17‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 36

مطارحات مكيافيلي 36


الطلب الشائع للاشتراك فى الحكم

       ينتقل الناس من طموح إلى آخر وبعد النضال ضد المعاملة السيئة , يعملون على ايقاعها بغيرهم .

        تنشأ جميع الامثلة السيئة من بدايات طيبة .

        أول ما ينشده الرجال الطموحون الذين يعيشون فى احدى الجمهوريات , هو ان ينجوا كما سبق لى ان قلت من سوء المعاملة سواء ما كان منها من الاشخاص العاديين او من الحكام . 

وللحصول على هذا الأمن , يعمل هؤلاء الرجال على اقامة صداقات بطرق تبدو شريفة , كتقديم العون المالى , او تأمين الحماية من الاقوياء .

ولما كان هذا العمل يبدو شريفا وفاضلا , فأن كل انسان يخدع به بسهولة , ولذا فهو لا يكترث به , ممل يؤدى الى ان مثل هؤلاء الرجال الذين يثابرون على تنفيذ خططهم , والذين لا يواجهون أية عقبة , يتوصلون الى مركز يخشاه المواطنون العاديون , ويجد الحكام أنفسهم مرغمين على احترامه .

وعندما يصلون الى هذه المكانة العالية , دون ان يلقوا فى طريقهم أية عقبة حقيقية , تحول بينهم وبين العظمة , يغدون فى مركز , يكون من الخطر كل الخطر مهاجمتهم فيه للأسباب التى سبق لى ان اوضحتها , كالخطر الكامن فى محاولة انتزاع جائحة من دولة , بعد ان نمت فيها الى الحد الذى اوصلها الى أبعاد كبيرة ومهمة .


 وهكذا يتطور الوضع فى النهاية على النحو التالى : اما ان يتطلع نفسه لخطر الخراب السريع , او ان يسمح له بالاستمرار فى طريقه , مع توقع حياة العبودية فى ظله , الا اذا جاء الموت او حادث سريع لنجدته , واطلاق سراحه .

                              
     على الرغم من ان الناس يخطئون فى القضايا العامة الا انهم لا يخطئون فى المسائل المعينة .
     عندما جاء دور انتخاب حماة الشعب , وكان فى وسع العامة انتخاب الحماة الأربعة من ابناء طبقتهم , الا ان الذين انتخبوا بالفعل كانوا جميعا من النبلاء .

      عندما حان الوقت لتقرير أيهم يجب انتخابه من بين اعضاء حزبهم اقروا بما هم عليه من ضعف , وقضوا بأن أيا منهم لا يستحق الوصول الى ذلك الشئ الذى كانوا يعتقدون بجدارتهم فيه كمجموع لا كأفراد , وعندما أحسوا بعدم كفاية رجالهم , وجدوا ان من الضرورى العودة الى اولئك الذين يستحقون المنصب .

      لتأكيد هذه النظرية أرى ان اورد مثالا بارزا آخر , حدث فى كابوا , بعد ان تمكن هانيبال من هزم الرومان فى كانية .

وكانت هذه الكارثة , قد أثارت ايطاليا بأجمعها , ونشبت بصورة خاصة اضطرابات فى كابوا , بسبب الكراهية التى كانت قائمة بين الشعب ومجلس الشيوخ .

وأدرك باكوفيوس كالفيوس الذى كان آنذاك اكبر حاكم فى المدينة , الخطر الذى تتعرض له مدينته من هذه الفتن , فأخذ يدرس احسن السبل التى يمكن له ان يلجأ اليها بحكم منصبه , ليوجد التفاهم بين العامة والنبلاء . ووضع الرجل خطة نفذها .

 فقد استدعى مجلس الشيوخ , وابلغ اعضاءه الكراهية التى يحملها الشعب لهم , وان هذه الكراهية تعنى انهم معرضون لخطر القتل , وان المدينة معرضة لخطر التسليم لهانيبال , وذلك بالنسبة الى الحالة المحزنة التى كان الرومان قد وصلوا اليها .

 و اضاف الرجل , انهم لو تركوا القضية اليه لمعالجتها , فانه سيتصرف على النحو الذى يضمن عودتهم الى الاتحاد , ولكنه يقترح ان يغلق عليهم ابواب قصره , وانه رغبة منه فى انقاذهم سيلجأ الى ادعاء السلطان الذى يظهر للشعب انه قد اوقع العقاب الذى يريده بهم . و اذعن الشيوخ لنصيحته , وعندما تم له حصر جميع الاعضاء فى القصر , دعا الشعب الى اجتماع عام , وأبلغه ان الوقت قد حان لكى يصبح فى امكانه اذلال كبرياء النبلاء , والوصول الى ما يبغيه افراده من ثأر منهم , بالنسبة الى ما سبق لهم ان الحقوه بالشعب من اضرار , بعد ان تم له أخذ جميع اعضاء المجلس فى أسره .

وأضاف انه واثق على أى حال , من ان الشعب لا يريد ان تبقى مدينته بدون حكومة , وهكذا فاذا كان من رأيه قتل جميع الشيوخ السابقين , فان من الضرورى تعيين شيوخ آخرين بدلا منهم ولما كان قد وضع هذه الغاية نصب عينيه , فقد وضع اسماء جميع الشيوخ على أوراق فى كيس , وقال انه سيشرع فى سحب كل ورقة تحمل اسما , واحدة اثر اخرى بحضور أفراد الشعب واضاف انه سيعدم كل من تسحب الورقة التى تحمل اسمه , واحدا بعد آخر , بعد ان يكون الشعب قد وجد له من يخلفه فى المجلس . وشرع بعد ذلك فى اخراج اول اسم من الاسماء .

وهبت عاصفة من الضجيج عند سماع الاسم بين الماس ,. فقد لقبوا صاحبه بالمتكبر والعديم الشفقة والمتغطرس . ودعاهم باكوفيوس بعد ذلك الى تعيين من يخلفه , و اذا بالأصوات تخفت مرة واحدة , وبعد فترة من التوقف , رشح البعض احد العامة .

وعندما تلى اسم المرشح شرع بعضهم فى الصفير , والبعض الآخر فى الضحك , بينما أخذ آخرون يهزأون به من ناحية أو من اخرى . وهكذا مضى الوقت ساعة اثر ساعة , الى ان اتخذ القرار بأن جميع من رشحوا لا يعتبرون اهلا لعضوية الشيوخ .

وهنا انتهز باكوفيوس الفرصة ليقول : لما كنتم تعتقدون ان المدينة لا تستطيع البقاء بلا مجلس شيوخ , ولما كنتم لم تتفقوا على من يخلف الشيوخ القدماء , فانى اعتقد بأن السبيل الأمثل , هو ان تتفقوا معهم , لا سيما وان الخوف الذى استحوذ على الشيوخ فى هذه الآونة , لا بد وان يكون قد اذلهم , بحيث ستجدون منهم ذلك الاعتدال الذى كنتم تبحثون عنه فى مكان آخر .

ووافق العوام على هذا الاقتراح , وتحققت الوحدة بهذا الاجراء , لا سيما وان الاخطاء التى كانوا فى سبيل اقترافها قد اكتشفت فور ارغامهم على الانتقال على الانتقال من المسائل العامة الى المسائل المعينة .

          للحيلولة دون اعطاء منصب رسمى الى شخص حقير أو شرير يجب ترشيح آخر لهذا المنصب على ان يفوق الأول حقارة أو شرا أو يكون مثالا للنبل والطيبة .

          عندما كان مجلس الشيوخ , لا يتوقع الا توقعا جزئيا , تعيين بعض العوام فى مناصب حماة الشعب (التربيون) الذين يحملون سلطانا قنصليا , لجأ الى احدى هاتين الوسيلتين .

 فكان يقبل اما على ترشيح اكثر الناس شرفا ونبلا فى رومة , او كان يلجأ من الناحية الاخرى الى وسائل مناسبة لشراء أحد العوام المعروفين بأنهم من الاوغاد او التافهين , ويدفع به الى الاختلاط بالعوام من ذوى المكانة العالية , الذين قد يقفون كمرشحين فى الظروف العادية , لكى يضمن ترشيحه معهم .

وكانت هذه الوسيلة الثانية تحمل العامة على الخجل من اعطاء الرجل المنصب الذى يطمع فيه , بينما كانت الوسيلة الاولى تحملهم على الخجل من عدم تقديمه اليه .

        إذا كانت الدول المدينية التى كانت حرة منذ استهلالها , كرومة مثلا تجد ان من الصعب عليها صياغة القوانين التى تضمن حريتها , فان تلك الدول التى تخلصت قبل قليل من حياة العبودية لا بد وأن تلقى نفس الصعوبة والاستحالة .
      
         لقد كان النظام الذى اتبعته رومة فى هذا الصدد صالحا كل الصلاح , اذ كانت تسمح بحق الاستئناف الى الشعب عادة , و اذا ما ثارت قضية , يكون التأجيل فيها بانتظار الاستئناف خطرا على المدينة , فقد كان المتبع , ان يوكل بها الى ديكتاتور يحسم موضوعها رأسا , مع العلم ان الرومان لم يكونوا يلجأون الى مثل هذا الاجراء إلا عند الضرورة القصوى .


         رومة التى كان لها دستورها الخاص بها , والذى وضعه عدد كبير من حكماء الرجال . 

واجهت دائما حاجات ناشئة جديدة , ارغمتها على ادخال انظمة جديدة , لدعم الحريات التى تمتعت بها , ولذا لم يكن من المستغرب , ان تنشأ فى المدن الاخرى التى كانت تفتقر الى النظام منذ قيامها , مثل هذه الصعوبات , التى جعلتها عاجزة دائما عن تنظيم شؤونها فى سبيل سوى .

0 التعليقات: