22‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 27

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 27




مرحلة احتكار القوة :

       رغم الصراعات الدموية بين قوى الاستعمار من أجل هذه السيطرة والاحتكار , كان الغرب المستعمر يستشعر فى النهاية نوعا من الوحدة فى مواجهة بقية العالم المستعمر , وفى ظل هذه الدائرة المغلقة كان الاستعمار طليقا يعربد فى العالم دون رادع أو قوة مكافئة تعمل على توازن القوى فيه .

       وإلى حد كبير , كانت الثورة الفرنسية ترمز إلى , وتحدد بداية , هذا النظام الاستعمارى العالمى , فهى كثورة قومية , لم تكن تستهدف (الحرية والإخاء والمساواة) إلا للوطن القومى أولا والوطن الأوروبى ثانيا , وذلك رغم أن أوروبا الرجعية تكالبت عليها فى البداية لتئدها .


مرحلة الاحتكار الثنائى :

      ومع الثورة الشيوعية فى الروسيا تبدأ المرحلة الثانية لتكسر احتكار القوة العالمى وتنصفه إلى احتكار ثنائى .

وقد جاءت هذه ثورة على البورجوازية الرأسمالية اى ثورة على الثورة الفرنسية إن صح التعبير , فهى ليست ثورة قومية ولكنها أساسا تنشد أن تكون عالمية وتعمل ما وسعها , بعكس الثورة الفرنسية , على تصديرها إلى الخارج .

وهى بعكس الثورة الفرنسية لا ترى القومية ولكن الطبقة , فتنكر القومية وتستنكر القوميات ولا تعترف بوحدة إلا وحدة الطبقة , والطبقة العاملة البروليتارية .


مرحلة القوة الثلاثية :

      بدأت القوة الثالثة بثورة عارمة هى ثورة التحرير التى تفتتحها وترمز لها وتلخصها ثورة 23 يوليو 1952 .


الصورة الجغرافية :

      هذا عن الناحية التطورية  , أما من حيث الصورة النهائية الناتجة فلن يكون من الصعب على الناظر إلى نمط مورفولوجية القوة الراهنة فى العالم أن يرى فيها امتدادا – وإن يكن معدلا تعديلا جوهريا – لثلاثية ماكيندر الكلاسيكية .

 أما الذين لايرون نمطا على الثالث . فهناك – لا يزال – الكتلتان النوويتان الغربية والشرقية اللتان ورثتا قوة البحر والبر القديمة , بينما منطقة الارتطام والالتحام البينية قد ورثتها اليوم قوة عدم الانحياز أو العالم الثالث .

 ويمكننا أن نقول إن هذا تطور من مفهوم جغرافى بحت للاستراتيجية العالمية إلى مفهوم فنى أو حضارى , وهو تطور منطقى وطبيعى إذا ماتذكرنا أن التكنوستراتيجية قد حلت محل الجيوستراتيجية .

الهيئة والشكل :

         ولا شك أن قوة عدم الانحياز تعد بين الكتلتين قوة بينية بكل وضوح , وذلك موقعا ودورا ووظيفة , مثلما كان سلفها منطقة الارتطام .

ليس من محض الصدفة بالتأكيد أن جرثومة الحياد الإيجابى ودعوة عدم الانحياز إنما تنشأ فى صميم منطقة الارتطام ومنها تنتشر .

 بل ليس من الصدفة مطلقا أن أقطاب عدم الانحياز هى ثلاثة من أكثر أجزاء منطقة الارتطام التاريخية حساسية وخطرا : يوغسلافيا , مصر , الهند .


            إذا عدت حرب السويس سنة 1956 مولد عدم الانحياز , فإن حرب الأيام الستة 1967 كانت الضربة القاصمة الأولى التى تلقاها , بينما جاء الوفاق فى سنة 1971 بمثابة الضربة القاضية والاخيرة .

بل إن البعض ليذهب إلى حد القول بأن نكسة يونيو لم تكن فقط نكسة لعدم الانحياز ككل , وإنما كانت مقتلة مثلما كانت مقتل ثورة يوليو نفسها .

وعلى هذا ينتهون إلى أن عدم الانحياز كما ولد على يد أو فى حجر ثورة يوليو سنة 1952 , فإنه مات على يدها او على جثتها فى يونيو 1967 .

وإذا صح هذا المنطق فرضا أو جدلا , جزئيا أو كليا . لكان معناه أن ارتفاع وانحدار عدم الانحياز إنما يتعاصر ويتواكب مع ارتفاع وانحدار مصر (والعرب معها) .


     فلن ينكر منصف أن مصر خلال الستينات كانت من داخل عدم الانحياز تلعب دورا عالميا شبه قيادى شبه محورى .

     برز إلى المقدمة ليلعب دورا عالميا أكبر بكثير مما يتناسب مع قوته الذاتية الداخلية  ووزنه الطبيعى الحقيقى , ونعنى بذلك دور الحكم أو المرجح بين الكتلتين وبين القطبين , ومن ثم دور الند لهما تقريبا والقوة الثالثة بجانبها نسبيا .


        من الناحية العلمية , على أية حال , فلقد جاء الوفاق الثنائى بين القوتين الأعظم فى أخريات القرن وعلى المستوى العالمى أشبه شئ بالوفاق الثنائى القديم بين قوتى الإستعمار القديم فى أوائل القرن على المستوى الأقليمى .

فكما أطلق الأخير يد فرنسا فى المغرب مقابل إطلاق يد بريطانيا فى مصر , أطلق الوفاق كأمر واقع يد الاتحاد السوفيتى فى أفريقيا والعالم الثالث مقابل إطلاق يد الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط والعالم العربى لاسيما بعد طرد الروس من الجزء الأكبر والأخطر منه .

0 التعليقات: