مطارحات مكيافيلي 34
منافع الديكتاتورية
ومساوئها
من الخير عندما تشق جائحة طريقها داخل
دولة أو ضدها , ان يعمل على مداورتها لا على القضاء عليها .
لجأ الرومان الى وسيلة كانوا قد ألفوا
استعمالها فى ايام الأزمات , وعندما تكون الاخطار قريبة , وهى تعيين ديكتاتور , اى
اضفاء السلطان على شخص واحد معين ليستطيع اتخاذ القرارات دون استشارة الآخرين
وتنفيذها دون ان يكون لإنسان الحق فى الاعتراض عليها او استئنافها .
على الانسان ان يلاحظ فى مثل هذه الحوادث
, انه عندما تظهر جائحة فى الجمهورية او تقف فى طريقها بصورة فعالة ومؤثرة , بسبب
عوامل داخلية أو خارجية , وتبلغ من الحدة شأوا عظيما , يدفع الناس جميعا الى الفزع
, فأن السبيل المأمون العواقب , هو ان تبذل المحاولات لوقف هذه الجائحة وتلطيفها ,
بدلا من محاولة القضاء عليها مرة واحدة . اذ جرت العادة على ان يدفع بها اولئك
الذين يحاولون محوها من الوجود , الى النمو و الازدياد فى البأس والقوة , و
الاسراع بما تنطوى عليه من شرور يتوقعونها هم ويخشونها .
كانت السلطة الديكتاتورية مصدر خير لا شر
لجمهورية رومة , وتكون السلطة الضارة بالحياة المدنية هى تلك التى ينتحلها
المواطنون لا التى ينالونها عن طريق الانتخاب .
لو لم تكن فى رومة مثل هذه الرتبة , لبحث
الديكتاتور عن رتبة أخرى يحملها ولوجدها , اذ ان من السهل عل القوة الحصول على
اللقب , بينما من الصعب على اللقب الحصول على القوة .
من الواضح ان الديكتاتورية , ظلت طيلة
العهد الذى كانت تمنح فيه طبقا للأنظمة العامة
, لا عن طريق ادعائها من الديكتاتور نفسه ووفقا لسلطته , مصدر خير ونفع
للدولة .
فتعيين القضاة بطريقة غير صحيحة , ومنح السلطات فى نفس الطريقة , هما
اللذان ألحقا الأذى بالجمهورية , لا السلطات التى كانت تعطى بالطريقة العادية ,
كما يتضح من الحقيقة الواقعة , وهى انه فى العهد الطويل من تاريخ رومة لم يقم أى
ديكتاتور ابدا بأى عمل لم يكن فيه الخير للجمهورية .
الديكتاتور كان يعين لمدة محدودة ,
ويقصد معالجة تلك القضايا التى أدت الى تعيينه ليس إلا .
الديكتاتورية كانت نافعة دائما .
من الحق ان يقال ان هذا النظام هو
الوحيد بين أنظمة رومة العديدة , الذى يستحق الاعتبار وان يوضع بين الاسباب التى
تعود اليها عظمة الامبراطورية الرومانية الفسيحة الارجاء .
ولو لم يكن مثل هذا
النظام , لتعذر على المدن ان تجد سبيل الخلاص من الاوضاع الشاذة وغير العادية ,
وذلك لأن الانظمة التى تسير عليها الجمهوريات فى الاوقات العادية , تكون بطيئة فى
اجراءاتها .
اما فى الجمهوريات التى لا يوجد نص فى
دساتيرها على مثل هذا النظام , فانها قد تجد نفسها مرغمة على مواجهة احد احتمالين
, اما التمسك بالدستور والتعرض لخطر الدمار , أو انتهاك حرمته والنجاة من ذلك
الخطر .
وانتظار وقوع الاحداث فى جمهورية , قبل اللجوء الى مثل هذه الاجراءات غير
العادية لمعالجتها , ئ لا يرغب فيه مطلقا , اذ على الرغم من ان هذه الاجراءات , قد
تكون طيبة فى ذلك الوقت بالذات , الا ان اعتبارها سابقة أمر فى منتهى السوء , وذلك
لأنها تفضى بشرعية اللجوء الى انتهاك الاساليب الدستورية تنفيذا لغاية طيبة , مما
يجعل فى الامكان استخدامها تحت ستار زائف من المبررات لوقف الاساليب الدستورية
تنفيذا لغرض سئ .
ولا يمكن لأية جمهورية ان تبلغ الكمال , الا اذا ضمنت بموجب
قوانينها نصوصا صالحة لكافة الاحتمالات , وضمنت لكل احتمال , علاجا شافيا وأقرت
الطريقة التى يجب ان تتبع فى استعماله .
فى هذا الموضوع المتعلق بهذا النظام
الجديد , تجب ملاحظة الحكمة البالغة التى ابداها الرومان فى طريقة انتخاب الناس
الذين يحتلون المنصب .
قرر الرومان ان تكون سلطة تعيين
الديكتاتور فى أيدى القناصل .
على القناصل ان يقوموا بتطبيقه من
أنفسهم وبمحض اختيارهم , ولما كانوا هم الذين يتولون التعيين , فان الاجراء يصبح
أقل ايلاما لهم .
يضاف الى هذا ان الرومان فى الفترة
الأخيرة , بدلا من تعيين ديكتاتور , اخذوا يحملون القنصل صلاحياته مستخدمين
العبارة التالية : (على القنصل ان يتأكد من ان الجمهورية ستكون فى نجوة من الأذى )
.
عندما تمنح سلطة غير محدودة الى أمد
طويل , وأعنى به هنا سنة أو يزيد , فأن هذه السلطة تضحى خطرة .
على المواطنين الذين تسنموا أرفع
المراتب ان لا يأنفوا من قبول ما هو أدنى منها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق