيا كل الاذى .

مطارحات مكيافيلي 40

مطارحات مكيافيلي 40


الاستيطانية والحرب : أسبابها وتكاليفها

        الطريقة التى شن بها الرومان حروبهم وفى دراسة ذلك يظهر لنا على ضوء جميع الأعمال التى قاموا بها , ما كانوا يتمتعون به من حكمة , فى مخالفة الاساليب المعروفة والمعهودة ليمهدوا لأنفسهم الطريق فى تحقيق امجاد من الدرجة الاولى .

       جعل الحروب قصيرة وساحقة .

       عندما كان النصر يتحقق لهم , فأن العدو , رغبة منه فى منعهم من تدمير المنطقة المجاورة وتخريبها , وقطع الزرع والضرع فيها , كان يسارع الى صلحهم , فكان الرومان يصادرون جزءا من أراضيه التى يسلمونها , اما الى افراد منهم لاستغلالها او الى جماعة مستوطنة (مستعمرة) يقيمونها على حدود العدو لحماية الحدود الرومانية , مما يفيد كلا من المستوطنين الذين يملكون الارض . والشعب الرومانى , الذى اقام له حامية هناك دون ان يتكلف شيئا للانفاق عليها , وليس ثمة من طريقة اكثر امنا , ولا اقوى تاثيرا ,

 ولا اجزل نفعا من هذه الطريقة . اذ طالما ان العدو يظل بعيدا عن الميدان , فأن هذه الحامية تكون كافية , اما اذا مضى بقوات ضخمة لمهاجمة المستعمرة , فأن الرومان يزحفون بسرعة وبقوات كبيرة ويشتبكون معه فى معركة ضارية , وعندما ينتهون من امره ويتقرر مصير المعركة بالفوز لهم , يعودون الى رومة بعد ان يفرضوا عليه شروطا اكثر قسوة وشدة . وهكذا أخو وبصورة متدرجة , يكتسبون سمعة أعظم من سمعة العدو , فى الوقت الذى واصلوا فيه زيادة قوتهم فى الوطن .

        مساحة الاراضى التى كان الرومان يمنحونها الى مستعمراتهم .

        الأسباب التى تدفع الشعوب إلى الهجرة من بلادها وإلى اغراق أراضى غيرها , بالهجرات الكاسحة .

        ليست الحقيقة فى ان المال هو عصب الحرب , لما كان من المتيسر لكل من يملك السلطة اللازمة , أن يبدأ أية حرب يشاؤها , دون ان يتيسر له انهاؤه , فان على الحاكم قبل ان يلتزم بمثل هذه المغامرة , ان يحسب حسابا دقيقا , ما يتوافر لديه من قوات وان يتخذ قراره على ضوء هذا الحساب .

 وعلبه بالإضافة الى هذا ان يكون حريصا فى عدم ارتكاب اية هفوة من ناحية حساب قواته , كما قد يخطئ دائما عندما يقيم حساباته على اساس المال , أو على اساس طبيعة الارض , أو حسن نوايا الناس , مع افتقاره من الناحية الاخرى لقواته الخاصة .

وعلى الرغم من ان هذه العوامل تكسبك مزيدا من القوة , الا انها لا تؤمن لك بأى حال من الأحوال القوة التى تنشدها , وقد لا تكون مجدية مطلقا أو ذات نفع اذا لم تعتمد على قواتك الامينة . ومهما كان لديك من المال , فلا قيمة له , اذا لم تكن لديك قواتك , ولن تجديك طبيعة البلاد شيئا , كما لن يقدر لحسن نوايا الناس ان يدوم , اذ لا يمكن لهؤلاء ان يظلوا على ولائهم لك اذا عجزت عن الدفاع عنهم . وعندما تفتقر البلاد الى الحماة الاقوياء , فكل جبل فيها وكل بحيرة ,

وكل معقل منيع ينقلب الى سهل منبسط ومكشوف . ولا يقتصر اثر المال ايضا , على عدم تأمين الحماية لك , و انما يعرضك للوقوع فريسة فى أقصى سرعة ممكنة ايضا . وليس ثمة من رأى اكثر خطأ من ذلك الذى يؤكد بأن المال هو عصب الحروب .

     الذهب لا يستطيع ان يخلق الجنود الصالحين , ولكن الجنود الصالحين يستطيعون العثور على الذهب .

      المال لا يكون عصب الحرب , بل ان الجنود الصالحين هم عصبها .

 والذهب ضرورى , ولكن قيمته ثانوية , وفى وسع خيرة الجنود الحصول عليه , اذ يستحيل على الجنود البواسل الفشل فى العثور على الذهب , بينما يستحيل على الذهب العثور على الجنود البواسل .

       ثلاثة امور على جانب كبير من الضرورة للحرب , وهى وفرة الجنود البواسل , وحكمة القادة , وحسن الطالع .

        من الخطأ أن تعقد حلفا مع حاكم شهرته أعظم من قوته .

        هل من الخير عندما يهددك عدو بالهجوم ان تبدأ أنت بمهاجمته أو تنتظر نشوب الحرب ؟
        يرتقى الناس من المراتب الخفيضة إلى المراتب العالية عن طريق الحيلة لا عن طريق القوة .


مطارحات مكيافيلي 39

مطارحات مكيافيلي  39


                              الكتاب الثانى

                      نمو الإمبراطورية الرومانية

         يعالج الكتاب الثانى الوسائل التى اعتمدتها رومة فى توسيع امبراطوريتها . ويستند هذا الكتاب على الوصف الذى جاء به تيتوس ليفى , للحروب التى خاضتها رومة .

        هل كانت الفضيلة أو كان الحظ السبب الرئيسى فى حصول رومة على إمبراطوريتها .

        كانت شجاعة جيوشها هى التى حملت رومة على الحصول على إمبراطوريتها , وكانت اجراءاتها الدستورية وعاداتها الغريبة التى تدين بوجودها الى مشروعها الأول , هى التى مكنتها من الحفاظ على ما حصلت عليه .

        رومة لم تشتبك قط فى حربين كبيرتين فى وقت واحد .

        كان الرومان جد حريصين دائما على ان يكون لهم أحد الاصدقاء فى المقاطعات الجديدة ليعمل لهم بمثابة سلم يتسلقون عليه , أو باب ينفذون منه , أو وسيلة تمكنهم من الحفاظ عليها .
        الشعوب التى تحتم على الرومان قتالها ومدى الاصرار الذى اظهرته هذه الشعوب فى الدفاع عن حريتها .
        ليس ثمة من شك فى ان المصلحة العامة لا تراعى مرعاة صحيحة إلا فى الجمهوريات , من حيث تنفيذ كل ما يعمل على دعمها وخيرها , ومهما خسر هذا الشخص العادى او ذلك من جراء هذه المصلحة , فإن عدد الذين ينتفعون منها يكون كبيرا للغاية , مما يدعو الى تحقيق المصلحة العامة على الرغم من تلك الفئة القليلة التى قد تعانى من نتائجها .

           عندما يحل نظام الطغاة محل الحكم الذاتى , فإن أقل ما يفعله هذا الطغيان من شرور هو التوقف عن التقدم وعن النمو فى مضمارى السلطان والثراء , مع العلم ان ما يحدث على الغالب , 

بل اكثر من المعتاد , هو ان يبدأ عهد التدهور والانحطاط . و اذا شاء القدر ان يظهر طاغية ذو كفاية , يمتاز بالحيوية و الفراهة فى الحرب , ويقوم هذا الطاغية بتوسيع ممتلكاته , فأن الفوائد التى تجنى من هذا التوسع لن تعود الى الدولة و انما له هو , اذ انه لا يستطيع اضفاء اوسمة الشرف على المواطنين الشجعان والاختيار من الذين يتحكم فى مصائرهم بطغيانه ,

 لإنه لا يريد ان يجد مبررا لديه للشك فى امرهم . وهو لا يستطيع ايضا ان يسمح للمدن التى يستولى عليها , بأن تبدى خضوعها او تصبح تابعة للمدينة التى يحكمها هو بطغيانه , لان تقوية هذه المدينة ليس من مصلحته فى شئ . فمصلحته تقضى بالإبقاء على الدولة مجزأة بحيث لا تقر كل مدينة او مقاطعة إلا بوجوده هو كحاكمه الأوحد . وبهذه الطريقة وحدها يستطيع الانتفاع هو بشخصه لا ببلاده من ممتلكاته الجديدة . و اذا أراد انسان ان يتأكد من هذا الرأى بمجموعة من الحجج الأخرى , فان عليه ان يقرأ اكزونوفون فى رسالته عن قتل الطغاة .

        الأمير الذى يجعل منك فردا من رعاياه , فلا يقدم على هذا إلا اذا كان متوحشا يخرب البلاد , ويدمر كل ما قام به الانسان من عمل للحضارة , كما يفعل امراء المشرق تماما .

        غدت رومة مدينة عظيمة عن طريق تحطيمها المدن التى كانت حولها , وسماحها للأجانب بالوصول بسهولة إلى أوسمة الشرف عندها .

        على اولئك الذين يخططون لتحويل مدينة الى امبراطورية عظيمة ان يلجأوا إلى كل وسيلة متوافرة لهم , ليحشروا فى مدينتهم اكبر عدد من السكان , اذ ما لم تكن المدينة تضم عددا ضخما من السكان .


        ما يحدث فى الدين واللغة من تبدلات مع الكوارث التى تحل من فيضانات واوبئة تعفى على آثار الماضى وسجلاته .

مطارحات مكيافيلي 38

مطارحات مكيافيلي 38


مزايا الحكومة الشعبية

      تسبق الكوارث العظيمة التى تحل بالمدن و الامارات نذر من التطير أو نبوءات على لسان بعض الناس .

     العامة أقوياء فى وحدتهم وضعفاء فى حقيقتهم .

     الجماهير تكون عادة جريئة فى نقد القرارات التى يصدرها حكامها , ولكنها عندما ترى بأم اعينها العقوبات الملحقة بهذه القرارات , يأخذ الفرد منها بالشك فى الفرد الآخر , ويسارعون جميعا الى الطاعة .

     ليس هناك ما هو اشد مراسا وقوة من ناحية واحدة من حشد لا فائدة له , أو عزل عن قائده , إلا ان هذا الحشد من الناحية الاخرى , يكون اضعف ما فى الوجود ايضا . اذ ان من السهل اعادة هذا الحشد الى النظام , حتى ولو كان السلاح متوافرا فى يديه , شريطة ان يكون لدى من يحاول ذلك حصن منيع يستطيع اللجوء اليه للوقاية من هجومه الأول .

      إذا اراد حشد متحمس تجنب هذه الاخطار , فان عليه ان يجعل من احد افراده قائدا له , يتمكن من اصلاح هذا الخطأ أو العيب ويحفظ على الحشد وحدته , ويهتم بأمر الدفاع عنه .

      تكون الجماهير أكثر معرفة وثباتا من الأمير .

      ليس ثمة من شئ اكثر تفاهة او تقلبا من الجماهير .

      من طبيعة الجماهير اما ان تطيع عن استكانة او إذعان او ان تجور بغطرسة واستكبار .
       الرأى العام يكون دقيقا الى حد كبير فى دلالاته و اشاراته , مما يرمز الى ان قوة خفية توحى الى الشعب مقدما بما سيصيبه من شر أو خير .

 أما بالنسبة الى احكامه , فعندما يستمع الشعب الى خطيبين يتكافآن فى البراعة الخطابية , يدافعان عن وجهتى نظر متعارضين فان من النادر كل الندورة , ان يجد المرء الشعب وقد فشل فى تبنى الرأى الصحيح منهما أو عجز عن تمييز الحقيقة فى ما يستمع اليه من اقوال .

 أما اذا كان يبدو مخطئا فى بعض الأعمال التى تنطوى على الجرأة , كما سبق ان قلت , فان الامير يخطئ ايضا , عندما تكون عواطفه داخلة فى العمل الذى ينتوى القيام به , وهذه العواطف تكون على الغالب اكثر قوة من عواطف العامة .

       دللت الوقائع ايضا على ان العامة أحسن قدرة على التمييز من الامير فى موضوع اختيار الحكام اذ لا يمكن اقناع الشعب مطلقا , بأن من الخير ان يختار الى احد هذه المناصب رجلا عرفت عنه الخلاعة والعادات الفاسدة , بينما قد يقتنع الأمير , وغالبا ما يقتنع , بإجراء مثل هذا التعيين .

ومن المعروف أيضا ان العوام اذا ما بدأوا بالفزع من شئ , فان هذه الحالة تظل مسيطرة على عقولهم عدة قرون , وهو أمر لا يلاحظ مطلقا فى الحالات المتعلقة بالأمراء .

       العامى كانت تكره لقب (الملك) الى حد كبير , حتى انها لم تكن لتتسامح مطلقا فى ايقاع العقوبة بكل من يطمح الى هذا اللقب من ابنائها , مهما كانت الخدمات التى قدمها الى وطنه متناهية فى العظمة .
        لا يهمنى اذا ما عارض مؤرخنا فيما قاله من فقرات سبق لى ان نقلتها , وغيره من المؤرخين رأيى هذا , وذلك لأننا اذا اجرينا احصاء بعدد الفتن التى كان العوام مسببيها , وتلك التى احدثها الامراء , و احصاء آخر بعدد الامجاد التى كسبها العوام وتلك التى نالها الامراء , لوجدنا ان العامة تتفوق على الامراء فى اعمال الخير وفى الامجاد على حد سواء .

         تتجه اعمال الجماهير الوحشية الى اولئك الذين تشك فى تآمرهم على المصلحة العامة , أما فظائع الامراء فتتجه الى اولئك الذين يشك فى انهم يتآمرون على مصلحته الخاصة . والسبب فى تحيز الناس ضد العامة , هو ان الفرد يستطيع الحديث عنهم بالسوء , دون خوف وبصراحة , حتى عندما يكونون هم الحاكمين , أما عن الامراء فلا يتحدث الناس إلا فى منتهى الخوف والتحفظ .

       أى الائتلافات أو الاحلاف يمكن الوثوق بها أكثر : تلك التى تعقدها الجمهوريات أو التى يعقدها الامراء .

       الجمهوريات تستغرق من الوقت فى نقض اية معاهدة اكثر مما يستغرقه الأمير . وتنحل الائتلافات سعيا وراء بعض المنافع , وتكون الجمهوريات فى هذا الصدد اكثر تمسكا باتفاقاتها من الامراء .

        العامة اقل اقترافا لمثل هذه الاخطاء من الامير , وانه تبعا لذلك , تكون العامة اكثر جدارة بالثقة من الامراء .

        كانت القنصليات وجميع المناصب الأخرى فى رومة تعطى لمستحقيها دون أى أشتراط يتعلق بالسن .

      اختير فالبريووس كورفينوس قنصلا وهو فى الثالثة والعشرين من عمره , وذلك لأنه قال فى خطاب ألقاه فى جنوده , ان القنصلية هى (جائزة الفضيلة لا جائزة طيب المنبت) .

      ليس فى مكنة المرء , ان يقذف بالناس فى مواطن الازعاج , دون ان يكافئهم كما لا يمكن ان يحرموا من الأمل فى الحصول على المكافأة دون ان يتعرضوا الى الخطر .


       اصبح حق الانتخاب ملكا للجماهير فإنها لا تختار للمنصب إلا رجلا حقق بعض الأعمال العظيمة والضخمة . وعندما يتميز شاب بالفضيلة (الشجاعة) التى رافقت عملا عظيما من اعماله , يغدو موضع حديث الجميع , فان من العار كل العار ان لا تنتفع الدولة من خدماته , وان يضطر هذا الشاب الى الانتظار حتى يكبر سنه , ويكون فى غضون ذلك قد فقد ما يميزه من نشاط عقلى ومن سرعة فى العمل , كان فى وسع بلاده ان تستغلهما فى الوقت المناسب استغلالا نافعا .

17‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 37

مطارحات مكيافيلي  37


                      قيادة الشعب
     يجب ان لا يكون فى وسع أية دائرة أو أى موظف وقف الاجراءات .

     علينا ان نلاحظ , الفائدة من تعيين الحماة , فقد كان تعيينهم لا يقتصر فى فائدته على كبح مطامع الاقوياء التى تستهدف العامة , و انما يتعداه الى كبح مطامع الاقوياء ضد بعضهم البعض .

      على الجمهورية أو الامارة ان تفعلا فى الظاهر بدافع الكرم ما تحتم الضرورة عليهما فعله بدافع الحاجة .

       تكون الطريقة الاكثر ضمانة و الاقل فضيحة فى اخماد غطرسة انسان ارتفع إلى السلطان فى جمهورية برده بنفس الاساليب التى استعملها هو سلما لسلطانه .

        كثيرا ما تخدع المظاهر البراقة للمنافع , الشعب فيسعى إلى حتفه بظلفه , وكثيرا ما يسهل التأثير عليه بالآمال الكاذبة والوعود المتسرعة .

       الشعب دائما يهتف بالحياة لموته والموت لحياته .

       عندما تكون الاقتراحات المعروضة على الشعب من النوع الذى يبدو مضمونا حتى ولو انطوى على الكوارث مختفية فيه , أو من النوع الذى يبدو مضمونا حتى ولو انطوى على الكوارث مختفية فيه ,

 أو من النوع الذى يحمل طابع الجرأة حتى ولو كان خراب الجمهورية كامنا فيه , يكون من السهل دائما اقناع الشعب بها ويكون من الصعب دائما وبنفس الطريقة اقناع الجماهير بإتباع سبيل يبدو لها منطويا على الجبن أو اليأس , حتى ولو كانت السلامة و الامن قائمين فيه .

        كان هانيبال قد قضى ثمانى سنوات او عشرا فى ايطاليا , وكان قد أعمل فى الرومان تقتيلا وذبحا ذات اليمين وذات الشمال , فى طول البلاد وعرضها , عندما جاء ماركوس سنيتونيوس بنيولا وهو انسان وغد على الرغم من انه سبق له ان اشغل منصبا فى القوات المسلحة الى مجلس الشيوخ , وعرض عليه , اذا سمح له المجلس بتأليف جيش من المتطوعين بجمعه من اى مكان فى ايطاليا , 

ان يقدم له هانيبال فى وقت قصير , حيا او ميتا .

وبدا طلب هذا الوغد فى عينى اعضاء مجلس الشيوخ شيئا ينطوى على الحمق والجنون , ولكن لما كانت الحقيقة تشير الى انهم اذا وفضوا على الحمق والجنون , ولكن لما كانت الحقيقة تشير الى انهم اذا رفضوا العرض , وعرف الشعب برفضهم , فستنشب فى المدينة اضطرابات ,وستحل الكراهية على اولئك الذين ينتمون الى عضوية المجلس , ولذا فقد اجابوه الى طلبه مؤثرين سخطا جديدا عليهم بين جماهير الشعب , وذلك ادراكا منهم لما يلقاه مثل هذا العرض من ترحيب عند العامة , ولما سيجدونه من صعوبة فى اقناعهم لو حاولوا ذلك . وهكذا مضى الوغد على رأس جماعة من الدهماء يفتقرون الى النظام والانضباط باحثا عن هانيبال , فهزمه هذا وقتله مع كل من كان يسير تحت قيادته فى أول معركة التقى بها معهم .

        عندما يعتبر الشعب ان النصر أصبح مضمونا , ثم تفاجئه الهزيمة , لا يلقى بالملامة على الحظ او على عجز الشخص الذى يتولى القيادة ,

وإنما يلقيها على سوء نواياه أو جهله على الأقل . وهكذا يكون نصيب هذا الرجل القتل او السجن او الابعاد , كما حدث للكثيرين من قادة القرطاجنيين والأثينيين . ولا يجدى هذا الرجل , ما يكون قد سجله من انتصارات فى الماضى , إذ ان الكارثة الراهنة تزيلها من الوجود جميعا .

         لا شئ ادعى إلى كبح جماع حشد ثائر , من الاحترام الذى يحمله هذا الحشد لرجل معروف بالوقار والمكانة البارزة , يتقدم شخصيا لمواجهة هذا الحشد .

          من السهل ادارة الأمور فى دولة لم تفسد جماهيرها , وعندما تكون المساواة قائمة , يستحيل اقامة امارة أما عندما تنعدم هذه المساواة فمن المستحيل اقامة جمهورية .

          فى الامارات الألمانية , فمن الواضح كل الوضوح , ان الطيبة واحترام الدين , ما زالا قائمين عند شعوبها مما يؤدى الى وجود عدد من الجمهوريات فيها تنعم بالحرية , وتحترم قوانينها بطريقة لا تمكن الغرباء عنها أو مواطنيها من التجرؤ على اغتصاب السلطان فيها .

         جرت العادة عندما تحتاج الجمهوريات لإنفاق مبلغ من المال لحساب المصلحة العامة ان يقوم حكامها وأعضاء مجالسها بالنسبة الى الصلاحيات المخولة اليهم لمعالجة مثل هذه القضايا , بفرض ضريبة على جميع سكان المدينة لا تتجاوز نسبة واحد أو اثنين فى المائة من قيمة ما فى حوزتهم من ممتلكات .

وبعد ان يتخذ القرار , يتقدم كل انسان الى جباة الضرائب طبقا للإجراء الدستورى المعمول به فى المدينة .

وبعد ان يؤدى القسم على انه سيدفع المبلغ الصحيح , يلقى فى صندوق اعد خصيصا لهذه الغاية , بالمبلغ الذى يعتقد وهو مرتاح الضمير وحده .

ولا ريب فى ان هذا الوضع يشير الى ما يتميز به هؤلاء الناس من طيبة ومن احترام للدين .

         السبب الاول فى ابقاء الحياة السياسية فى هذه المدن الالمانية دون افساد : عدم اختلاط المدن الألمانية اختلاطا كبيرا بجاراتها التى لا يذهب اهلها إلا نادرا لزيارتها , ولا يقبلون الزيارات منها , وذلك لأنهم راضون بما لديهم من سلع , ويعيشون على ما ينتجونه من غذاء , ويلبسون ما يصنعونه من كساء , فى ارضهم لا فى ارض غيرهم .

وهكذا تنعدم الحاجة إلى الاختلاط , وتنعدم معها الخطوة الاولى فى طريق الفساد , لا سيما وان الفرصة ليست متاحة لديهم , لاقتباس عادات الفرنسيين او الاسبان او الايطاليين , وهى شعوب , إذا جمعت إلى بعضها , اعتبرت مصدر ما فى العالم كله من فساد .

         السبب الثانى فى ابقاء الحياة السياسية فى هذه المدن الالمانية دون افساد : هو ان اهلها لا يسمحون لأى من مواطنيهم , بالعيش على غرار النبلاء . وهم يحافظون فيها على النقيض من ذلك على المساواة المطلقة , ويظهرون العداء الشديد للسادة الاقطاعيين والنبلاء الذين يعيشون فى المقاطعة .

        لإيضاح ما اعنيه بكلمة (النبلاء) فأننى اود الاشارة الى ان هذا التعبير يطلق عادة على اولئك الذين يعيشون فى بطالة , وعلى ما تغدقه عليهم اقطاعياتهم من دخل غزير , دون ان يقوموا بأى عمل يتعلق بزراعاتهم , أو بأى شكل آخر من اشكال العمل اللازم للحياة . ومثل هؤلاء الناس , وباء فى كل جمهورية وكل امارة .


         لا يستطيع اى انسان يفكر فى اقامة جمهورية فى الاماكن التى يكثر فيها النبلاء النجاح فى تحقيق غرضه إلا إذا تخلص رأسا من اكثرهم .

مطارحات مكيافيلي 36

مطارحات مكيافيلي 36


الطلب الشائع للاشتراك فى الحكم

       ينتقل الناس من طموح إلى آخر وبعد النضال ضد المعاملة السيئة , يعملون على ايقاعها بغيرهم .

        تنشأ جميع الامثلة السيئة من بدايات طيبة .

        أول ما ينشده الرجال الطموحون الذين يعيشون فى احدى الجمهوريات , هو ان ينجوا كما سبق لى ان قلت من سوء المعاملة سواء ما كان منها من الاشخاص العاديين او من الحكام . 

وللحصول على هذا الأمن , يعمل هؤلاء الرجال على اقامة صداقات بطرق تبدو شريفة , كتقديم العون المالى , او تأمين الحماية من الاقوياء .

ولما كان هذا العمل يبدو شريفا وفاضلا , فأن كل انسان يخدع به بسهولة , ولذا فهو لا يكترث به , ممل يؤدى الى ان مثل هؤلاء الرجال الذين يثابرون على تنفيذ خططهم , والذين لا يواجهون أية عقبة , يتوصلون الى مركز يخشاه المواطنون العاديون , ويجد الحكام أنفسهم مرغمين على احترامه .

وعندما يصلون الى هذه المكانة العالية , دون ان يلقوا فى طريقهم أية عقبة حقيقية , تحول بينهم وبين العظمة , يغدون فى مركز , يكون من الخطر كل الخطر مهاجمتهم فيه للأسباب التى سبق لى ان اوضحتها , كالخطر الكامن فى محاولة انتزاع جائحة من دولة , بعد ان نمت فيها الى الحد الذى اوصلها الى أبعاد كبيرة ومهمة .


 وهكذا يتطور الوضع فى النهاية على النحو التالى : اما ان يتطلع نفسه لخطر الخراب السريع , او ان يسمح له بالاستمرار فى طريقه , مع توقع حياة العبودية فى ظله , الا اذا جاء الموت او حادث سريع لنجدته , واطلاق سراحه .

                              
     على الرغم من ان الناس يخطئون فى القضايا العامة الا انهم لا يخطئون فى المسائل المعينة .
     عندما جاء دور انتخاب حماة الشعب , وكان فى وسع العامة انتخاب الحماة الأربعة من ابناء طبقتهم , الا ان الذين انتخبوا بالفعل كانوا جميعا من النبلاء .

      عندما حان الوقت لتقرير أيهم يجب انتخابه من بين اعضاء حزبهم اقروا بما هم عليه من ضعف , وقضوا بأن أيا منهم لا يستحق الوصول الى ذلك الشئ الذى كانوا يعتقدون بجدارتهم فيه كمجموع لا كأفراد , وعندما أحسوا بعدم كفاية رجالهم , وجدوا ان من الضرورى العودة الى اولئك الذين يستحقون المنصب .

      لتأكيد هذه النظرية أرى ان اورد مثالا بارزا آخر , حدث فى كابوا , بعد ان تمكن هانيبال من هزم الرومان فى كانية .

وكانت هذه الكارثة , قد أثارت ايطاليا بأجمعها , ونشبت بصورة خاصة اضطرابات فى كابوا , بسبب الكراهية التى كانت قائمة بين الشعب ومجلس الشيوخ .

وأدرك باكوفيوس كالفيوس الذى كان آنذاك اكبر حاكم فى المدينة , الخطر الذى تتعرض له مدينته من هذه الفتن , فأخذ يدرس احسن السبل التى يمكن له ان يلجأ اليها بحكم منصبه , ليوجد التفاهم بين العامة والنبلاء . ووضع الرجل خطة نفذها .

 فقد استدعى مجلس الشيوخ , وابلغ اعضاءه الكراهية التى يحملها الشعب لهم , وان هذه الكراهية تعنى انهم معرضون لخطر القتل , وان المدينة معرضة لخطر التسليم لهانيبال , وذلك بالنسبة الى الحالة المحزنة التى كان الرومان قد وصلوا اليها .

 و اضاف الرجل , انهم لو تركوا القضية اليه لمعالجتها , فانه سيتصرف على النحو الذى يضمن عودتهم الى الاتحاد , ولكنه يقترح ان يغلق عليهم ابواب قصره , وانه رغبة منه فى انقاذهم سيلجأ الى ادعاء السلطان الذى يظهر للشعب انه قد اوقع العقاب الذى يريده بهم . و اذعن الشيوخ لنصيحته , وعندما تم له حصر جميع الاعضاء فى القصر , دعا الشعب الى اجتماع عام , وأبلغه ان الوقت قد حان لكى يصبح فى امكانه اذلال كبرياء النبلاء , والوصول الى ما يبغيه افراده من ثأر منهم , بالنسبة الى ما سبق لهم ان الحقوه بالشعب من اضرار , بعد ان تم له أخذ جميع اعضاء المجلس فى أسره .

وأضاف انه واثق على أى حال , من ان الشعب لا يريد ان تبقى مدينته بدون حكومة , وهكذا فاذا كان من رأيه قتل جميع الشيوخ السابقين , فان من الضرورى تعيين شيوخ آخرين بدلا منهم ولما كان قد وضع هذه الغاية نصب عينيه , فقد وضع اسماء جميع الشيوخ على أوراق فى كيس , وقال انه سيشرع فى سحب كل ورقة تحمل اسما , واحدة اثر اخرى بحضور أفراد الشعب واضاف انه سيعدم كل من تسحب الورقة التى تحمل اسمه , واحدا بعد آخر , بعد ان يكون الشعب قد وجد له من يخلفه فى المجلس . وشرع بعد ذلك فى اخراج اول اسم من الاسماء .

وهبت عاصفة من الضجيج عند سماع الاسم بين الماس ,. فقد لقبوا صاحبه بالمتكبر والعديم الشفقة والمتغطرس . ودعاهم باكوفيوس بعد ذلك الى تعيين من يخلفه , و اذا بالأصوات تخفت مرة واحدة , وبعد فترة من التوقف , رشح البعض احد العامة .

وعندما تلى اسم المرشح شرع بعضهم فى الصفير , والبعض الآخر فى الضحك , بينما أخذ آخرون يهزأون به من ناحية أو من اخرى . وهكذا مضى الوقت ساعة اثر ساعة , الى ان اتخذ القرار بأن جميع من رشحوا لا يعتبرون اهلا لعضوية الشيوخ .

وهنا انتهز باكوفيوس الفرصة ليقول : لما كنتم تعتقدون ان المدينة لا تستطيع البقاء بلا مجلس شيوخ , ولما كنتم لم تتفقوا على من يخلف الشيوخ القدماء , فانى اعتقد بأن السبيل الأمثل , هو ان تتفقوا معهم , لا سيما وان الخوف الذى استحوذ على الشيوخ فى هذه الآونة , لا بد وان يكون قد اذلهم , بحيث ستجدون منهم ذلك الاعتدال الذى كنتم تبحثون عنه فى مكان آخر .

ووافق العوام على هذا الاقتراح , وتحققت الوحدة بهذا الاجراء , لا سيما وان الاخطاء التى كانوا فى سبيل اقترافها قد اكتشفت فور ارغامهم على الانتقال على الانتقال من المسائل العامة الى المسائل المعينة .

          للحيلولة دون اعطاء منصب رسمى الى شخص حقير أو شرير يجب ترشيح آخر لهذا المنصب على ان يفوق الأول حقارة أو شرا أو يكون مثالا للنبل والطيبة .

          عندما كان مجلس الشيوخ , لا يتوقع الا توقعا جزئيا , تعيين بعض العوام فى مناصب حماة الشعب (التربيون) الذين يحملون سلطانا قنصليا , لجأ الى احدى هاتين الوسيلتين .

 فكان يقبل اما على ترشيح اكثر الناس شرفا ونبلا فى رومة , او كان يلجأ من الناحية الاخرى الى وسائل مناسبة لشراء أحد العوام المعروفين بأنهم من الاوغاد او التافهين , ويدفع به الى الاختلاط بالعوام من ذوى المكانة العالية , الذين قد يقفون كمرشحين فى الظروف العادية , لكى يضمن ترشيحه معهم .

وكانت هذه الوسيلة الثانية تحمل العامة على الخجل من اعطاء الرجل المنصب الذى يطمع فيه , بينما كانت الوسيلة الاولى تحملهم على الخجل من عدم تقديمه اليه .

        إذا كانت الدول المدينية التى كانت حرة منذ استهلالها , كرومة مثلا تجد ان من الصعب عليها صياغة القوانين التى تضمن حريتها , فان تلك الدول التى تخلصت قبل قليل من حياة العبودية لا بد وأن تلقى نفس الصعوبة والاستحالة .
      
         لقد كان النظام الذى اتبعته رومة فى هذا الصدد صالحا كل الصلاح , اذ كانت تسمح بحق الاستئناف الى الشعب عادة , و اذا ما ثارت قضية , يكون التأجيل فيها بانتظار الاستئناف خطرا على المدينة , فقد كان المتبع , ان يوكل بها الى ديكتاتور يحسم موضوعها رأسا , مع العلم ان الرومان لم يكونوا يلجأون الى مثل هذا الاجراء إلا عند الضرورة القصوى .


         رومة التى كان لها دستورها الخاص بها , والذى وضعه عدد كبير من حكماء الرجال . 

واجهت دائما حاجات ناشئة جديدة , ارغمتها على ادخال انظمة جديدة , لدعم الحريات التى تمتعت بها , ولذا لم يكن من المستغرب , ان تنشأ فى المدن الاخرى التى كانت تفتقر الى النظام منذ قيامها , مثل هذه الصعوبات , التى جعلتها عاجزة دائما عن تنظيم شؤونها فى سبيل سوى .

مطارحات مكيافيلي 35

مطارحات مكيافيلي 35



                    الطريق الى الدمار

         عن الفضائح التى نجمت عن القوانين الزراعية فى رومة وعن الفضيحة الكبرى التى تحدث فى أية جمهورية من سن قانون رجعى يسرى مفعوله إلى أمد طويل قبل وضعه , ويتعارض مع عادة قديمة ألفتها الدولة .

          عندما لا تكون ثمة حاجة عند الناس للاقتتال , يصطرعون سعيا وراء الطموح .
          الطبيعة قد ركبت البشر على نحو يجعل جميع الامور على الرغم من انها مواضع للرغبات , صعبة التحقيق على الناس , وذلك لأن الرغبة تتفوق  دائما على سلطان البلوغ , مما يؤدى الى عدم  اقتناع الناس بما يملكونه , والى تذمرهم من الاوضاع الحالية التى يكونون فيها .

          تقع النصوص التى وردت فى هذا القانون فى مجموعتين .

 فقد نص أولا على عدم السماح لأى مواطن بأن يملك ما يزيد على عدد معين من الافدنة من الارض , وثانيا على ان تقسم جميع الاراضى التى تؤخذ من عدو مهزوم على أفراد الشعب الرومانى .

 وقد اساء هذا الى النبلاء بطريقتين , اولاهما انه حتم على كل من يملك ارضا تزيد فى مساحتها على ما يسمح به القانون , وكان معظم هؤلاء المالكين حتما من النبلاء , ان يتخلى عن الفائض للدولة , وثانيتها ان اقتسام اسلاب العدو مع العامة , قد وضع نهاية لفرصتهم فى إثراء انفسهم .

وهكذا لما كانت هذه النصوص قد اساءت الى الرجال من ذوى السلطان , ولما كان قد بدا لهم , انهم فى معارضتهم للقانون , انما يعملون دفاعا عن المصلحة العامة , فانه لما اثير هذا الموضوع كانت المدينة بأسرها , قد انقلبت رأسا على عقب .

                            
      تعانى الجمهوريات الضعيفة من التردد ولا تستطيع الوصول إلى قرارات وعندما تصل إلى قرار واحد , تكون الحاجة لا الاختيار هى السبب .

       ان الجمهوريات الكثيرة التردد , لا تختار ابدا الطريق القويم إلا اذا ارغمت اتباعه , لأن ضعفها يحول دون وصولها الى قرار عندما يكون هناك ثمة شك , ومل لم يزل هذا الشك بعمل من اعمال العنف , فإنها تظل فى وضع المتردد الذى لا قرار له .

       الاحداث التى يتكرر وقوعها للشعوب المختلفة : اذا كان من المقرر ان نقارن بين الحاضر والماضى البعيد , فأن فى وسعنا ان نرى بسهولة , ان ثمة رغبات متشابهة وعواطف واحدة تكون موجودة دائما وفى جميع الاوقات , فى كافة المدن وعند مختلف الشعوب , وعلى هذا , اذا درس المرء من المثابرة شؤون الماضى , كان من السهل عليه ان يتكهن بمستقبل أية دولة من الدول , وان يطبق نفس العلاجات التى استخدمت فى الماضى , فإذا لم يجد ان ثمة علاجات قد استعملت , أمكنه ان يبتكر علاجات جديدة وذلك بفضل ما فى الاحداث من تشابه ومماثلة .

          الشرور التى انطوت عليها اقامة هذا النظام الطغيانى كانت راجعة الى نفس الاسباب التى تؤدى الى ظهور انظمة الطغاة فى المدن الاخرى وهى الغلو فى مطالبة الشعب بالحرية .
         عندما لا يكون للطاغية الا اصدقاء قلائل فى وطنه , فان قوات الأمن الداخلى لا تكون كافيه لحمايته , وهذا يحمله على اللجوءي الى مساعدة خارجية . وتكون هذه المساعدة فى اشكال ثلاثة أولها الاتباع الاجانب يتولون حماية شخص الطاغية , وثانيها تسليح اهل الارياف ليقوموا بما كان من واجب العامة القيام به وثالثها , عقد حلف دفاعى مع جيران أقوياء . وكل من يتخذ هذه الاحتياطات , ويطبقها تطبيقا حسنا , يستطيع بطريقة من الطرق الدفاع عن نفسه حتى ولو كان الشعب معاديا له .

     اثر الحكام الذين يعينون أنفسهم فى ايذاء الحرية , يكون ابلغ من أذى الحكام الذين ينتخبهم الشعب .

         الانتقال المفاجئ من التواضع إلى الكبرياء أو من الرقة والدماثة إلى القسوة والوحشية دون اتباع خطوات صحيحة ومناسبة أمر يجافى العقل ولا يجدى .
          كل من بدا فى وقت ما , بمظهر الصلاح , ثم رغب لسبب من الاسباب التى تتعلق بأهدافه الخاصة , فى ان يتحول الى الطلاح , ان يقوم بعملية التبدل هذه على مراحل معقولة , مكيفا سلوكه حسب مقتضيات الظروف و الاحوال , بحيث يتمكن قبل ان يحمله تبديل طبيعته على خسارة مؤيديه القدامى , من ضمان تأييد عدد جديد من الانصار , حتى لا يخسر شيئا من قوته وسلطانه , و اذا لم يتبع هذا السبيل , فأنه يجد نفسه ضائعا بلا اصدقاء وفى ذلك دماره المحتوم .

          خيرة الجنود و أكثرهم اخلاصا من يحارب منهم سعيا وراء المجد .

         البون الشاسع بين جيش راضى يحارب طلبا للمجد , وبين جيش آخر , ما زال ساخطا يحارب لمساعدة انسان على تحقيق مطامعه . اذ بينما كانت جيوش الرومان قد ألفت النصر فى ظل قناصلها , كانت تمنى بالهزيمة دائما تحت قيادة مجلس العشرة .

         لا قيمة للجماهير بلا زعيم لها وعليها ان تتجنب التهديد أولا ثم طلب السلطة اللازمة ثانيا .

         من السوابق السيئة ان يخالف المرء قانونا جديدا ولا سيما إذا كان الشخص المخالف من المشرعين , و ايقاع اضرار جديدة بأية مدينة , أمر مؤذ للشخص الذى يحكمها .


        لعل من اكثر الأمور إضرارا بالحكومة , ان تثير كل يوم سخطا جديدا فى مشاعر مواطنيها , عن طريق ايقاع الاذى من جديد , بهذا المواطن او ذاك .

مطارحات مكيافيلي 34

مطارحات مكيافيلي 34

                     منافع الديكتاتورية ومساوئها

       من الخير عندما تشق جائحة طريقها داخل دولة أو ضدها , ان يعمل على مداورتها لا على القضاء عليها .

       لجأ الرومان الى وسيلة كانوا قد ألفوا استعمالها فى ايام الأزمات , وعندما تكون الاخطار قريبة , وهى تعيين ديكتاتور , اى اضفاء السلطان على شخص واحد معين ليستطيع اتخاذ القرارات دون استشارة الآخرين وتنفيذها دون ان يكون لإنسان الحق فى الاعتراض عليها او استئنافها .

       على الانسان ان يلاحظ فى مثل هذه الحوادث , انه عندما تظهر جائحة فى الجمهورية او تقف فى طريقها بصورة فعالة ومؤثرة , بسبب عوامل داخلية أو خارجية , وتبلغ من الحدة شأوا عظيما , يدفع الناس جميعا الى الفزع , فأن السبيل المأمون العواقب , هو ان تبذل المحاولات لوقف هذه الجائحة وتلطيفها , بدلا من محاولة القضاء عليها مرة واحدة . اذ جرت العادة على ان يدفع بها اولئك الذين يحاولون محوها من الوجود , الى النمو و الازدياد فى البأس والقوة , و الاسراع بما تنطوى عليه من شرور يتوقعونها هم ويخشونها .

        كانت السلطة الديكتاتورية مصدر خير لا شر لجمهورية رومة , وتكون السلطة الضارة بالحياة المدنية هى تلك التى ينتحلها المواطنون لا التى ينالونها عن طريق الانتخاب .

        لو لم تكن فى رومة مثل هذه الرتبة , لبحث الديكتاتور عن رتبة أخرى يحملها ولوجدها , اذ ان من السهل عل القوة الحصول على اللقب , بينما من الصعب على اللقب الحصول على القوة .

         من الواضح ان الديكتاتورية , ظلت طيلة العهد الذى كانت تمنح فيه طبقا للأنظمة العامة  , لا عن طريق ادعائها من الديكتاتور نفسه ووفقا لسلطته , مصدر خير ونفع للدولة .

 فتعيين القضاة بطريقة غير صحيحة , ومنح السلطات فى نفس الطريقة , هما اللذان ألحقا الأذى بالجمهورية , لا السلطات التى كانت تعطى بالطريقة العادية , كما يتضح من الحقيقة الواقعة , وهى انه فى العهد الطويل من تاريخ رومة لم يقم أى ديكتاتور ابدا بأى عمل لم يكن فيه الخير للجمهورية .

       الديكتاتور كان يعين لمدة محدودة , ويقصد معالجة تلك القضايا التى أدت الى تعيينه ليس إلا .

          الديكتاتورية كانت نافعة دائما .

          من الحق ان يقال ان هذا النظام هو الوحيد بين أنظمة رومة العديدة , الذى يستحق الاعتبار وان يوضع بين الاسباب التى تعود اليها عظمة الامبراطورية الرومانية الفسيحة الارجاء .

 ولو لم يكن مثل هذا النظام , لتعذر على المدن ان تجد سبيل الخلاص من الاوضاع الشاذة وغير العادية , وذلك لأن الانظمة التى تسير عليها الجمهوريات فى الاوقات العادية , تكون بطيئة فى اجراءاتها .

          اما فى الجمهوريات التى لا يوجد نص فى دساتيرها على مثل هذا النظام , فانها قد تجد نفسها مرغمة على مواجهة احد احتمالين , اما التمسك بالدستور والتعرض لخطر الدمار , أو انتهاك حرمته والنجاة من ذلك الخطر .

وانتظار وقوع الاحداث فى جمهورية , قبل اللجوء الى مثل هذه الاجراءات غير العادية لمعالجتها , ئ لا يرغب فيه مطلقا , اذ على الرغم من ان هذه الاجراءات , قد تكون طيبة فى ذلك الوقت بالذات , الا ان اعتبارها سابقة أمر فى منتهى السوء , وذلك لأنها تفضى بشرعية اللجوء الى انتهاك الاساليب الدستورية تنفيذا لغاية طيبة , مما يجعل فى الامكان استخدامها تحت ستار زائف من المبررات لوقف الاساليب الدستورية تنفيذا لغرض سئ .

 ولا يمكن لأية جمهورية ان تبلغ الكمال , الا اذا ضمنت بموجب قوانينها نصوصا صالحة لكافة الاحتمالات , وضمنت لكل احتمال , علاجا شافيا وأقرت الطريقة التى يجب ان تتبع فى استعماله .
         فى هذا الموضوع المتعلق بهذا النظام الجديد , تجب ملاحظة الحكمة البالغة التى ابداها الرومان فى طريقة انتخاب الناس الذين يحتلون المنصب .

         قرر الرومان ان تكون سلطة تعيين الديكتاتور فى أيدى القناصل .

         على القناصل ان يقوموا بتطبيقه من أنفسهم وبمحض اختيارهم , ولما كانوا هم الذين يتولون التعيين , فان الاجراء يصبح أقل ايلاما لهم .

         يضاف الى هذا ان الرومان فى الفترة الأخيرة , بدلا من تعيين ديكتاتور , اخذوا يحملون القنصل صلاحياته مستخدمين العبارة التالية : (على القنصل ان يتأكد من ان الجمهورية ستكون فى نجوة من الأذى ) .

          عندما تمنح سلطة غير محدودة الى أمد طويل , وأعنى به هنا سنة أو يزيد , فأن هذه السلطة تضحى خطرة .


          على المواطنين الذين تسنموا أرفع المراتب ان لا يأنفوا من قبول ما هو أدنى منها .