مطارحات مكيافيلي 38
مزايا الحكومة
الشعبية
تسبق الكوارث العظيمة التى تحل بالمدن و
الامارات نذر من التطير أو نبوءات على لسان بعض الناس .
العامة أقوياء فى وحدتهم وضعفاء فى حقيقتهم
.
الجماهير تكون عادة جريئة فى نقد القرارات
التى يصدرها حكامها , ولكنها عندما ترى بأم اعينها العقوبات الملحقة بهذه القرارات
, يأخذ الفرد منها بالشك فى الفرد الآخر , ويسارعون جميعا الى الطاعة .
ليس هناك ما هو اشد مراسا وقوة من ناحية
واحدة من حشد لا فائدة له , أو عزل عن قائده , إلا ان هذا الحشد من الناحية الاخرى
, يكون اضعف ما فى الوجود ايضا . اذ ان من السهل اعادة هذا الحشد الى النظام , حتى
ولو كان السلاح متوافرا فى يديه , شريطة ان يكون لدى من يحاول ذلك حصن منيع يستطيع
اللجوء اليه للوقاية من هجومه الأول .
إذا اراد حشد متحمس تجنب هذه الاخطار , فان
عليه ان يجعل من احد افراده قائدا له , يتمكن من اصلاح هذا الخطأ أو العيب ويحفظ
على الحشد وحدته , ويهتم بأمر الدفاع عنه .
تكون الجماهير أكثر معرفة وثباتا من الأمير
.
ليس ثمة من شئ اكثر تفاهة او تقلبا من
الجماهير .
من طبيعة الجماهير اما ان تطيع عن استكانة
او إذعان او ان تجور بغطرسة واستكبار .
الرأى العام يكون دقيقا الى حد كبير فى
دلالاته و اشاراته , مما يرمز الى ان قوة خفية توحى الى الشعب مقدما بما سيصيبه من
شر أو خير .
أما بالنسبة الى احكامه , فعندما يستمع الشعب الى خطيبين يتكافآن فى
البراعة الخطابية , يدافعان عن وجهتى نظر متعارضين فان من النادر كل الندورة , ان
يجد المرء الشعب وقد فشل فى تبنى الرأى الصحيح منهما أو عجز عن تمييز الحقيقة فى
ما يستمع اليه من اقوال .
أما اذا كان يبدو مخطئا فى بعض الأعمال التى تنطوى على
الجرأة , كما سبق ان قلت , فان الامير يخطئ ايضا , عندما تكون عواطفه داخلة فى
العمل الذى ينتوى القيام به , وهذه العواطف تكون على الغالب اكثر قوة من عواطف
العامة .
دللت الوقائع ايضا على ان العامة أحسن
قدرة على التمييز من الامير فى موضوع اختيار الحكام اذ لا يمكن اقناع الشعب مطلقا
, بأن من الخير ان يختار الى احد هذه المناصب رجلا عرفت عنه الخلاعة والعادات
الفاسدة , بينما قد يقتنع الأمير , وغالبا ما يقتنع , بإجراء مثل هذا التعيين .
ومن المعروف أيضا ان العوام اذا ما بدأوا بالفزع من شئ , فان هذه الحالة تظل
مسيطرة على عقولهم عدة قرون , وهو أمر لا يلاحظ مطلقا فى الحالات المتعلقة
بالأمراء .
العامى كانت تكره لقب (الملك) الى حد كبير
, حتى انها لم تكن لتتسامح مطلقا فى ايقاع العقوبة بكل من يطمح الى هذا اللقب من
ابنائها , مهما كانت الخدمات التى قدمها الى وطنه متناهية فى العظمة .
لا يهمنى اذا ما عارض مؤرخنا فيما قاله
من فقرات سبق لى ان نقلتها , وغيره من المؤرخين رأيى هذا , وذلك لأننا اذا اجرينا
احصاء بعدد الفتن التى كان العوام مسببيها , وتلك التى احدثها الامراء , و احصاء
آخر بعدد الامجاد التى كسبها العوام وتلك التى نالها الامراء , لوجدنا ان العامة
تتفوق على الامراء فى اعمال الخير وفى الامجاد على حد سواء .
تتجه اعمال الجماهير الوحشية الى اولئك
الذين تشك فى تآمرهم على المصلحة العامة , أما فظائع الامراء فتتجه الى اولئك
الذين يشك فى انهم يتآمرون على مصلحته الخاصة . والسبب فى تحيز الناس ضد العامة ,
هو ان الفرد يستطيع الحديث عنهم بالسوء , دون خوف وبصراحة , حتى عندما يكونون هم
الحاكمين , أما عن الامراء فلا يتحدث الناس إلا فى منتهى الخوف والتحفظ .
أى الائتلافات أو الاحلاف يمكن الوثوق بها
أكثر : تلك التى تعقدها الجمهوريات أو التى يعقدها الامراء .
الجمهوريات تستغرق من الوقت فى نقض اية
معاهدة اكثر مما يستغرقه الأمير . وتنحل الائتلافات سعيا وراء بعض المنافع , وتكون
الجمهوريات فى هذا الصدد اكثر تمسكا باتفاقاتها من الامراء .
العامة اقل اقترافا لمثل هذه الاخطاء من
الامير , وانه تبعا لذلك , تكون العامة اكثر جدارة بالثقة من الامراء .
كانت القنصليات وجميع المناصب الأخرى فى
رومة تعطى لمستحقيها دون أى أشتراط يتعلق بالسن .
اختير فالبريووس كورفينوس قنصلا وهو فى
الثالثة والعشرين من عمره , وذلك لأنه قال فى خطاب ألقاه فى جنوده , ان القنصلية
هى (جائزة الفضيلة لا جائزة طيب المنبت) .
ليس فى مكنة المرء , ان يقذف بالناس فى
مواطن الازعاج , دون ان يكافئهم كما لا يمكن ان يحرموا من الأمل فى الحصول على
المكافأة دون ان يتعرضوا الى الخطر .
اصبح حق الانتخاب ملكا للجماهير فإنها لا
تختار للمنصب إلا رجلا حقق بعض الأعمال العظيمة والضخمة . وعندما يتميز شاب
بالفضيلة (الشجاعة) التى رافقت عملا عظيما من اعماله , يغدو موضع حديث الجميع ,
فان من العار كل العار ان لا تنتفع الدولة من خدماته , وان يضطر هذا الشاب الى
الانتظار حتى يكبر سنه , ويكون فى غضون ذلك قد فقد ما يميزه من نشاط عقلى ومن سرعة
فى العمل , كان فى وسع بلاده ان تستغلهما فى الوقت المناسب استغلالا نافعا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق