إستراتيجية الاستعمار والتحرير 28
الشرق لا يعطى عدم الانحياز السلاح إلا
بشروط سياسية أولا , ثم بمعدلات تتناسب تناسبا طرديا مع درجة حرارة الحرب الباردة
أو زاوية الانفراج بين القطبين , ثم أخيرا بكميات ونوعيات تكاد تضمن له الهزيمة
عادة أو غالبا .
والغرب من جانبه يفتح كل ترسانته الفتاكة لأعداء عدم الانحياز بلا
حساب , بل بكل تخطيط محسوب لفرض الهزيمة عليه .
ولهذا كله فليس صحيحا بالضبط أن
الشرق لا يملك إلا أن يعطى السلاح بينما يملك الغرب أن يعطى السلام , وإنما الصحيح
أن الشرق لا يملك إلا أن يقدم الهزيمة و الغرب إنما يملك أن يقدم الاستسلام .
الغرب والأمريكيين بدورهم اعتبروا العالم
الاسلامى رديفا أو حليفا جاهزا ضد الروس والشرق والشيوعية الملحدة , وذلك باعتباره
من الأديان السماوية مثلهم .
وعلى هذا الأساس حاولوا مرارا تجنيده ليكون قفازهم أو
مخلب القط فى حرب (صليبية إسلامية) لا ناقة لهم فيها ولا جمل .
الدفاع عن عدم الانحياز هو مسئولية دول
العالم الثالث أساسا , بالإشتراك مع حلفائهم الطبيعيين حيثما وجدوا .
مصير الإمبريالية العالمية يتوقف على
مصير العالم الثالث.
مصير العالم الثالث يتوقف على مصير
العالم العربى.
مصير العالم العربى يتوقف على مصير
فلسطين/إسرائيل.
وتفصيل هذا أو تفسيره أن العالم الثالث
يمثل اليوم نقطة الارتكاز بين ذراعى القوة والمقاومة فى الصراع العالمى بين الغرب
والشرق .
ولذلك كله فلا شك أن مصير إسرائيل
الصهيونية سيحدد فى نهاية المطاف مصير الإمبريالية العالمية .
الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية
والاستعمار , وهو ما يتفق أخيرا مع الحقيقة المسلم بها وهى أن مشكلة فلسطين هى
أعقد و أخطر مشكلات عصرنا جميعا .
ومن المنطقى بعد هذا كله أن نقول إنه لما
كان مصير الصراع العربى – الإسرائيلى سيتوقف أساسا على قوة مصر خاصة بين العرب ,
بمثل ما أن مصير الإمبريالية العالمية سيتوقف على مصير إسرائيل , فإن مصير عدم
الانحياز والعالم الثالث سيتوقف فى التحليل الأخير على مصير مصر بالدقة .
الاستسلام للعدوان لا يزيد المعتدى إلا
طغيانا وانتقاما , بينما أن المواجهة الصلبة إلى أن تتكسر موجته ترغمه فى النهاية
على التعقل وإعادة العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والأخذ والعطاء .
فى السياسة كما فى الحياة , وفى الحاضر
كما فى الماضى , الحق هو القوة والقوة هى الحق . فكل حق إنما بدأ قوة , ثم أضيف
إليها الأمر الواقع مضروبا فى عامل الزمن فأصبحت حقا مكتسبا , بينما أصبح الحق
مجرد تقنين للقوة .
لكن , بنفس المنطق , فإن كل قوة قائمة تعد قابلة للنسخ بفعل
قوة مضادة لها فى الاتجاه ومماثلة فى القوة .
وما الحق لهذا إلا الاسم الرومانسى
للقوة , بينما أن القوة هى الاسم العلمى للحق , تماما بمثل ما أن المبادئ هى الاسم
الرومانسى للمصالح والمصالح هى الاسم العلمى للمبادئ .
وفى ذلك فليتنافس الاحرار
لا العبيد .
وواقع الأمر الذى حدث بالفعل هو أن كثرة
من دول عدم الانحياز اضطرت واقعيا إلى الانحياز تحت ضغط عاملين أساسيين : إما
السلاح و إما الغذاء أو المعونات الاقتصادية .
فأغلب هذه الدول يعانى من الفقر
الشديد , وبعضهم لا يكفى نفسه بنفسه غذائيا , وكلها بالطبع يستورد السلاح الذى
يصبح مسألة حياة أو موت حين تكون الدولة فى صراع عسكرى مع دولة أخرى .
لا قوة مع الفقر , ولا حياد مع الضعف ,
وتلك معضلة عدم الانحياز فى جوهرها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق