مطارحات مكيافيلي 30
الدين
أهل هذه المدينة كانوا أكثر خوفا من الحنث
بيمين , من مخالفة القانون , إذ انهم يجلون سلطان الله , اكثر من اجلالهم لسلطان
الانسان .
حيث يوجد الدين يصبح من السهل تعليم الناس
على استخدام السلاح , اما حيثما توجد الاسلحة , ولا يكون ثمة وجود للدين , يضحى من
الصعب ادخاله ونشره .
احترام العبادة السماوية يكون مصدر العظمة
فى الجمهوريات , فان اهمال هذه العبادة يؤدى الى خرابها .
الممالك التى ترتكز الى فضيلة رجل واحد ,
لا يقدر لها ان تعمر طويلا , اذن ان هذه الفضيلة تزول بموت هذا الرجل , ومن النادر
ان تبعث فى خلفه .
على كل من يرغب من الأمراء والجمهوريات فى
البقاء فى نجوة من الاحتلال , ان يحتفظ بنقاء طقوس التى يؤمن الأمير او الجمهورية
بها , وان يحلها محل الاجلال دائما , اذ لا دليل اصدق على انحطاط أى بلد من البلاد
من رؤية العبادة السماوية فيها موضع الاهمال وعدم الاكتراث .
ندين للكنيسة ورجالها بشئ اعظم , ولعله
هو السبب الثانى فيما لحق بنا من خراب .
فالكنيسة هى التى جزأت ايطاليا وما زالت
تحافظ على تجزئتها .
هكذا فان الكنيسة لم تكن فى يوم ما قادرة
على احتلال ايطاليا بأسرها , كما لم تسمح لغيرها باحتلالها . وعلى هذا فقد كانت
السبب فى الحيلولة دون وجود ايطاليا تحت حكم رأس واحد .
الطرق التى استخدم الرومان الدين فيها
لإعادة تنظيم مدينتهم , وتنفيذ مشاريعهم وتهدئة الفتن التى تعرضوا لها .
كان الجنود الرومان , وقد انهكوا طول الحصار
, راغبين فى العودة الى رومة , عندما اكتشف بان الاله (ابولو) وعددا من العرافين
كانوا قد قالوا بأن مدينة فى ستحتل فى العام الذى ترتفع فيه مياه بحيرة ألبا . وقد
دفع هذا النبأ الجنود الى احتمال متاعب الحصار , وذلك لنهم غدوا واثقين من
احتلالهم للمدينة .
الرومان يفسرون النذر وفق حاجاتهم , وكانوا
من الحكمة بحيث يتظاهرون بالتمسك بالدين عندما يرغمون على تجاهله , ويعاقبون
الطائشين الذين يحطون من قدره .
لم يكونوا يشرعون فى أية حملة من الحملات
الا بعد ان يكونوا قد اقنعوا قواتهم بأن الآلهة قد وعدتهم بالنصر .
كان بين الأسس الأخرى للعرافة , تعيينهم فى
جيوشهم عددا معينا من الموظفين الذين تقوم مهمتهم على جمع الفؤول أو البشائر ,
ويطلق عليهم اسم (رجال الطير) .
قد استخدم بابيريوس القنصل مثل هذا الحذق ,
فى معركة مهمة خاضهما مع السمنيين , الذين غدوا بعدها ولا حول لهم ولا طول . فلقد
كان بابيريوس معسكرا برجاله أمامهم , وبدا له انه اذا ما خاض معركة معهم , فسينتصر
حتما , ولذا فقد طلب الى (رجال الطير) جمع الفؤول لتحديد اليوم الذى سيخوض فيه
معركته .
ولكن الطير لم تقبل على التقاط الحب . ولاحظ رئيس هؤلاء الرجال , ان
الجيش اللجب , قد اصبح على أهبة خوض المعركة , وقد اتخذ صفوفه لخوضها , وان أفراد
هذا الجيش كانوا جميعا يؤمنون كقائدهم فى انتصارهم .
ورأى ان لا يحرم الجيش من مثل
هذه الفرصة الرائعة العرافة ملائمة , وهكذا أصدر بابيريوس أمره الى جنوده بالهجوم
. وفى غضون ذلك , كان البعض من (رجال الطير) قد أفشوا الى بعض الجنود ان الطير لم
يلتقط الحب , كما ابلغوا الحقيقة الى سبيريوس بابيريوس ابن اخى القنصل , الذى نقل
النبأ بدوره الى عمه . وهنا طلب اليه القنصل ان يهتم بشؤونه , وان يكون حريصا على
الاهتمام بها . اما بالنسبة اليه والى جيشه فلقد كانت العرافة طيبة , اما اذا كان
رجل الطير قد كذب , فأنه سيتأكد من ذلك فيما بعد . ورغبة منه فى ان تتفق النتيجة
مع الدلالة , أصدر أمره الى مبعوثيه , ليحملوا (رجال الطير) الى مقدمة المعركة .
وحدث انه بعد وقوع الهجوم على العدو , قتل رئيس الرجال عرضا بسهم قذف به جندى
رومانى .
وعندما سمع القنصل بالقصة قال , ان كل شئ يسير على ما يرام , وان الشكر
فى ذلك يجب ان يوجه الى الآلهة ان موت هذا
(الأفاك) , قد حرر الجيش من كل تبعة , ومن كل غضب قد حملته الآلهة بسبب مخالفة
أوامرها . وهكذا تمكن القنصل عن طريق التوفيق توفيقا رائعا بين خططه وبين الفؤول ,
من الاشتباك مع العدو والتغلب عليه , دون ان يثير الشكوك لدى الجيش بأنه قد أهمل
بأية طريقة من الطرق الأوامر التى نص عليها الدين .
لم
تؤد هذه العادة فى استثارة البشائر , الى أية نتيجة سوى حمل الجنود على الذهاب
بثقة الى المعركة ؛ وهى ثقة تؤدى فى الغالب الى النصر .
كان السمنيون يلجأون الى الدين كملاذ أخير
عندما تسوء أوضاعهم .
لما كانوا يعرفون ضرورة تطعيم عقول جنودهم
بالعزيمة الحرون على النصر ويعرفون ان ليس ثمة سبيل أفضل الى ذلك من الدين , فقد
قرروا تلبية لنصيحة كاهنهم اوفيوس باكيوس , بعث احد تقاليدهم السابقة فى تقديم
الاضاحى .
وكان الطقس الجديد الذى ساروا بموجبه , ان يقدموا ضحية مقدسة , وان
يحملوا جميع ضباط جيشهم على الوقوف بين الضحية الميتة , وبين المذابح التى تضيئها
المشاعل وان يقسموا انهم لن يتوانوا قط عن القتال , ثم يستدعون جنودهم واحدا واحدا
, ويحملونهم على الوقوف بين المذابح وسط لفيف من قادة الفئات الذين اشرعوا سيوفهم
فى ايديهم , ومن ثم يقسمون على عدم البوح بما يرونه أو يشاهدونه . ثم يحملونهم بعد
ذلك على ان يتوجهوا بوعودهم بوعودهم الى الآلهة ,
مصحوبة باللعنات والتعويذات
المخيفة على انهم سيكونون متأهبين للذهاب الى حيث يأمر القادة العسكريون , و انهم
لن يفروا قط من حومة الوغى , و انهم سيقتلون كل من يرونه فارا , فإذا تقاعسوا عن
ذلك كله , حقت لعنة الآلهة على رؤوس جميع افراد عائلاتهم و اطفالهم . وقد فزع بعض
الجنود وترددوا فى القسم , فبادر قادة الفئات الى قتلهم فورا بسيوفهم المشرعة ,
وقد ارتعب من جاء بعدهم من هول المنظر , فأقبلوا على القسم طائعين . وليضفوا على
هذا الاجتماع الذى ضم اكثر من اربعين الف رجل بعض الجلال , ألبسوا نصفهم الملابس
البيضاء , ورفعوا ريش الطيور فوق خوذاتهم , ثم مشوا على هذا الشكل ليأخذ الجيش
اماكنه على مقربة من اكويلونيا .
ومضى بابيريوس الى لقائهم , وقال لجنوده
تشجيعا لهم ان ( الهامات والريش لا تحدث جراحا , وان السهام الرومانية تنفذ من
الدروع الملونة والمذهبة ) . ورغبة منه فى ابعاد أى انطباع كاذب عن جنوده من جراء
القسم الذى أقسمه جنود العدو , قال ان تأثيره سيكون فى اخافتهم لا فى تقويتهم , اذ
انهم يخشون الآن وفى وقت واحد مواطنيهم و الهتهم و اعداءهم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق