17‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 33

مطارحات مكيافيلي 33


إدخال أنواع جديدة من الحكم

      على كل راغب فى تبديل نظام ثابت للحكم فى دولة مستقلة , أن يحافظ على الاقل على ظل لعاداتها القديمة .

      على كل من يتسلم الحكم فى مدينة أو امارة ان يجدد كل شئ فيها .

      يقوم ببناء مدن جديدة بعد ان يدمر القائمة منها , وان ينقل السكان من مكان الى آخر , يبعد عنه كل البعد , وان لا يترك , بالاختصار , أى شئ فى الامارة السابقة فى مكانه , وان ينزع منها كل شئ حتى الرتب والتنظيمات وشكل الحكومة والثروة , باستثناء ما يمكن الاحتفاظ به على انه شئ صادر عنه .

      يندر أن يعرف الناس طريقة العمل كصالحين كل الصلاح أو طالحين كل الطلاح .

                               نكران الجميل

الشعوب تكون اكثر ايلاما من وحشيتها عندما تستعيد حريتها , منها عندما تكون قد عاشت فى ظل هذه الحرية أمدا ما .

       أيهما أكثر نكرانا للجميل , الأمير أو الشعب ؟

       رذيلة نكران الجميل تنشأ اما عن الجشع او عن الشك .

       يقول كورنيليوس تاسيتوس : ان المرء أكثر ميلا لرد الاساءات منه الى رد الحسنات , اذ ان من الاعباء الثقيلة , منح الهبات , بينما يكون الثأر جم الفوائد والنفع .
       القائد الذى تمكن بشجاعته من توسيع رقعة ممتلكات سيده , ومن اخضاع اعدائه وقهرهم , والذى اكتسب الأمجاد لنفسه والمغانم لجنوده , لابد وان يكون قد حصل فى نفس الوقت على شهرة مماثلة مع قواته وعند أعدائه ورعايا سيده , بحيث لا يبدو ما حققه من انتصار , شيئا حسنا فى عينى سيده الذى عمل تحت امرته .

 ولما كان الناس بطبعهم طموحين وكثيرى الشكوك ولا يعرفون كيف يستخدمون الاعتدال .

        ان الأمير لا يستطيع الا ان يبحث عن سلامته الشخصية , ولتحقيق هذه الغاية , فانه قد يفكر فى اعدامه او فى حرمانه من مركزه الذى حصل عليه عند جيشه هو وعند شعبه .

        لما كان الأمير عاجزا عن التصرف فى هذه القضية , ليس من المدهش ولا من الأهمية التى تدعو الى الملاحظة اذا عجز الشعب ايضا عن التصرف فيها .

 فلكل مدينة تسودها الحرية غايتان تتطلع اليهما , اولاهما توسيع رقعتها وثانيتها الحفاظ على حريتها . وفى وسع المرء ان يخطئ عن طريق المبالغة .

 وسندرس قضية الاخطاء التى تقترف عند التوسع فى المكان المناسب لها .

أما الاخطاء التى ترتكب فى قضية الحرية فهى كثيرة , ومنها الاساءة الى المواطنين الذين يستحقون المكافأة , والشك فى الذين يجب ان يكونوا موضع الثقة .

       الناس يصلحون خوفا من العقاب أحوالهم ويغدون اقل طموحا.

       نكران الجميل الذى عومل به شيبيو فقد نشأ من الناحية الثانية , عن الشك الذى بدأ يساور المواطنين نحوه , والسبب فى ذلك راجع الى عظمة العدو الذى قهره شيبيو , والى الشهرة التى اكتسبها بانتصاره , بعد مثل هذه الحرب الطويلة والمليئة بالأخطار , والى السرعة التى حقق فيها هذا النصر , وكذلك الى المكاسب التى نالها عن طريق شبابه وحكمته وفضائله البارزة الاخرى . وكانت هذه المزايا كلها من البروز بحيث خاف القضاة من اتساع سلطته .

        الخطوات التى يجب أن يتخذها الأمير أو تتخذها الجمهورية لتجنب رذيلة نكران الجميل . وما يجب على القائد أو المواطن عمله إذا كانا لا يريدان احتمال العناء من جرائها .

         على الأمير اذا أراد تجنب ضرورة قضاء ايامه فى الشك بالناس و اظهار نكران الجميل , ان يتولى بنفسه قيادة جيوشه فى الحملات العسكرية كما كان يفعل أباطرة الرومان فى مستهل عهد الامبراطورية , او كما يفعل سلطان الاتراك اليوم , او كما دأب الشجعان من الامراء على العمل فى الماضى والحاضر ايضا .

         بالنسبة للقائد عليه ان يعمل احد أمرين ,

 الامر الاول ان ينسحب من الجيش بعد تحقيق النصر مباشرة , ليضع نفسه تحت تصرف اميره , ممتنعا عن كل عمل فيه طعم الغطرسة او الطموح , وذلك لئلا يمكن اميره من ايجاد اى مبرر للشك , وبذلك يضمن اما الحصول على مكافأته , أى تجنب ضرره على الأقل ,

وأما الأمر الثانى . فان عليه , اذا لم ير جدوى من اتباع الطريقة الأولى , ان يسير على عكسها تماما , وهى بذل كل جهد لحمل الشعب على الاعتقاد بأنه هو الذى حقق له الفتح , لا الامير , وتقوية نفسه بالتقرب الى الجنود والى الرعية , والدخول فى علاقات ودية مع الدول المجاورة , والعهدة الى رجاله بامتلاك القلاع ورشوة كبار ضباط جيشه ,

 والتأكد من ولاء اولئك الذين لا يستطيع رشوتهم , وان يعمل بطرق كهذه على عقاب سيده لنكران الجميل الذى كان من المحتمل ان يلقاه منه وليس ثمة من سبيل ثالث . ولقد سبق لى ان قلت , ان الناس يجهلون طريقة السير فى سبيل ليس فيه الا الصلاح كل الصلاح , او الطلاح كل الطلاح . ولهذا فان ما يحدث عادة , هو ان يكره القادة التخلى عن قيادتهم فورا بعد النصر , اذ يجدون من الصعب عليهم ان يسلكوا سلوكا متواضعا , ولكنهم مع ذلك يترددون فى اللجوء الى الوسائل العنيفة , حتى ولو جاءت دفاعا عن قضية نبيلة , وهذا يؤدى الى هزيمتهم بالنسبة الى غموض موقفهم اثناء فترة التردد والشك التى يمرون فيها .

         لم يتعرض القادة الرومان قط الى عقوبات صارمة على اخطائهم ولم يحاسبوا قط أيضا على جهلهم أو خطل احكامهم على الرغم مما الحقوه بالجمهورية من أذى .

         كانوا يرون ان من المهم كل الأهمية , بالنسبة الى من يتولون قيادة جيوشهم , ان تكون عقولهم صافية ومنطلقة وغير مرتبكة , وان لا يقلقوا أنفسهم بقضايا لا تمت الى قياداتهم بصلة , وذلك عند اتخاذهم قراراتهم , لأن الرومان لم يكونوا يرغبون فى اضافة متاعب ومخاطر جديدة الى المتاعب والمخاطر التى يواجهها القادة فى اداء مهمتهم , اذ لو كانوا فى وضع مرتبك , لما سلك أى منهم سلوكا فاضلا .

         كان الرومان يرون , ان العار الذى يحس به مثل هؤلاء القادة , اذا خسروا معاركهم , عقاب كاف لهم , ولهذا فقد آثروا ان لا يزعجهم ويفزعهم بفرض عقوبات أكبر و أعظم من هذه العقوبات .
         على الجمهورية أو الأمير أن لا يؤجلا اغداق المنافع على الشعب إلى الوقت الذى يجدان نفسيهما فيه مضطرين إلى هذا الاغداق .

         من واجب كل حكومة ان تضع ما قلته نصب عينيها , فان عليها , قبل ان تسوء الاحوال , ان تفكر بالشعب الذى قد تلجأ الى الاعتماد عليه فى وقت الضرورة  .


          الحكومة التى تتنكب هذا السبيل , سواء اكانت جمهورية أو امارة , ولاسيما اذا كانت من النوع الاخير , وكانت لا تفكر بكسب الشعب الى صفها عن طريق اغداق المنافع عليه الا وقت الازمات , فانها جد مخطئة , اذ انها لن تجد نفسها عاجزة عن كسبه فحسب , بل ستجد ايضا انها قد عملت على التعجيل بنهايتها .

0 التعليقات: