22‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 28

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 28


       الشرق لا يعطى عدم الانحياز السلاح إلا بشروط سياسية أولا , ثم بمعدلات تتناسب تناسبا طرديا مع درجة حرارة الحرب الباردة أو زاوية الانفراج بين القطبين , ثم أخيرا بكميات ونوعيات تكاد تضمن له الهزيمة عادة أو غالبا .

 والغرب من جانبه يفتح كل ترسانته الفتاكة لأعداء عدم الانحياز بلا حساب , بل بكل تخطيط محسوب لفرض الهزيمة عليه .

ولهذا كله فليس صحيحا بالضبط أن الشرق لا يملك إلا أن يعطى السلاح بينما يملك الغرب أن يعطى السلام , وإنما الصحيح أن الشرق لا يملك إلا أن يقدم الهزيمة و الغرب إنما يملك أن يقدم الاستسلام .

       الغرب والأمريكيين بدورهم اعتبروا العالم الاسلامى رديفا أو حليفا جاهزا ضد الروس والشرق والشيوعية الملحدة , وذلك باعتباره من الأديان السماوية مثلهم .

وعلى هذا الأساس حاولوا مرارا تجنيده ليكون قفازهم أو مخلب القط فى حرب (صليبية إسلامية) لا ناقة لهم فيها ولا جمل .

      الدفاع عن عدم الانحياز هو مسئولية دول العالم الثالث أساسا , بالإشتراك مع حلفائهم الطبيعيين حيثما وجدوا .

        مصير الإمبريالية العالمية يتوقف على مصير العالم الثالث.

        مصير العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربى.

        مصير العالم العربى يتوقف على مصير فلسطين/إسرائيل.

        وتفصيل هذا أو تفسيره أن العالم الثالث يمثل اليوم نقطة الارتكاز بين ذراعى القوة والمقاومة فى الصراع العالمى بين الغرب والشرق .

        ولذلك كله فلا شك أن مصير إسرائيل الصهيونية سيحدد فى نهاية المطاف مصير الإمبريالية العالمية .

        الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية والاستعمار , وهو ما يتفق أخيرا مع الحقيقة المسلم بها وهى أن مشكلة فلسطين هى أعقد و أخطر مشكلات عصرنا جميعا .

        ومن المنطقى بعد هذا كله أن نقول إنه لما كان مصير الصراع العربى – الإسرائيلى سيتوقف أساسا على قوة مصر خاصة بين العرب , بمثل ما أن مصير الإمبريالية العالمية سيتوقف على مصير إسرائيل , فإن مصير عدم الانحياز والعالم الثالث سيتوقف فى التحليل الأخير على مصير مصر بالدقة .

        الاستسلام للعدوان لا يزيد المعتدى إلا طغيانا وانتقاما , بينما أن المواجهة الصلبة إلى أن تتكسر موجته ترغمه فى النهاية على التعقل وإعادة العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والأخذ والعطاء .

         فى السياسة كما فى الحياة , وفى الحاضر كما فى الماضى , الحق هو القوة والقوة هى الحق . فكل حق إنما بدأ قوة , ثم أضيف إليها الأمر الواقع مضروبا فى عامل الزمن فأصبحت حقا مكتسبا , بينما أصبح الحق مجرد تقنين للقوة .

لكن , بنفس المنطق , فإن كل قوة قائمة تعد قابلة للنسخ بفعل قوة مضادة لها فى الاتجاه ومماثلة فى القوة .
 وما الحق لهذا إلا الاسم الرومانسى للقوة , بينما أن القوة هى الاسم العلمى للحق , تماما بمثل ما أن المبادئ هى الاسم الرومانسى للمصالح والمصالح هى الاسم العلمى للمبادئ .

وفى ذلك فليتنافس الاحرار لا العبيد .

       وواقع الأمر الذى حدث بالفعل هو أن كثرة من دول عدم الانحياز اضطرت واقعيا إلى الانحياز تحت ضغط عاملين أساسيين : إما السلاح و إما الغذاء أو المعونات الاقتصادية .

فأغلب هذه الدول يعانى من الفقر الشديد , وبعضهم لا يكفى نفسه بنفسه غذائيا , وكلها بالطبع يستورد السلاح الذى يصبح مسألة حياة أو موت حين تكون الدولة فى صراع عسكرى مع دولة أخرى .


         لا قوة مع الفقر , ولا حياد مع الضعف , وتلك معضلة عدم الانحياز فى جوهرها .

0 التعليقات: