21‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 22

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 22


منذ أن تراجعت الحرب النووية الشاملة واكتشفت الولايات المتحدة قبل الاتحاد السوفيتى تكتيك الرد المرن كمخرج من المأزق النووى , انفتح الباب على مصراعية للحروب الصغيرة والمحلية .

       بعبارة أخرى فلقد وضعت صيغة التعايش السلمى كبديل عن الحرب الباردة على اساس أن يكون التقدم الصناعى والتكنولوجى والتنافسى السلمى فى الحضارة ومستوى المعيشة هو التعبير البليغ عن الأيدولوجية والصراع المذهبى .


     غير هذا - دعنا نستدرك – لا يعني لا سيادة السلام والاستقرار العالمى .

 فالتعايش السلمى وسيلة لا غاية , وهو باعتراف اقطابه لم يكن إلغاء للصراع , وإنما تهذيب له وتقنين وتلجيم , أى تحويله إلى صراع محكوم منضبط غير مفلوت او منفلت .

أو إذا استأنفنا تشبيه الملاكمة السابق , كان التعايش يستعبد الضرب فى الرأس ولكنه لا يمنع الضرب تحت الحزام .

 أما إذا اقتبسنا معلقا ساخرا معاصرا , فلعله لم يكن يعدو استبدال حالة جديدة من اللاحرب واللاسلم بحالة اللاسلم واللاحرب السابقة قبلا وعلى الجملة ,يمكن القول إن صراع القوة فى ظل التعايش السلمى كان أقرب إلى الجمود الخطر منه إلى التوازن الدقيق إنه سلام السلاح .

      وليس من شك تاريخيا وموضوعيا بعد هذا أن الولايات المتحدة تحولت فى الستينات بالتحديد إلى قوة عدوانية سافرة , عينت من نفسها رجل بوليس العالم , وجعلت هدفها ان تفرض سلامها السلام الأمريكى على العالم 

حتى اصبحت السياسة الأمريكية عامل التوتر والاضطراب الجذرى فى ذلك العقد .

      من المسلم به ان انفجار العدوانية الامريكية وقتئذ بهذا العنف والشراسة انما يرجع أساسا ال ما أحست به من تعاظم المد التحريرى والثورة العالمية فى العالم الثالث وانحسار نفوذها فيه انحسارا هدد بأن يكون كاملا .

 غير أن النتيجة تظل واحدة : فتحت مظلة التعايش السلمى المقول , واستغلالا لتوازن الرعب النووى , انطلقت الولايات المتحدة معربدة كالعاصفة , هنا فى أضعف حلقات العالم , لتصفى سياسة عدم الانحياز بسلاح الاستعمار الجديد .


     وكما تراوحت امبريالية اليانكى فى امريكا اللاتينية بين سياسة العصا الغليظة وحسن الجوار , تراوحت فى العالم الأسيوى الأفريقى بين سياسة ذهب اليانكى وسيفه , أعنى بين سياسة المساعدات والقروض والمنح وبين مؤامرات المخابرات والانقلابات والغزو من الداخل .

 وقد نجحت سياسة الاغراء والمعونات بالفعل فى اقتطاع بعض دول القارتين المتخلفتين الهشتين من فلك عدم الانحياز , ولكن هذه الول لم تكن منتمية حقيقة وبإخلاص إلى الخط التحررى الاستقلالى إلا كشعار انتهازى ميسور .

     على أن الضربة الحقيقية التى نالت عدم الأنحياز إنما جاءت عن طريق العمل التخريبى والسرى تحت الأرض , حتى باتت الانقلابات الرجعية , وبالتحديد العسكرية , أبرز ملامح الفترة , وكانت أفريقيا خاصة هى موطنها الأساسى حيث شهدت سنة 1966 وحدها مثلا 12 انقلابا , معظمها يتركز فى غرب القارة ويقل فى وسطها ثم يزداد قلة فى شرقها .

حتى ليصح فى معنى أن يقال إن 1966 هى سنة نكسة أفريقيا , حيث كانت 1960 هى سنة افريقيا الاولى بلغة الفلك , كانت فصل الانقلاب , حيث كانت الثانية فصل الاعتدال . المهم بذلك أن الولايات المتحدة نجحت فى أن تصدر الثورة المضادة بالجملة , وأن تجعل من أفريقيا فى هذا الصدد أمريكا اللاتينية الأخرى تقريبا .


      أما حيث لم تجد سياسة المعونات أو الانقلابات , فقد التجأت الولايات إلى أسلحة الضغط الاقتصادى والتجويع أو الحرب النفسية والحملات الدعائية دائما , وإلى العدوان المسلح المقنع أحيانا .

 وكان تحديد استعمال هذه الأسلحة يتناسب تناسبا طرديا مع ضراوة الكراهية الأمريكية والمقاومة الوطنية .

 فقد وقفت عند حد الضغط الاقتصادى فى حالة الهند مثلا , بينما وصلت إلى حد العدوان العسكرى فى الشرق العربى حيث تخفت النجمة الخماسية (الولايات) وراء النجمة السداسية (إسرائيل) كما قيل .

      بينما كف الاتحاد السوفيتى يده , لا ندرى تعقلا وانضباطا أو خوفا وعجزا , أطلقت الولايات المتحدة يدها بلا رادع أو خوف , لكى تبتز الجنس البشرى نوويا ولكى تحول السلام الذرى إلى السلام الأمريكى .



0 التعليقات: