مطارحات مكيافيلي 33
إدخال أنواع جديدة
من الحكم
على كل راغب فى تبديل نظام ثابت للحكم فى
دولة مستقلة , أن يحافظ على الاقل على ظل لعاداتها القديمة .
على كل من يتسلم الحكم فى مدينة أو امارة
ان يجدد كل شئ فيها .
يقوم ببناء مدن جديدة بعد ان يدمر القائمة
منها , وان ينقل السكان من مكان الى آخر , يبعد عنه كل البعد , وان لا يترك , بالاختصار
, أى شئ فى الامارة السابقة فى مكانه , وان ينزع منها كل شئ حتى الرتب والتنظيمات
وشكل الحكومة والثروة , باستثناء ما يمكن الاحتفاظ به على انه شئ صادر عنه .
يندر أن يعرف الناس طريقة العمل كصالحين كل
الصلاح أو طالحين كل الطلاح .
نكران الجميل
الشعوب تكون اكثر
ايلاما من وحشيتها عندما تستعيد حريتها , منها عندما تكون قد عاشت فى ظل هذه
الحرية أمدا ما .
أيهما أكثر نكرانا للجميل , الأمير أو
الشعب ؟
رذيلة نكران الجميل تنشأ اما عن الجشع او
عن الشك .
يقول كورنيليوس تاسيتوس : ان المرء أكثر
ميلا لرد الاساءات منه الى رد الحسنات , اذ ان من الاعباء الثقيلة , منح الهبات ,
بينما يكون الثأر جم الفوائد والنفع .
القائد الذى تمكن بشجاعته من توسيع رقعة
ممتلكات سيده , ومن اخضاع اعدائه وقهرهم , والذى اكتسب الأمجاد لنفسه والمغانم
لجنوده , لابد وان يكون قد حصل فى نفس الوقت على شهرة مماثلة مع قواته وعند أعدائه
ورعايا سيده , بحيث لا يبدو ما حققه من انتصار , شيئا حسنا فى عينى سيده الذى عمل
تحت امرته .
ولما كان الناس بطبعهم طموحين وكثيرى الشكوك ولا يعرفون كيف يستخدمون
الاعتدال .
ان الأمير لا يستطيع الا ان يبحث عن
سلامته الشخصية , ولتحقيق هذه الغاية , فانه قد يفكر فى اعدامه او فى حرمانه من
مركزه الذى حصل عليه عند جيشه هو وعند شعبه .
لما كان الأمير عاجزا عن التصرف فى هذه
القضية , ليس من المدهش ولا من الأهمية التى تدعو الى الملاحظة اذا عجز الشعب ايضا
عن التصرف فيها .
فلكل مدينة تسودها الحرية غايتان تتطلع اليهما , اولاهما توسيع
رقعتها وثانيتها الحفاظ على حريتها . وفى وسع المرء ان يخطئ عن طريق المبالغة .
وسندرس قضية الاخطاء التى تقترف عند التوسع فى المكان المناسب لها .
أما الاخطاء
التى ترتكب فى قضية الحرية فهى كثيرة , ومنها الاساءة الى المواطنين الذين يستحقون
المكافأة , والشك فى الذين يجب ان يكونوا موضع الثقة .
الناس يصلحون خوفا من العقاب أحوالهم
ويغدون اقل طموحا.
نكران الجميل الذى عومل به شيبيو فقد نشأ
من الناحية الثانية , عن الشك الذى بدأ يساور المواطنين نحوه , والسبب فى ذلك راجع
الى عظمة العدو الذى قهره شيبيو , والى الشهرة التى اكتسبها بانتصاره , بعد مثل
هذه الحرب الطويلة والمليئة بالأخطار , والى السرعة التى حقق فيها هذا النصر ,
وكذلك الى المكاسب التى نالها عن طريق شبابه وحكمته وفضائله البارزة الاخرى .
وكانت هذه المزايا كلها من البروز بحيث خاف القضاة من اتساع سلطته .
الخطوات التى يجب أن يتخذها الأمير أو
تتخذها الجمهورية لتجنب رذيلة نكران الجميل . وما يجب على القائد أو المواطن عمله
إذا كانا لا يريدان احتمال العناء من جرائها .
على الأمير اذا أراد تجنب ضرورة قضاء
ايامه فى الشك بالناس و اظهار نكران الجميل , ان يتولى بنفسه قيادة جيوشه فى
الحملات العسكرية كما كان يفعل أباطرة الرومان فى مستهل عهد الامبراطورية , او كما
يفعل سلطان الاتراك اليوم , او كما دأب الشجعان من الامراء على العمل فى الماضى
والحاضر ايضا .
بالنسبة للقائد عليه ان يعمل احد أمرين
,
الامر الاول ان ينسحب من الجيش بعد تحقيق النصر مباشرة , ليضع نفسه تحت تصرف
اميره , ممتنعا عن كل عمل فيه طعم الغطرسة او الطموح , وذلك لئلا يمكن اميره من
ايجاد اى مبرر للشك , وبذلك يضمن اما الحصول على مكافأته , أى تجنب ضرره على الأقل
,
وأما الأمر الثانى . فان عليه , اذا لم ير جدوى من اتباع الطريقة الأولى , ان
يسير على عكسها تماما , وهى بذل كل جهد لحمل الشعب على الاعتقاد بأنه هو الذى حقق
له الفتح , لا الامير , وتقوية نفسه بالتقرب الى الجنود والى الرعية , والدخول فى
علاقات ودية مع الدول المجاورة , والعهدة الى رجاله بامتلاك القلاع ورشوة كبار
ضباط جيشه ,
والتأكد من ولاء اولئك الذين لا يستطيع رشوتهم , وان يعمل بطرق كهذه
على عقاب سيده لنكران الجميل الذى كان من المحتمل ان يلقاه منه وليس ثمة من سبيل
ثالث . ولقد سبق لى ان قلت , ان الناس يجهلون طريقة السير فى سبيل ليس فيه الا
الصلاح كل الصلاح , او الطلاح كل الطلاح . ولهذا فان ما يحدث عادة , هو ان يكره
القادة التخلى عن قيادتهم فورا بعد النصر , اذ يجدون من الصعب عليهم ان يسلكوا
سلوكا متواضعا , ولكنهم مع ذلك يترددون فى اللجوء الى الوسائل العنيفة , حتى ولو
جاءت دفاعا عن قضية نبيلة , وهذا يؤدى الى هزيمتهم بالنسبة الى غموض موقفهم اثناء
فترة التردد والشك التى يمرون فيها .
لم يتعرض القادة الرومان قط الى عقوبات
صارمة على اخطائهم ولم يحاسبوا قط أيضا على جهلهم أو خطل احكامهم على الرغم مما
الحقوه بالجمهورية من أذى .
كانوا يرون ان من المهم كل الأهمية ,
بالنسبة الى من يتولون قيادة جيوشهم , ان تكون عقولهم صافية ومنطلقة وغير مرتبكة ,
وان لا يقلقوا أنفسهم بقضايا لا تمت الى قياداتهم بصلة , وذلك عند اتخاذهم
قراراتهم , لأن الرومان لم يكونوا يرغبون فى اضافة متاعب ومخاطر جديدة الى المتاعب
والمخاطر التى يواجهها القادة فى اداء مهمتهم , اذ لو كانوا فى وضع مرتبك , لما سلك
أى منهم سلوكا فاضلا .
كان الرومان يرون , ان العار الذى يحس
به مثل هؤلاء القادة , اذا خسروا معاركهم , عقاب كاف لهم , ولهذا فقد آثروا ان لا
يزعجهم ويفزعهم بفرض عقوبات أكبر و أعظم من هذه العقوبات .
على الجمهورية أو الأمير أن لا يؤجلا
اغداق المنافع على الشعب إلى الوقت الذى يجدان نفسيهما فيه مضطرين إلى هذا الاغداق
.
من واجب كل حكومة ان تضع ما قلته نصب
عينيها , فان عليها , قبل ان تسوء الاحوال , ان تفكر بالشعب الذى قد تلجأ الى
الاعتماد عليه فى وقت الضرورة .
الحكومة التى تتنكب هذا السبيل , سواء
اكانت جمهورية أو امارة , ولاسيما اذا كانت من النوع الاخير , وكانت لا تفكر بكسب
الشعب الى صفها عن طريق اغداق المنافع عليه الا وقت الازمات , فانها جد مخطئة , اذ
انها لن تجد نفسها عاجزة عن كسبه فحسب , بل ستجد ايضا انها قد عملت على التعجيل بنهايتها
.
0 التعليقات:
إرسال تعليق