17‏/08‏/2015

مطارحات مكيافيلي 35

مطارحات مكيافيلي 35



                    الطريق الى الدمار

         عن الفضائح التى نجمت عن القوانين الزراعية فى رومة وعن الفضيحة الكبرى التى تحدث فى أية جمهورية من سن قانون رجعى يسرى مفعوله إلى أمد طويل قبل وضعه , ويتعارض مع عادة قديمة ألفتها الدولة .

          عندما لا تكون ثمة حاجة عند الناس للاقتتال , يصطرعون سعيا وراء الطموح .
          الطبيعة قد ركبت البشر على نحو يجعل جميع الامور على الرغم من انها مواضع للرغبات , صعبة التحقيق على الناس , وذلك لأن الرغبة تتفوق  دائما على سلطان البلوغ , مما يؤدى الى عدم  اقتناع الناس بما يملكونه , والى تذمرهم من الاوضاع الحالية التى يكونون فيها .

          تقع النصوص التى وردت فى هذا القانون فى مجموعتين .

 فقد نص أولا على عدم السماح لأى مواطن بأن يملك ما يزيد على عدد معين من الافدنة من الارض , وثانيا على ان تقسم جميع الاراضى التى تؤخذ من عدو مهزوم على أفراد الشعب الرومانى .

 وقد اساء هذا الى النبلاء بطريقتين , اولاهما انه حتم على كل من يملك ارضا تزيد فى مساحتها على ما يسمح به القانون , وكان معظم هؤلاء المالكين حتما من النبلاء , ان يتخلى عن الفائض للدولة , وثانيتها ان اقتسام اسلاب العدو مع العامة , قد وضع نهاية لفرصتهم فى إثراء انفسهم .

وهكذا لما كانت هذه النصوص قد اساءت الى الرجال من ذوى السلطان , ولما كان قد بدا لهم , انهم فى معارضتهم للقانون , انما يعملون دفاعا عن المصلحة العامة , فانه لما اثير هذا الموضوع كانت المدينة بأسرها , قد انقلبت رأسا على عقب .

                            
      تعانى الجمهوريات الضعيفة من التردد ولا تستطيع الوصول إلى قرارات وعندما تصل إلى قرار واحد , تكون الحاجة لا الاختيار هى السبب .

       ان الجمهوريات الكثيرة التردد , لا تختار ابدا الطريق القويم إلا اذا ارغمت اتباعه , لأن ضعفها يحول دون وصولها الى قرار عندما يكون هناك ثمة شك , ومل لم يزل هذا الشك بعمل من اعمال العنف , فإنها تظل فى وضع المتردد الذى لا قرار له .

       الاحداث التى يتكرر وقوعها للشعوب المختلفة : اذا كان من المقرر ان نقارن بين الحاضر والماضى البعيد , فأن فى وسعنا ان نرى بسهولة , ان ثمة رغبات متشابهة وعواطف واحدة تكون موجودة دائما وفى جميع الاوقات , فى كافة المدن وعند مختلف الشعوب , وعلى هذا , اذا درس المرء من المثابرة شؤون الماضى , كان من السهل عليه ان يتكهن بمستقبل أية دولة من الدول , وان يطبق نفس العلاجات التى استخدمت فى الماضى , فإذا لم يجد ان ثمة علاجات قد استعملت , أمكنه ان يبتكر علاجات جديدة وذلك بفضل ما فى الاحداث من تشابه ومماثلة .

          الشرور التى انطوت عليها اقامة هذا النظام الطغيانى كانت راجعة الى نفس الاسباب التى تؤدى الى ظهور انظمة الطغاة فى المدن الاخرى وهى الغلو فى مطالبة الشعب بالحرية .
         عندما لا يكون للطاغية الا اصدقاء قلائل فى وطنه , فان قوات الأمن الداخلى لا تكون كافيه لحمايته , وهذا يحمله على اللجوءي الى مساعدة خارجية . وتكون هذه المساعدة فى اشكال ثلاثة أولها الاتباع الاجانب يتولون حماية شخص الطاغية , وثانيها تسليح اهل الارياف ليقوموا بما كان من واجب العامة القيام به وثالثها , عقد حلف دفاعى مع جيران أقوياء . وكل من يتخذ هذه الاحتياطات , ويطبقها تطبيقا حسنا , يستطيع بطريقة من الطرق الدفاع عن نفسه حتى ولو كان الشعب معاديا له .

     اثر الحكام الذين يعينون أنفسهم فى ايذاء الحرية , يكون ابلغ من أذى الحكام الذين ينتخبهم الشعب .

         الانتقال المفاجئ من التواضع إلى الكبرياء أو من الرقة والدماثة إلى القسوة والوحشية دون اتباع خطوات صحيحة ومناسبة أمر يجافى العقل ولا يجدى .
          كل من بدا فى وقت ما , بمظهر الصلاح , ثم رغب لسبب من الاسباب التى تتعلق بأهدافه الخاصة , فى ان يتحول الى الطلاح , ان يقوم بعملية التبدل هذه على مراحل معقولة , مكيفا سلوكه حسب مقتضيات الظروف و الاحوال , بحيث يتمكن قبل ان يحمله تبديل طبيعته على خسارة مؤيديه القدامى , من ضمان تأييد عدد جديد من الانصار , حتى لا يخسر شيئا من قوته وسلطانه , و اذا لم يتبع هذا السبيل , فأنه يجد نفسه ضائعا بلا اصدقاء وفى ذلك دماره المحتوم .

          خيرة الجنود و أكثرهم اخلاصا من يحارب منهم سعيا وراء المجد .

         البون الشاسع بين جيش راضى يحارب طلبا للمجد , وبين جيش آخر , ما زال ساخطا يحارب لمساعدة انسان على تحقيق مطامعه . اذ بينما كانت جيوش الرومان قد ألفت النصر فى ظل قناصلها , كانت تمنى بالهزيمة دائما تحت قيادة مجلس العشرة .

         لا قيمة للجماهير بلا زعيم لها وعليها ان تتجنب التهديد أولا ثم طلب السلطة اللازمة ثانيا .

         من السوابق السيئة ان يخالف المرء قانونا جديدا ولا سيما إذا كان الشخص المخالف من المشرعين , و ايقاع اضرار جديدة بأية مدينة , أمر مؤذ للشخص الذى يحكمها .


        لعل من اكثر الأمور إضرارا بالحكومة , ان تثير كل يوم سخطا جديدا فى مشاعر مواطنيها , عن طريق ايقاع الاذى من جديد , بهذا المواطن او ذاك .

0 التعليقات: