17‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 37

مطارحات مكيافيلي  37


                      قيادة الشعب
     يجب ان لا يكون فى وسع أية دائرة أو أى موظف وقف الاجراءات .

     علينا ان نلاحظ , الفائدة من تعيين الحماة , فقد كان تعيينهم لا يقتصر فى فائدته على كبح مطامع الاقوياء التى تستهدف العامة , و انما يتعداه الى كبح مطامع الاقوياء ضد بعضهم البعض .

      على الجمهورية أو الامارة ان تفعلا فى الظاهر بدافع الكرم ما تحتم الضرورة عليهما فعله بدافع الحاجة .

       تكون الطريقة الاكثر ضمانة و الاقل فضيحة فى اخماد غطرسة انسان ارتفع إلى السلطان فى جمهورية برده بنفس الاساليب التى استعملها هو سلما لسلطانه .

        كثيرا ما تخدع المظاهر البراقة للمنافع , الشعب فيسعى إلى حتفه بظلفه , وكثيرا ما يسهل التأثير عليه بالآمال الكاذبة والوعود المتسرعة .

       الشعب دائما يهتف بالحياة لموته والموت لحياته .

       عندما تكون الاقتراحات المعروضة على الشعب من النوع الذى يبدو مضمونا حتى ولو انطوى على الكوارث مختفية فيه , أو من النوع الذى يبدو مضمونا حتى ولو انطوى على الكوارث مختفية فيه ,

 أو من النوع الذى يحمل طابع الجرأة حتى ولو كان خراب الجمهورية كامنا فيه , يكون من السهل دائما اقناع الشعب بها ويكون من الصعب دائما وبنفس الطريقة اقناع الجماهير بإتباع سبيل يبدو لها منطويا على الجبن أو اليأس , حتى ولو كانت السلامة و الامن قائمين فيه .

        كان هانيبال قد قضى ثمانى سنوات او عشرا فى ايطاليا , وكان قد أعمل فى الرومان تقتيلا وذبحا ذات اليمين وذات الشمال , فى طول البلاد وعرضها , عندما جاء ماركوس سنيتونيوس بنيولا وهو انسان وغد على الرغم من انه سبق له ان اشغل منصبا فى القوات المسلحة الى مجلس الشيوخ , وعرض عليه , اذا سمح له المجلس بتأليف جيش من المتطوعين بجمعه من اى مكان فى ايطاليا , 

ان يقدم له هانيبال فى وقت قصير , حيا او ميتا .

وبدا طلب هذا الوغد فى عينى اعضاء مجلس الشيوخ شيئا ينطوى على الحمق والجنون , ولكن لما كانت الحقيقة تشير الى انهم اذا وفضوا على الحمق والجنون , ولكن لما كانت الحقيقة تشير الى انهم اذا رفضوا العرض , وعرف الشعب برفضهم , فستنشب فى المدينة اضطرابات ,وستحل الكراهية على اولئك الذين ينتمون الى عضوية المجلس , ولذا فقد اجابوه الى طلبه مؤثرين سخطا جديدا عليهم بين جماهير الشعب , وذلك ادراكا منهم لما يلقاه مثل هذا العرض من ترحيب عند العامة , ولما سيجدونه من صعوبة فى اقناعهم لو حاولوا ذلك . وهكذا مضى الوغد على رأس جماعة من الدهماء يفتقرون الى النظام والانضباط باحثا عن هانيبال , فهزمه هذا وقتله مع كل من كان يسير تحت قيادته فى أول معركة التقى بها معهم .

        عندما يعتبر الشعب ان النصر أصبح مضمونا , ثم تفاجئه الهزيمة , لا يلقى بالملامة على الحظ او على عجز الشخص الذى يتولى القيادة ,

وإنما يلقيها على سوء نواياه أو جهله على الأقل . وهكذا يكون نصيب هذا الرجل القتل او السجن او الابعاد , كما حدث للكثيرين من قادة القرطاجنيين والأثينيين . ولا يجدى هذا الرجل , ما يكون قد سجله من انتصارات فى الماضى , إذ ان الكارثة الراهنة تزيلها من الوجود جميعا .

         لا شئ ادعى إلى كبح جماع حشد ثائر , من الاحترام الذى يحمله هذا الحشد لرجل معروف بالوقار والمكانة البارزة , يتقدم شخصيا لمواجهة هذا الحشد .

          من السهل ادارة الأمور فى دولة لم تفسد جماهيرها , وعندما تكون المساواة قائمة , يستحيل اقامة امارة أما عندما تنعدم هذه المساواة فمن المستحيل اقامة جمهورية .

          فى الامارات الألمانية , فمن الواضح كل الوضوح , ان الطيبة واحترام الدين , ما زالا قائمين عند شعوبها مما يؤدى الى وجود عدد من الجمهوريات فيها تنعم بالحرية , وتحترم قوانينها بطريقة لا تمكن الغرباء عنها أو مواطنيها من التجرؤ على اغتصاب السلطان فيها .

         جرت العادة عندما تحتاج الجمهوريات لإنفاق مبلغ من المال لحساب المصلحة العامة ان يقوم حكامها وأعضاء مجالسها بالنسبة الى الصلاحيات المخولة اليهم لمعالجة مثل هذه القضايا , بفرض ضريبة على جميع سكان المدينة لا تتجاوز نسبة واحد أو اثنين فى المائة من قيمة ما فى حوزتهم من ممتلكات .

وبعد ان يتخذ القرار , يتقدم كل انسان الى جباة الضرائب طبقا للإجراء الدستورى المعمول به فى المدينة .

وبعد ان يؤدى القسم على انه سيدفع المبلغ الصحيح , يلقى فى صندوق اعد خصيصا لهذه الغاية , بالمبلغ الذى يعتقد وهو مرتاح الضمير وحده .

ولا ريب فى ان هذا الوضع يشير الى ما يتميز به هؤلاء الناس من طيبة ومن احترام للدين .

         السبب الاول فى ابقاء الحياة السياسية فى هذه المدن الالمانية دون افساد : عدم اختلاط المدن الألمانية اختلاطا كبيرا بجاراتها التى لا يذهب اهلها إلا نادرا لزيارتها , ولا يقبلون الزيارات منها , وذلك لأنهم راضون بما لديهم من سلع , ويعيشون على ما ينتجونه من غذاء , ويلبسون ما يصنعونه من كساء , فى ارضهم لا فى ارض غيرهم .

وهكذا تنعدم الحاجة إلى الاختلاط , وتنعدم معها الخطوة الاولى فى طريق الفساد , لا سيما وان الفرصة ليست متاحة لديهم , لاقتباس عادات الفرنسيين او الاسبان او الايطاليين , وهى شعوب , إذا جمعت إلى بعضها , اعتبرت مصدر ما فى العالم كله من فساد .

         السبب الثانى فى ابقاء الحياة السياسية فى هذه المدن الالمانية دون افساد : هو ان اهلها لا يسمحون لأى من مواطنيهم , بالعيش على غرار النبلاء . وهم يحافظون فيها على النقيض من ذلك على المساواة المطلقة , ويظهرون العداء الشديد للسادة الاقطاعيين والنبلاء الذين يعيشون فى المقاطعة .

        لإيضاح ما اعنيه بكلمة (النبلاء) فأننى اود الاشارة الى ان هذا التعبير يطلق عادة على اولئك الذين يعيشون فى بطالة , وعلى ما تغدقه عليهم اقطاعياتهم من دخل غزير , دون ان يقوموا بأى عمل يتعلق بزراعاتهم , أو بأى شكل آخر من اشكال العمل اللازم للحياة . ومثل هؤلاء الناس , وباء فى كل جمهورية وكل امارة .


         لا يستطيع اى انسان يفكر فى اقامة جمهورية فى الاماكن التى يكثر فيها النبلاء النجاح فى تحقيق غرضه إلا إذا تخلص رأسا من اكثرهم .

0 التعليقات: