17‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 34

مطارحات مكيافيلي 34

                     منافع الديكتاتورية ومساوئها

       من الخير عندما تشق جائحة طريقها داخل دولة أو ضدها , ان يعمل على مداورتها لا على القضاء عليها .

       لجأ الرومان الى وسيلة كانوا قد ألفوا استعمالها فى ايام الأزمات , وعندما تكون الاخطار قريبة , وهى تعيين ديكتاتور , اى اضفاء السلطان على شخص واحد معين ليستطيع اتخاذ القرارات دون استشارة الآخرين وتنفيذها دون ان يكون لإنسان الحق فى الاعتراض عليها او استئنافها .

       على الانسان ان يلاحظ فى مثل هذه الحوادث , انه عندما تظهر جائحة فى الجمهورية او تقف فى طريقها بصورة فعالة ومؤثرة , بسبب عوامل داخلية أو خارجية , وتبلغ من الحدة شأوا عظيما , يدفع الناس جميعا الى الفزع , فأن السبيل المأمون العواقب , هو ان تبذل المحاولات لوقف هذه الجائحة وتلطيفها , بدلا من محاولة القضاء عليها مرة واحدة . اذ جرت العادة على ان يدفع بها اولئك الذين يحاولون محوها من الوجود , الى النمو و الازدياد فى البأس والقوة , و الاسراع بما تنطوى عليه من شرور يتوقعونها هم ويخشونها .

        كانت السلطة الديكتاتورية مصدر خير لا شر لجمهورية رومة , وتكون السلطة الضارة بالحياة المدنية هى تلك التى ينتحلها المواطنون لا التى ينالونها عن طريق الانتخاب .

        لو لم تكن فى رومة مثل هذه الرتبة , لبحث الديكتاتور عن رتبة أخرى يحملها ولوجدها , اذ ان من السهل عل القوة الحصول على اللقب , بينما من الصعب على اللقب الحصول على القوة .

         من الواضح ان الديكتاتورية , ظلت طيلة العهد الذى كانت تمنح فيه طبقا للأنظمة العامة  , لا عن طريق ادعائها من الديكتاتور نفسه ووفقا لسلطته , مصدر خير ونفع للدولة .

 فتعيين القضاة بطريقة غير صحيحة , ومنح السلطات فى نفس الطريقة , هما اللذان ألحقا الأذى بالجمهورية , لا السلطات التى كانت تعطى بالطريقة العادية , كما يتضح من الحقيقة الواقعة , وهى انه فى العهد الطويل من تاريخ رومة لم يقم أى ديكتاتور ابدا بأى عمل لم يكن فيه الخير للجمهورية .

       الديكتاتور كان يعين لمدة محدودة , ويقصد معالجة تلك القضايا التى أدت الى تعيينه ليس إلا .

          الديكتاتورية كانت نافعة دائما .

          من الحق ان يقال ان هذا النظام هو الوحيد بين أنظمة رومة العديدة , الذى يستحق الاعتبار وان يوضع بين الاسباب التى تعود اليها عظمة الامبراطورية الرومانية الفسيحة الارجاء .

 ولو لم يكن مثل هذا النظام , لتعذر على المدن ان تجد سبيل الخلاص من الاوضاع الشاذة وغير العادية , وذلك لأن الانظمة التى تسير عليها الجمهوريات فى الاوقات العادية , تكون بطيئة فى اجراءاتها .

          اما فى الجمهوريات التى لا يوجد نص فى دساتيرها على مثل هذا النظام , فانها قد تجد نفسها مرغمة على مواجهة احد احتمالين , اما التمسك بالدستور والتعرض لخطر الدمار , أو انتهاك حرمته والنجاة من ذلك الخطر .

وانتظار وقوع الاحداث فى جمهورية , قبل اللجوء الى مثل هذه الاجراءات غير العادية لمعالجتها , ئ لا يرغب فيه مطلقا , اذ على الرغم من ان هذه الاجراءات , قد تكون طيبة فى ذلك الوقت بالذات , الا ان اعتبارها سابقة أمر فى منتهى السوء , وذلك لأنها تفضى بشرعية اللجوء الى انتهاك الاساليب الدستورية تنفيذا لغاية طيبة , مما يجعل فى الامكان استخدامها تحت ستار زائف من المبررات لوقف الاساليب الدستورية تنفيذا لغرض سئ .

 ولا يمكن لأية جمهورية ان تبلغ الكمال , الا اذا ضمنت بموجب قوانينها نصوصا صالحة لكافة الاحتمالات , وضمنت لكل احتمال , علاجا شافيا وأقرت الطريقة التى يجب ان تتبع فى استعماله .
         فى هذا الموضوع المتعلق بهذا النظام الجديد , تجب ملاحظة الحكمة البالغة التى ابداها الرومان فى طريقة انتخاب الناس الذين يحتلون المنصب .

         قرر الرومان ان تكون سلطة تعيين الديكتاتور فى أيدى القناصل .

         على القناصل ان يقوموا بتطبيقه من أنفسهم وبمحض اختيارهم , ولما كانوا هم الذين يتولون التعيين , فان الاجراء يصبح أقل ايلاما لهم .

         يضاف الى هذا ان الرومان فى الفترة الأخيرة , بدلا من تعيين ديكتاتور , اخذوا يحملون القنصل صلاحياته مستخدمين العبارة التالية : (على القنصل ان يتأكد من ان الجمهورية ستكون فى نجوة من الأذى ) .

          عندما تمنح سلطة غير محدودة الى أمد طويل , وأعنى به هنا سنة أو يزيد , فأن هذه السلطة تضحى خطرة .


          على المواطنين الذين تسنموا أرفع المراتب ان لا يأنفوا من قبول ما هو أدنى منها .


0 التعليقات: