31‏/12‏/2014

إمبراطورية الثروة 25

إمبراطورية الثروة 25



       فى عام 1851 عرض مكروميك حصادته فى المعرض الكبير فى لندن , وكان أول معرض عالمى ومن الأحداث المحورية التى شكلت وجهة القرن التاسع عشر .

 وفى البداية ساور الناس شعورا من الشك والارتياب . واطلقت التايمز اللندنية – وهى معروفة بكرهها للأجانب – على ألة مكروميك الوصف التالى : صليب وسط الة طائرة وعربة يد ومركبة جياد .. اختراع امريكى مبالغ فيه , عظيم الحجم وغير عملى .. وغير مألوف وعصى على الفهم .

         وبعد تجريبها فى أحد حقول القمح الإنجليزية – ومع ذلك – عدلت التايمز عن رأيها تماما . 

فكتبت فى 9 يونيو 1851 أن ( الة الحصاد القادمة من الولايات المتحدة .. هى أفضل مساهما تأتينا من الخارج وتضاف الى حصيلة معرفتنا السابقة .. إن قيمتها لتعادل قيمة المعرض أجمع ) .

        جاهد تيودور لتعلم فنون تجارة الجليد , فأنشأ مخازن للجليد فى الأسواق التى يتوقع أن يزدهر فيها الطلب على الجليد , فاتقن فنون العزل وقدم النصح والإرشاد لزبائنه .

 وتحول جمع الجليد من برك وأنهار نيو إنغلاند انذاك الى عمل روتينى .. فكان له أدواته الخاصة لقطع الجليد ونقله الى مخازنه المتزايدة عددا على الشاطئ .

      ومن الأمثلة الممتازة عن التأزر الاقتصادى أن أفضل مواد عزل الجليد كانت تلك النواتج الكريهة المتخلفة عن صناعة الخشب , أى نشارة الخشب . كانت هذه النشارة تطرح فى الماضى فى أقرب مجارى الأنهار لتحملها المياه بعيدا – حيث سببت كثيرا انقطاع الأنهار والفيضانات – وصارت تباع اليوم الى تجار الجليد بسعر 2.5 دولار للفرد الواحد .

        وفى ثلاثينيات القرن الثامن عشر أصبح الجليد من الصادرات الامريكية عالية الربح .

 وكان الجليد الامريكى يشحن فى عام 1833 الى مناطق بعيدة .

         ايرادات الحكومة الفيدرالية هو مؤشر للنشاط الاقتصادى .

         فى 27 يونيو 1857 كتب جيمس جوردون بينيت فى صحيفة الهيرالد (هل يمكن أن ينتهى كل هذا إلا بانهيار شامل كذلك الذى وقع فى عام 1837 , باستثناء أن ذلك الانهيار كان واسع النطاق؟) .

 إن الفساد الادارى والافلاس العام والفقاعات الورقية فى كل صورها وملاييين الدولارات – المخلقة أو المقترضة – التى ذهبت للإنفاق على بناء المساكن المترفة أو شراء الأثاث المبهرج , فى اقتناء الحرير والرباطات والماس وجميع ضروب الاناقة المتكلفة والمكلفة .. ليست إلا غيضا من فيض الشرور الصارخة التى ميزت ذلك العصر .

         على الرغم من أن الاتحاد الأمريكى إنما ولد من رحم الثورة , فإن الأمة الأمريكية لن تتشكل إلا على سندان الحرب الأهلية المروعة .


إمبراطورية الثروة 24

إمبراطورية الثروة 24



     شجعت الحكومة البريطانية صيد الحيتان , فكانت تقدم مكافات لسفن الصيد التى يتجاوز وزنها مائتى طن . لكن الصناعة أصابت ازدهار بعد الاستقلال ايضا . وفى القرن التاسع عشر كانت سفن صيد الحيتان تجوب محيطات العالم , وكانت رحلات الصيد تستغرق سنتين , واحيانا اربع سنوات .

 وفى عام 1800 كان ثمة ثلاثمائة مركب صيد تعمل فى تلك المرافئ فى نيو إنغلاند وماريل هيد
.

 وفى اربعينيات القرن التاسع عشر كان ثمة أكثر من 700 سفينة صيد أمريكية تجوب البحار بحثا عن الحيتان وتجلب الأزدهار الاقتصادى لموانئها , حيث كانت السفينة الواحدة تفرغ نحو مائتى برميل من الزيت بعد أن تقفل عائدة من رحلتها .


      لسوء الطالع , كان أبناء نيو إنغلاند بارعين جدا فى صيد الحيتان فاصطادوا منعا أعدادا فاقت معدلات تكاثر تلك الكائنات الثديية العملاقة .

      من مزايا اقتصاد السوق الحر التى لم تنل حظها من التقدير الية تجاوبه الكفؤ مع حالات النقص والعجز .

 إذ ترتفع أسعار عند زيادة الطلب على العرض . وتحدث زيادة السعر بالنتيجة حرصا أكبر على الموارد النادرة وسعيا محموما الى ايجاد موارد إضافية أو بدائل تسمح بالافادة من ارتفاع الأسعار .

 لقد كتب أحد محررى الصحف أنذاك عن الحماس الشديد الذى تقبل فيه الفطنة الأمريكية على كل فرع صناعى يبشر بأرباح معتبرة .

       قدم الحل لمشكلة توفير مصدر جيد ورخيص للإنارة مادة لم تخطر على بال إطلاقا , ألا وهى زيت الصخر فالبترول – ومعناه زيت الصخر فى اللاتينية – كان معروفا منذ أقدم الأزمان .

 لكنه كان مادة غريبة تثير الفضول وتلفت النظر .

 كانت تستخدم أساسا كعلاج لجميع الأمراض وقد ثبت لاحقا أن جميع أنواع الأدوية غير مستساغة الطعم – وهذا أيضا حال النفط الخام – والتى تفقد خصائصها السمية عندما تؤخذ بجرع صغيرة ولكنها تتمتع بخصائص علاجية فى مرحلة زمنية أو أخرى .

        نقل عن سيليمان قوله : (أيها السادة , لقد بدا لى أن ثمة ما يدعو كثيرا الى التفاؤل فى القول إن شركتكم قد وضعت يدها على مادة خام يمكن منها تصنيع طائفة من المنتجات ذات القيمة العالية وذلك عبر معلجة بسيطة غير مكلفة) .

      لكن بينما بيسل ومشاركوه المستثمرون – وسينضم اليهم سيليمان نفسه بعد مدة قصيرة , بعد أن يشترى لنفسه مائتى سهم فى الشركة – يعلمون الان أن فى مقدورهم تصنيع سلعة ستلقى رواجا كبيرا من زيت الصخر , كانت مصادر زيت الصخر لا تزال انذاك مدودة جدا .

 إذ لا يمكن أن تقوم صناعة ما على الكميات التى تجمع من سطوح برك النفط . ومع ذلك فقد خطرت لبيسل فكرة مفاجئة اخرى .

إذ بينما كان يتقيأ تحت ظله أحد متاجر الأدوية فى مدينة نيويورك , فى أحد أيام الصيف الحارة فى عام 1856 , لمح إعلانا لدواء مرخص تجاريا (ببراءة اختراع) مصنوع من زيت الصخر (النفط) . وتبدو فى الإعلان عدة حفارات كتلك التى تستخدم فى استخراج الملح . وتصادف أن زيت الصخر المستخدم فى الدواء إنما كان مصدره النفط الناتج ثانويا عن عملية التنقيب عن الملح . وتساءل بيسل إن كان بالإمكان استخدام تقنية الحفر للبحث عن النفط .

    وأرسلت الشركة رجلا اسمه أدوين دريك الى شمال غربى بنسلفانيا , حيث كان مصدر معظم زيت الصخر فى الولايات المتحدة , ووجد دريك أخيرا – وقد بذل جهدا غير يسير – رجالا يتقنون التنقيب عن الملح ولديهم الرغبة فى التنقيب عن النفط , و كانت فكرة التنقيب عن النفط انذاك مستهجنة

. وفى 27 اغسطس 1859 اندفع النفط من أول بئر فى العالم , بعمق ستة وستين مترا بالقرب من تيتوسفيل . 

لقد ثبت دريك مضخة على البئر وشرع بنضح ما كان يبدو كميات لا تنضب من زيت الصخر .

 لكن أكبر التحديات لم يكن العثور على النفط وإنما تأمين العدد الكافى من ابراميل لتخزينة .

      كان الأستاذ سيليمان محقا من دون أن يدرك ذلك . ففى غضون قرن سيصبح النفط أساس عمل الاقتصاد وستجيش الجيوش والقوات العسكرية لوضع الي على مصادره أو حمايتها .

        أوجدت روح الابتكار الامريكية كثيرا من الطرائف و الوسائل لرفع إنتاجية الزراعة فى الولايات المتحدة .


       لقد درس توماس جيفرسون المحراث وحاول ابتكار محراث أفضل .


      لقد جزأ مكروميك عملية حصاد القمح الى مراحلها المنفصلة , و ابتكر أداة ميكانيكية لأداء كل مرحلة . ومن ثم صمم ألة قادرة على انجاز تلك المراحل جميعها .

 وعندما بلغ الثانية و العشرين كان قد خرج نموذج أولى عملى لحصادة الية تستمد طاقتها من دولاب يعرف بدولاب التوجيه أو مقود الثور , الذى ينتهى الى ملامسة الارض عندما تتحرك الالة خلف الحصان .

وفى الواقع كان المزارعون غير واثقين اول الامر من نجاعته . ولم يبع مكروميك اله واحدة فى عشر سنين . وفى عام 1842 لم يبع الا سبعا .

 ولكن فى اعقاب فشل أعمال الحصاد فى بريطانيا عام 1845 عندما ألغت بريطانيا العظمى قوانين الذرة التى كانت تحمى المزارعين البريطانيين من المنافسة الدولية , تصاعد الطلب على القمح الامريكى سريعا , واقتنص مكروميك هذه الفرصة .


 وأنشأ مصنعا فى شيكاغو – ولم يمض على تأسيسة انذاك عشرون سنة – وبدأ إنتاج الحصادات لسوق الاستهلاك الكبير .

وفى خمس سنوات باع خمسة الاف منها .

وفى عام 1860 صار مكروميك رجلا عظيم الثراء , وقدرت إحصاءات ذلك العام املاكه الشخصية بنحو 278 الف دولار وعقارات بقيمة 1.75 مليون دولار .

29‏/12‏/2014

إمبراطورية الثروة 23

إمبراطورية الثروة 23




       تجسدت سريعا الاثار الاقتصادية لما أطلق عليه تشارلز وارين مؤلف العمل الكلاسيكى (المحكمة العليا فى تاريخ الولايات المتحدة)

 اعلان تحرير التجارة الامريكية فلقد تراجعت اسعار النقل ما بين نيوهافن ونيويورك بنسبة 40 فى المائة بفضل المنافسة ,

 وارتفع عدد المراكب البخارية التى عملت فى مياه نيويورك فى اقل من سنتين من ستة مراكب الى ثلاثة و اربعين .

           لكن الاثار بعيدة الاجل كانت اكثر عمقا

. فقد توقفت الولايات المتحدة عن منح امتيازات الاحتكار بكل صورها للمواطنين المتنفذين الساعين وراء ريع الاحتكار بعد أن باتت كل تلك الاحتكارات مخالفة للدستور منذ تلك الحادثة .

 كما سقطت العوائق الأخرى التى اعترضت التجارة بين الولايات بعد أن قامت على مصالح ضيقة .


         لم تكن السكك الحديد ابتكارا منفردا جادت به عبقرية فرد واحد .

 بل لقد كانت نظاما ابتكرت اجزاؤه كل على حدة ثم دمجت معا على ايدى ارباب مهنة جديدة هى الهندسة المدنية .

         كان معلوم منذ القرن السادس عشر , أن باستطاعة حيوانات الجر ( وحتى البشر ) – وبخاصة فى أعمال المناجم – جر أحمال كبيرة جدا إذا وضعت فى عربة على سكة من الحديد .

 ذلك أن العجلات ذات الشفاه المعدنية المثبتة على سكة معدنية لا تخلف احتكاكا دورانيا يذكر .

إن قاطرة زنتها أربعون طنا بتسارع تبلغ به ستين ميلا فى الساعة ستجرى الى مسافة تعادل خمسة اضعاف المسافة التى تقطعها شاحنة تعادلها فى الوزن على طريق رئيسة مستوية .

 وهذا ما يجعل السكك الحديد – حتى فى يومنا هذا – أوفر وسائط الشحن على الإطلاق .

        عبر كارول عن رأيه فى المشروع أمام الحشد الذى قدرته الصحف بخمسين الفا , بقوله (اعتبر ما انجز اليوم من أهم الاعمال التى اديتها فى حياتى , ولا يضارعه سوى توقيعى اعلان الاستقلال أن كان ثمة بالفعل ما يضارعه .


كانت ثمة صحف فى المستعمرات الأمريكية نحو عام 1690 حين نشر أحد اللندنيين – ويدعى بنجامين هاريس - والذى فر من إنجلترا بعد سجنه بتهمة نشر مواد إباحية – أول عدد من صحيفة تحمل عنونا تعوزه اللياقة الوقائع العامة الأجنبية والمحلية فى 25 سبتمبر 1690 فى بوسطن .

 وتعهد هاريس بإصدارها مرة فى الشهر , أو أن تصدر أكثر من مرة إذا وقعت احداث كثيرة تتطلب ذلك .

        فى 6 مايو 1835 نشر بينيت صحيفة نيويورك هيرالد , وقد نجح فى تسويقها بأعداد غفيرة من القراء وذلك بالمناداة عليها فى الشوارع بثمن قدره سنت واحد للنسخة , وذلك على يد جيش من باعة الصحف المتجولين , وسيصبح ذلك خاصة مميزة لحياة المدن الأمريكية فى الاعوام المائلة المقبلة .

ولك يكن بينيت هو من أبدع هذه الأفكار فى الأصل . لكنه كان أول من حشدها معا وأفاد منها .

      ليس المحرك البخارى أكثر أهمية منها فى حياتنا . فالصحيفة تربط الفرد بمحيطه العام فى الحياه اليوميه للجنس البشرى.


      كانت الأسعار فى مخزن ستيوارت متهاودة و محددة , كما كانت ثمة تنزيلات تعلن فى الصحف . 

كما تميزت تلك المخازن بما عرف بالدخول من دون مراقبة وحرية الحركة حيث سمح للزبائن بالفرجة بأنفسهم من دون أن يصحبهم عمال المخزن أينما تحركوا داخله .

 لقد جعل ستيوارت من التسوق – للمرة الأولى – بفضل رفاهية المكان وحرية الحركة داخل المخزن , تجربة ممتعة فى التسرية عن النفس لمن توافر لديهم المال ووقت الفراغ للاستمتاع بها , وليس بحكم الضرورة والحاجة فقط .

إمبراطورية الثروة 22

إمبراطورية الثروة 22



       قرر رجل من نيوجيرسى واسمه توماس جيبونز أن يقاتل فى المحكمة وفى السوق .

كان يملك مركبا بخاريا أطلق عليه أسم ستودنغر , ولصغر حجمه كان يعرف باسم الفأر أيضا , فشغله ما بين نيويورك ونيوبرنسويك وهو واحدة من أقصر طريقين الى فيلادلفيا , واستاجر للمركب قبطانا شابا من ستاتين ايلاند يدعى كورنيليوس فاندربيلت .

       كان لدى فاندربيلت – وهو لما يزل فى العشرينات من العمر – أسطول صغير من السفن الشراعية , لكنه أدرك انذاك أن المستقبل سيكون للمراكب البخارية , فتحول الى العمل لحساب جيبونز كى يكسب الخبرة اللازمة وينمى رأسماله .

 وأقنع جيبونز على الفور ببناء مركب أكبر وضع تصميمه فاندربيلت بنفسه , واطلق عليه جيبونز اسم بيلونا تيمنا باسم الهة الحرب عند الرومان .

 وكان مضمون الاسم غير خاف على أحد , وبخاصة فى ذلك العصر المغرق بروح الكلاسيكية .

       وأبحر فاندربيلت – تحت راية رفعها على المركب حملت الكلمات التالية (نيوجيرسى يجب أن تحرر) – الى نيويورك من دون تردد ليرسو فى موضع لا تحرسه سلطات ولاية نيويورك , وليذوب على الفور فى قلب المدينة .

 ولم تجرؤ السلطات على احتجاز المركب نفسه وهى تعلم أن نيوجيرسى ستصعد موقفها باحتجاز أول مركب تجارى احتكارى تضع يدها عليه .

 وعندما أزف موعد العودة انسل فاندربيلت خلسة الى أقرب نقطة من المركب وهرع مسرعا اليه وما إن بلغه حتى شرع الطاقم برفع المرساة .

        وحاولت السلطات اعتقال فاندربيلت بأن صعدت المركب فى منتصف مرفأ نيويورك , ولم تجد عند دفة القيادة الا واحدة من الركاب – تغلب عليها سيما , البراءة بشرائطها الزينية وقبعتها البونية – بينما اختبأ فاندربيلت فى حجرة سرية كان قد أقامها تحت دكة المركب تحسبا لأى طارئ .

 وأطلق الركاب صيحات الاستهجان والسخرية من الشرطة على سوء طالعها .
      
         وقد حاولت الشركة الاحتكارية استقطاب فاندربيلت بأن عرضت عليه مرتبا ضخما قدره 5000 دولار فى العام , لكنه رفض على نحو قاطع قائلا : يجب أن أفى بالتزامى للسيد جيبونز حتى يتجاوز الصعاب التى تواجهة .

       التجارة حركة تبادل بلا ريب لكنها لا تقتصر على ذلك , إنها ضرب من التفاعل .. تنظمها أحكام لازمة لإنجازه .

       أبدى بعض ابناء نيويورك تململا بعد صدور الحكم الأخير عن المحكمة العليا للولايات المتحدة الخاص باحتكار المراكب البخارية .

 ويمكن طمأنتهم بالقول إنه حكم أقر فى الولايات الشقيقة , وهم قد يرون ما ينافى أصول اللياقة فى ادعاء نيويورك استئثارها بالمعابر المائية التى تعد سبيل التفاعل بين تلك الولاية والولايات الأخرى وحتى الاستئثار التام بذلك التفاعل التجارى نفسه .


     لكن الواقع هو أن اكثر اهالى  نيويورك ابدوا موافقتهم بحماس . وفور صدور الحكم دخل المركب البخارى يونايتد ستيتس , بقيادة القبطان بانكر نيوهافن , نيويورك بزهو المنتصرين , و أثنت حشود كبيرة من المسافرين على قرار المحكمة الأمريكية العليا المعارض لاحتكار نيويورك .

 وأطلقت عيارات نارية تحية للحشود , وقوبلت بهتافات مدوية من رصيف الميناء . وترددت الهتافات فى كل انحاء البلاد .

إمبراطورية الثروة 21

إمبراطورية الثروة 21


       لا بد من إقامة طواحين الماء والهواء حيثما توافرت المياه والرياح .

 وهذا يفسر لنا سبب اتخاذ المصانع فى مطلع القرن الثامن عشر مواقعها فى الارياف .

       جرب جيمس رمزى نظاما لشفط الماء من جهة مقدمة السفينة و طرحه عند مؤخرتها , لكن هذا النظام المعقد جعله بعيدا عن إمكان التطبيق العملى .

 وبذلت محاولة اخرى لمحاكاة قدم البط لكنها باءت بالفشل ايضا .

       وجرب نظام اخر كان يتمثل فى سلسلة من المجاذيف مربوطة أفقيا بعارضة خشبية .

 وكان مركز العارضة يحرك فى مسار دائرى غامرا المجاذيف فى الماء تارة ورافعها من الماء تارة أخرى واخذها الى الأمام ليبدأ حركة التجذيف (الخطفة) التالية .

 كان جون فيتش – المولود فى ويندسور بكونيكتيكت – يقطن بوكز كاونتى شمال فيلادلفيا عندما انكب على دراسة المشكلة .

 فبنى مركبا يعمل بهذه الالية ووضعه فى العمل فى نهر ديلوير فى عام 1787 , ونجحت الفكرة , لكن فيتش – كغيرة من المبتكرين الرواد – لم يلق بالا إلى الدافع التجارى و كسب المال , ومع أنه وضع مركبه قيد التشغيل لبعض الوقت وبصورة منتظمة فإنه لم يحقق أرباحا منه فطواه النسيان سريعا .

    عندما التقى فلتون فى باريس , قرر ليفنغستون المساعدة على تمويل تجارب فلتون على المركب البخارى , ووقع الاثنان عقدا لبناء مركب بخارى يشغل فى نهر هدسون فى الولايات المتحدة .

 وقضت الاتفاقية بأن يضطلع فلتون بأعمال التصميم و أن يقدم ليفنغستون المال اللازم والوضع الاحتكارى الذى يضمن ربحية المشروع .

      
        فى عام 1811 أرسل ليفنغستون وفلتون بناء السفن (السفان) نيكولاس روزفلت الى بتسبرة لبناء مركب بخارى هناك , وضع تصميمه فلتون .

 وقد حاول ليفنغستون فى هذه الأثناء الحصول على ميزة احتكارية مماثلة لتلك التى منحت له فى نيويورك .

 وقد رفضت أكثر الولايات و المناطق ربيب منظومة المنطقة الشرقية هذا بشكل قاطع . 

حيث هاجمت صحيفة (سينسيناتى ويسترن سباى) هذه الفكرة من أساسها فكتبت (يجب أن تظل – وسوف تظل – الطريق الى الاسواق خالية من العوائق .. إن هذه النزعة الاحتكارية الفردية ستحرض مواطنى المناطق الغربية على التأكيد على حق العبور ذهابا وإيابا من دون مضايقات على الطرق الرئيسة العامة فى المناطق الغربية) .

       وعلى الرغم من انه لم يفلح فى الحصول على الاحتكار فى مناطق أخرى , فأنه أصاب نجاحا حيث كان للنجاح أهمية , وذلك فى أراضى نيو أورلينز .

 إذ منحه الحاكم الإقليمى هناك – الذى كان من دون أى وجه مصادفة شقيقة إدوارد عمدة نيويورك الأسبق وعضو الكونغرس – حقا احتكاريا فى مياه لويزيانا .

 وحيث إن نيو أورلينز كانت النقطة الفاصلة بين النهر وحركة العبور القادمة من المحيط فقد كان ذلك احتكارا لنهر الميسيسيبى برمته .

28‏/12‏/2014

إمبراطورية الثروة 20

إمبراطورية الثروة 20



       وكان أول عمل يقدم عليه جاكسون لدعم النظام المالى بعد وصوله إلى البيت الأبيض بسيطا هو سداد الدين القومى .

فلقد قلص الدين القومى – الذى يبلغ اكثر من 80 مليون دولار فى عام 1792 – الى 45 مليون دولار فقط فى عام 1811 , وادت حرب العام 1812 الى ارتفاع حاد فى قيمة الدين ليتجاوز 125 مليون دولار فى عام 1815 , وحققت التعريفات الجمركية المرتفعة فوائض ضخمة بعد الحرب , وفى الوقت الذى وصل فيه جاكسون الى سدة الرئاسة بلغت قيمة الفوائض 48.565.000 دولار .

       كان جاكسون ينشد غايتين من تخليص البلاد من عبء الديون . الأولى – طبعا – اعتقاده الشخصى أن الدين أمر غير محبذ بذاته ولذاته .

 وقد أسماه وبالا على الأمه وذلك فى حملته الرئاسية الاولى فى عام 1824 , لكنه راى أيضا أن المؤسسات و الأشخاص الذين أفادوا من ذلك الدين كانوا وبالا على الأمة أيضا .

 وروى عنه أنه قال : ( أتعهد بسداد الدين القومى و أن أحول دون تنامى الطبقة الأرستقراطية الثرية حول إدارتنا وتوجيه تلك الإدارة لخدمة مصالحها وتقويض حرية بلدنا ) .

      على المرء ألا يقترض إلا دعته الحاجه فقط .

       فيتو الجيب : فيتو غير مباشر يستخدمه الرئيس الأمريكى على مشروع قانون يقدم إليه بحيث يبقى الفيتو (النقض) من دون توقيع الى ما بعد انتهاء دورة الكونغرس .

       كما هو شأن فترات الازدهار , تصاعدت حدة المضاربة بوقع سريع أيضا .

 كما ارتفع كثيرا التداول بالأسهم فى بورصة وول ستريت إلى درجة أن اسم وول ستريت بات يطلق لأول مرة كناية عن المنظومة المالية الأمريكية .

       أتاحت المصارف نقودها الورقيه للمضاربين فدفعت الى مستحقيها وعادت على الفور الى المصارف لتقرضها مرة أخرى و أخرى , فلم تكن إلا ادوات وضعت بيد المضاربين أثمن الأراضى العامة . وبالفعل فقد وضعت كل موجة مضاربية الأساس للموجة التالية .

      انتظر جاكسون حتى علق الكونغرس اجتماعاته (للعطلة الصيفيه) و أصدر فى 11 يوليو أمر تنفيذيا عرف ب (تعميم النقد المعدنى) , ومن نافلة القول تأكيد أن الغاية من ذلك إنما كانت وقف حركة المضاربة فى الأراضى الغربية على الفور .

لكن ذلك أدى أيضا إلى ارتفاع كبير فى الطلب على النقد فى المناطق الغربية , مما استنزف المصارف الشرقية ذهبها وفضتها وفتح الباب أمام الاكتناز .

 ووجد كثير من المصارف فى المناطق الغربية نفسه فى ضائقة مالية – خصوصا المصارف المدللة – وذلك بفضل جزء أخر من برنامج جاكسون المالى .

      مع تخلف المقترضين الذين لم تتوافر لديهم السيولة اللازمة لسداد قروضهم , عمت المناطق الغربية موجة من إفلاسات المصارف و بدأت تمتد إلى المناطق الشرقية .

وبادر مصرف إنجلترا , للحيلولة دون خروج الذهب من البلاد , إلى رفع أسعار الفائدة وتراجعت الاستثمارات البريطانية فى الأوراق المالية الأمريكية مع تراجع مشتريات بريطانيا من القطن . وتراجعت وول ستريت .

     الثروات الفاحشة التى سمعنا عنها كثيرا فى أيام المضاربة قد ذابت كالثلج تحت شمس أبريل . 

ولا يمكن لامرئ أن ينأى بنفسه عن الكارثه إلا إن كان لا يملك المال أصلا , إنه لسعيد ذلك ذلك الذى لم تثقل كاهله الديون أو كان حرا منها .

 وفى مطلع الخريف أغلقت 90 % من مصانع البلاد . وتراجعت الإيرادات الفدرالية الى النصف فى عام 1837 .



         استقال أندرو جاكسون – وهو فى أوج حياته السياسية – من منصب الرئاسة فى الرابع من مارس . وسيخلفه مارتن فان بيرن الذى سيعانى العواقب السياسية لسياسات جاكسون المالية . 

وعانت البلاد أيضا من أطول فترات الكساد الاقتصادى فى تاريخ الأمة . ولم يصل الكساد نقطة الحضيض حتى فبراير 1843 بعد 72 شهرا من بدايته .

إمبراطورية الثروة 19

إمبراطورية الثروة 19


       على الرغم من ثورة ستيفن جيرارد فأنها كانت أقل من 8 ملايين دولار . ومع ذلك , فقد أعلن على الفور موافقته , واكتتب خطيا (بباقى القرض المذكور) .

كان شرطه أن يودع المبلغ المتبقى فى مصرفه إلى حين الطلب , وأن يحصل على عمولة ربع من 1 فى المائه على القرض لتغطية تكاليف بيع الحصص الأخرى إلى غيره من المكتتبين .

       قدر أدم سميث أن بإمكان أى مصرف إصدار أوراق نقدية – من دون خشية أى عواقب – تعادل خمسة أضعاف رأسماله , وحددت بعض الولايات إصدار الأوراق النقدية بما يعادل ثلاثة اضعاف رأس المال .

لكن ولايات أخرى لم تضع مثل هذه الشروط . وفى عام 1809 أصدر مصرف فى رود أيلاند – برأسمال لم يتجاوز 45 دولار – أوراقا نقدية بقيمة 800 الف دولار , أى أكثر من سبعة عشر ألف ضعف من رأس المال .

 كان ذلك بالطبع من باب الاحتيال , وليس ممارسة العمل المصرفى , لكنه كان الأول فى سلسلة من الاف حوادث فشل المصارف فى الولايات المتحدة .

و قد أصبحت هذه الحوادث – والفضل فى ذلك لتوماس جيفرسون ومن سار على نهجه من السياسيين – ظاهرة أمريكية تماما , مثلها مثل فطيرة التفاح .

      ولم يقيد بعض الولايات عملية إصدار الأوراق النقدية من قبل المصارف . وعلى الرغم من أنها كانت تسمى بالاصطلاح التقنى (سند إثبات مؤقت) , وكانت الغاية منها سد النقص العابر فى كمية النقد المتداول , فقد أصدرت العملات الورقية من قبل السلطات البلدية والاتحادات التجارية و المصانع وحتى بعض الافراد . إذا أصدرت جهة أطلقت على نفسها اسم مجموعة من بقاليات فيلادلفيا سندات الإثبات المؤقت , ومنها ورقة نقدية .



        لم يكن لأحد , ولا حتى توماس جيفرسون , القدرة على صياغة صورة الحزب الديموقراطى وفلسفته الاقتصادية قبل فرانكلين روزفلت سوى اندرو جاكسون .

إن الحزب الديموقراطى الحالى ملتف حول الشخصية السياسية الفذة لجاكسون .

فقد اعتقد جاكسون و جيفرسون بضرورة دفع مركز النفوذ إلى مستوى أدنى فى السلم الأجتماعى . 

إذ كان كلاهما يحمل كرها عميقا للامتيازات الموروثة وما أسماه جاكسون (قوة المال) , وقصد بها المصارف خصوصا الكبيرة منها والضاربة جذورها والمتنفذة . لكن الرجلين كانا يتكشفان أيضا عن فروق عظيمة و اختلافات جذرية . فقد حقق جيفرسون فلسفته بالوسائل الفكرية , فهو كان أولا و أخيرا رجب فكر . أما جاكسون فكان رجل فعل وعمل .

        لقد مثل أندرو جاكسون ثورة فى عالم السياسة الأمريكية , وهذا ما حمل مؤرخ القرن التاسع عشر الشهير جورج بانكروفت على اعتباره أخر الاباء المؤسسين .

       زاول جاكسون المحاماة وضارب فى الأراضى , وذلك هو أسرع – وأخطر – الطرق إلى الثروة .

       ووصف جيمس بارتون – وهو من أوائل من كتب السيرة الذاتية لجاكسون – ما أسماه سر ثرائه . وكان ذلك أيضا سر أولى الثروات المكتسبة فى مناطق التخوم . فكتب بارتون : ( اشترى جاكسون إقطاعات واسعة من الأرض بثمن بخس (جرس حصان أو بقرة) , واحتفظ بها حتى ارتفع ثمنها بعد تدفق المهاجرين اليها .

وانخرط جاكسون – مثله مثل أكثر المضاربين فى الاراضى – أحيانا فى صفقات معقدة دخل فيها عنصر الدين . وباع فى العام 1795 – رغبة منه فى أن يؤسس لنفسه تجارة يزاولها – 68 الف فدان من الأرض إلى دافيد اليسوون , وقبل منه كمبيالات نظير ثمنها .

واستخدم الكمبيالات ضمانا لشراء البضائع اللازمة لتجارته . لكن اليسون انتهى الى الإفلاس , وعاد جاكسون صفر اليدين .

      وستستغرق منه تسوية هذه المسألة نهائيا خمسة عشر عاما , وقد خلف ذلك فى نفسه خوفا من الدين و أساليبه لازمه طوال حياته . كان أندرو جاكسون يرى النقد الحقيقى يتجسد فى المسكوكات – القطع الذهبية والفضية – أما النقد الورقى وما عرف انذاك بالأوراق التجارية – الكمبيالات والسندات الأذنية والشيكات المصرفية وما شابهها – فكان فى نظره كما كان يراه جون ادامز فى الجيل السابق , ضربا من الاحتيال .

     لقد كان واضحا منذ البدء أن إدارة جاكسون لن تكون كسابقاتها , إذ إن احتفالات التنصيب السابقة كانت تتم بأسلوب توجيه الدعوات , بهرج المجتمع النبيل .

 أما حفل الاستقبال لدى تنصيب الرئيس جاكسون فحضره كل من أتيح له ولوج باب البيت الأبيض . 
ووصلت قيمة الأضرار الناتجة عما تحطم من زجاج وخزف و أثاث إلى عدة الاف من الدولارات . 

وكان حشد الحضور كبيرا مما عرض سلامة جاكسون إلى الخطر , فهرب من إحدى النوافذ , بينما حمل الخدم زجاجات الشراب خارجا إلى حديقة البيت الأبيض لحمل الحشود على الخروج .

إمبراطورية الثروة 18

إمبراطورية الثروة 18



      مع مطلع القرن التاسع عشر كان الحصول على رخصة لتأسيس مصرف يتطلب إصدار قانون من المجلس التشريعى فى الولاية .

وقد أضاف ذلك جرعة كبيرة من السياسة إلى هذا الاجراء وفتح الباب أمام ما صار يعرف اليوم بالفساد , الذى كان يعد فى ذلك الزمن من موجبات مزاولة العمل التجارى .

وكان الند السياسى لهاملتون – والشخص الذى اغتاله فى نهاية المطاف – ارون بر قادرا على تأسيس مصرف بإقحام فقرة فى رخصة على شركة مانهاتن التى عملت على مد مدينة نيويورك بالماء النظيف .

وقد أتاحت الفقرة الحميدة فى ظاهرها للشركة استثمار فائض رأسمالها فى أى مشروع يجيزه القانون .

وفى غضون ستة أشهر من تأسيس الشركة , وقبل أن تمد أنابيب المياه , افتتحت مصرفا لها أطلق عليه مصرف شركة منهاتن .

هذا المصرف لا يزال قائما إلى اليوم تحت أسم جى بى مورغان تشيس ثانى أكبر مصارف الولايات المتحدة .

     بفضل فروع مصرف الولايات المتحدة المنتشرة فى الولايات و احتكاره إيداعات الحكومة الفيدرالية صار أقوى مصرف فى البلاد على الإطلاق .

 والمصرف الوحيد الذى كانت أوراقه النقديه (البنكنوت) مقبولة فى التداول بقيمتها الاسمية فى كل أنحاء البلاد .

      ماديسون - لسوء الطالع , وعلى الرغم من أنه سيحقق له مكانا بين عظماء الأمة الأمريكية بوصفه أبو الدستور – كان يفتقر الى الكفاءة التى يتطلبها منصب الرئيس .

إذ لم يمارس ضغوطا كافية لتمرير المشروع أو حتى لتوحيد أعضاء إدارته على الأقل .

إذ إن المشروع انتهى إلى فشل ذريع عندما عمل نائبه جورج كلينتون من نيويورك على ترجيح كفة المعارضين فى مجلس الشيوخ لمشروع المصرف .

 لقد كان هذا أهم الأعمال السياسية المستقلة – واذا جاز القول – الوحيد فى تاريخ نيابة الرئاسة الأمريكية , وستكون له عواقب وخيمة .

       بإعلان الحرب على القوة العظمى الوحيدة القادرة على مهاجمة الولايات المتحدة , صوت الكونغرس على زيادة أجور الجيش للقوات الخاصة من 5  إلى 8 دولارات شهرية , وعلى منح علاوة تجنيد سخية قدرها 31 دولار و 160 فدانا من الأرض , ورفعت تلك التعويضات لاحقا إلى 124 دولار و 320 فدانا .

 ولم تكن تلك المبالغ بالشئ اليسير انذاك , حينما كان العامل غير مؤهل يعد ذا حظ عظيم إذا كسب 2.5 دولار فى الأسبوع . لكن الكونغرس – الذى قرر انتهاج أكثر السياسات العامة تكلفة , وهى الحرب , ورفع تعويضات الجيش بنسب كبيرة – لم يتخذ أى إجراء يساعد على الوفاء بهذه الأعباء وعلق اجتماعاته فى الشهر التالى .

 لقد كان هذا بلا شك , أكثر الأعمال تهورا فى تاريخ الكونغرس الأمريكى , الذى ستكون عضويته محط منافسة ستزداد حدة مع مرور الزمن .


      والأسوء من ذلك , ولأن الكونغرس عمد فى السنة السابقة إلى إغلاق مصرف الولايات المتحدة , فقد قضى على الالية المؤسسية الوحيدة التى كانت بيد الحكومة لاقتراض المال اللازم للحرب . 

ولن يكون أمام وزير الخزانة أى خيار سوى الاعتماد على الاكتتاب العام لتسويق السندات .


      هكذا أفلست الحكومة و أوشك المجهود الحربى على الأنهيار , ليس بسبب الهزيمة العسكرية , بل بسبب نضوب الموارد المالية .

إمبراطورية الثورة 17

إمبراطورية الثورة 17



        الحدث المهم الاخر فى تاريخ نيويورك وقع فى عام 1817 , عندما أعلن التأسيس الرسمى لسوق الأوراق المالية (البورصة) .

        أرسل سماسرة نيويورك – الذين ما زالوا يعملون باتفاقية باتون وودز – سمسارا اسمه ويليام لامب إلى فيلادلفيا لدراسة  سوق الأوراق المالية فيها . وفى 25 فبراير 1817 اجتمع فى مكتب صموئيل بيب مجموعة من كبار سماسرة نيويورك ووضعوا نظاما مشابها لنظام بورصة فيلادلفيا .

كان ثمة ثمانية وعشرون عضوا أصليا فقط من أصل سبع شركات , وقد شكل هؤلاء مجلس السماسرة ليصبح بعد مدة وجيزة مجلس الأوراق المالية و البورصة فى نيويورك .

و أستأجروا الطابق الثانى من المقر الرئيس لمصرف نيويورك فى شارع 40 وول ستريت نظير 200 دولار سنويا , واستمل السعر على خدمة التدفئة أيضا .

كانت تلك بداية متواضعة لمؤسسة ستغير اسمها فى عام 1863 هذه المرة إلى بورصة نيويورك .

       لم يكن التداول نشطا فى معظم الأحيان , إذ كان يقل عن مائة سهم فى اليوم الواحد أحيانا . 

وفى 16 مارس 1830 بلغ حجم التداول فى مجلس الأوراق المالية والبورصة بنيويورك ما لا يزيد على واحد وثلاثين سهما فى الجلسات الصباحية و المسائية , وهو أدنى مستوى عرفه حجم التداول على الإطلاق .

       لكن تلك الحال لن تدوم طويلا . فقد كانت الطرقات والقنوات – مع كل التحسينات التى جلبتها للحياة اليومية والتجارة – لا تزال تقنية قديمة , ترجع إلى زمن الرومان .

لكن تقنية البخار الجديدة – عند توظيفها فى النقل – ستبرز تلك التقنيات من حيث دورها و أهميتها وستساهم فى خلق العالم الجديد .

وسيجعل تمويل وول ستريت للنقل بالبخار – وكان مجرد تقنية كمالية فى عام 1830 – من وول ستريت نفسها عنصرا لا غنى عنه فى الاقتصاد الأمريكى.

       بفضل سمعة صاغة الذهب , كانت إيصالاتهم بمنزلة المعدن الثمين نفسه – الذى يحفظونه فى خزائنهم – الذى تمثله هذه الايصالات , كما كانت تلك الإيصالات أسهل حملا .

 وما كاد القانون يجيز تداولها (فى بريطانيا فى عام 1704) وصارت بالتالى ملكية مطلقة لحاملها , حتى تحولت الأوراق النقدية المصرفية (البنكنوت) إلى نقود .

      كان صاغة الذهب يزاولون أعمال الإقراض منذ أقدم الأزمنة , و قد شرعوا الان فى تحرير ايصالات بالقروض بدلا من إعطاء المقترض المعدن نفسه .

 وعلى الفور وسعيا وراء تعظيم الربح بدأ الصاغى إصدار المزيد من الإيصالات بشكل يتجاوز قيمة المعدن الموجود فى خزائنهم واللازم لمقابلة تلك الإيصالات , وبفضل السمعة الحسنة لصاغة الذهب لم يكن فى ذلك أى حرج , على اعتبار أنه من غير المتصور أن يسعى حملة الإيصالات كلهم – فى وقت واحد – إلى استردادها .

       وبعد إصدار إيصالات تتجاوز قيمتها قيمة الذهب اللازم لوفائها , عمل صاغة الذهب – وقد بلغوا بذلك منزلة المصرفيين – على خلق النقود من العدم تقريبا .

ولم يدرك كثير من المثقفين و المتعلمين جوهر عمل المصارف , ومن ثم اعتبروا ذلك – بطبيعته – نوعا من الاحتيال أو قلة الأمانة .

وكتب جون ادامز – ذات مره – أن ( كل دولا من الأوراق المصرفية يصدر زيادة على كمية الذهب والفضة فى الخزائن لا يملك أى قيمة , وبالتالى فهو بمنزلة احتيال على البعض ) .

      أن العمل المصرفى يتمثل فى تحويل رأس المال المعطل فى الأصول الثابته إلى رأس مال سائل يمكن توظيفه فى أصول (موجودات) جديدة على نحو يضاعف ثروة المجتمع ويؤسس لاقتصاد اكثر ديناميكية .


        سمعة المصرفى فى إدارة مصرف مستقر ماليا هى أثمن ما يملك من الأصول .

وكما بين عالم السياسة البريطانى الكبير فى القرن التاسع عشر والتر بيجوت : ( يعلم كل مصرفى أنه عندما يضطر إلى أن يثبت سلامة وضعه الائتمانى – بغض النظر عن صحة الحجج التى يسوقها – فإن سمعته تكون بالفعل قد ولت من دون رجعة ) .

إمبراطورية الثروة 16

إمبراطورية الثروة 16


        وفى العام 1802 رصد قانون الكونغرس الذى أسست بموجبة ولاية أوهايو الأموال المتحصلة من بيع الأراضى العامة لمد الطرق .

      وفى عام 1790 حين لم يضى إلا عام واحد على تطبيق الدستور , رخصت ثمانى ولايات من الولايات الثلاث عشرة ما لا يقل عن ثلاثين شركة لشق القنوات , ولم يصل كثير من هذه الشركات مرحلة التخطيط وكان معظمها يفتقر إلى العزيمة اللازمة فلم تسع إلى مد الاجزاء الصالحة للملاحة فى الأنهار من خلال حل مشكلات التيارات المائية والشلالات . كان جورج واشنطن من المتحمسين جدا لفكرة القتال وذلك حرصا منه على تطوير فرص الملاحة فى نهر بوتوماك ,لكنه عجز عن تأمين التمويل اللازم من الكونغرس .

     إن قرار شق القنال شئ , وشقها شئ أخر تماما .

     وأصدرت الشركة أسهما فى العام 1794 لاقت إقبالا كبيرا من المستثمرين , الذين كان يحدوهم الأمل بالأمكانات الاقتصادية التى تبشر بها التقنية الجديدة , وهم غير مدركين الصعوبات العملية التى تترتب على إنشاء القنال وتشغيلها على نحو مربح .

 ومع البوادر الأولى – ولن تكون الاخيرة – لفقاعة الاستثمار التقنى فى الولايات المتحدة ارتفعت اسعار اسهم شركة قنال مديلسكس – التى بلغت حين إصدارها 225 دولارا – الى مستوى كبير وصل الى 475 دولارا , وذلك بفعل المضاربين قبل أن تبدأ القنال عملها بعشر سنوات

       يمكن تلمس ضخامة مشروع قنال إرى بالنسبة إلى ولاية نيويورك إذا علمنا أن التكلفة التقديرية النهائية – والتى بلغت سبعة ملايين دولار – تتجاوز أكثر من ثلث رأسمال المصارف وشركات التأمين العاملة فى الولاية .

 و فرضت نيويورك ضريبة على السفر بالمراكب البخارية , وعلى الملح وعلى الاراضى التى تقع داخل حزام لا يزيد على خمسة وعشرين ميلا حول القنال لخدمة السندات التى أصدرتها , واستثمرت شركتا تأمين لندنيتان أموالا طائلة فى هذه السندات , لكن معظم الأموال جاءت من أبناء نيويورك , وجلهم من أصحاب الثروات الكبيرة .

فمن أصل المكتتبين التسعة والستين فى سندات العام 1818 استثمر واحد وخمسون منهم 2000 دولار أو ما يقل , واستثمر سبعة وعشرون مكتتبا أقل من 1000 دولار للمكتتب الواحد .

     فى عام 1821 اكتمل نحو 220 ميلا من القنال وبدأت حركة النقل نزداد , وتستقطب اهتماما من الخارج . وبدأ سوق النقد فى لندن بتوظيف استثمارات ضخمة فى المشروع , وستشترى شركة بارينخ  بروذرز وحدها سندات فى القنال باكثر من 300 الف دولار.

     فى عام 1825 عبر 13.100 مركب القنال وجبيت رسوم عبور بلغت نصف مليون دولار , وهذا يتجاوز المبلغ اللازم لتمويل الدين الذى ترتب على بناء القنال , وفى أقل من عقد سددت الديون واستخدم فائض الأموال فى توسيع القنوات الرافدة لها .



       القنال استخدمتها ألوف للانتقال من الحقول الصخرية فى نيوإنغلاند إلى الاراضى الخصبة فى الغرب الأوسط , و ارسلوا نتاج عملهم ثانية عبر القنال مع التراجع الشديد فى تكلفة نقل البضائع غربا . قبل القناة , كان الأمر يستغرق ثلاثة أسابيع وبتكلفة بلغت 120 دولار لإرسال طن من القمح من بوفالو إلى مدينة نيويورك , أى ثلاثة أمثال تكلفة الطحين .

 وبين ليلة وضحاها هبطت التكلفة إلى ستة دولارات ولم يعد شحنها يستغرق أكثر من ثمانية أيام .

        يصطلح الاقتصاديون على تسمية النقل بتكلفة إنجاز الصفقة .
        قبل اكتمال العمل فى قنال إرى عام 1822 رأت صحيفة التايمز اللندنية أن القنال أوشكت على الانتهاء , وكتبت فى ذلك العام أنها ستجعل مدينة نيويورك لندن العالم الجديد . وكانت التايمز محقة . فقد كانت قنال إرى هى ما أكسب الإمباير ستيت مركزها التجارى وجعلت نيويورك عاصمة الأمة الامبراطورية .

        روى عن جون جاكوب أستور – وهو من كبار المستثمرين فى القنال – قوله وهو على فراش الموت فى عام 1898 إن الشئ الوحيد الذى يأسف عليه فى الحياة أنه لم يشتر منهاتن كلها . لكنه اشترى منها ما يكفى لجعله أغنى رجل فى البلاد ولتتمتع عائلته بثراء عز نظيره فى الأجيال المقبلة .


       كان على مستورد النسيج وتجار القطن فى نيويورك السفر من حين إلى أخر الى بريطانيا لغرض التجارة , وكثير منهم كانوا بريطانى المولد . وقد كانوا يأسفون على الزمن الضائع بانتظار إبحار السفينة , وخرج احدهم , كان اسمه جيرميا طومبسون , بفكرة غير مسبوقة للحد من الزمن الضائع , إذ اقترح تنظيم طابور للسفن تحت إدارة موحدة تلتزم ببرنامج زمنى منتظم تبحر بموجبه فى تواريخ تعلن مسبقا .