إستراتيجية الاستعمار والتحرير 27
مرحلة
احتكار القوة :
رغم الصراعات الدموية بين قوى الاستعمار
من أجل هذه السيطرة والاحتكار , كان الغرب المستعمر يستشعر فى النهاية نوعا من
الوحدة فى مواجهة بقية العالم المستعمر , وفى ظل هذه الدائرة المغلقة كان
الاستعمار طليقا يعربد فى العالم دون رادع أو قوة مكافئة تعمل على توازن القوى فيه
.
وإلى حد كبير , كانت الثورة الفرنسية ترمز
إلى , وتحدد بداية , هذا النظام الاستعمارى العالمى , فهى كثورة قومية , لم تكن
تستهدف (الحرية والإخاء والمساواة) إلا للوطن القومى أولا والوطن الأوروبى ثانيا ,
وذلك رغم أن أوروبا الرجعية تكالبت عليها فى البداية لتئدها .
مرحلة
الاحتكار الثنائى :
ومع الثورة الشيوعية فى الروسيا تبدأ
المرحلة الثانية لتكسر احتكار القوة العالمى وتنصفه إلى احتكار ثنائى .
وقد جاءت
هذه ثورة على البورجوازية الرأسمالية اى ثورة على الثورة الفرنسية إن صح التعبير ,
فهى ليست ثورة قومية ولكنها أساسا تنشد أن تكون عالمية وتعمل ما وسعها , بعكس
الثورة الفرنسية , على تصديرها إلى الخارج .
وهى بعكس الثورة الفرنسية لا ترى
القومية ولكن الطبقة , فتنكر القومية وتستنكر القوميات ولا تعترف بوحدة إلا وحدة
الطبقة , والطبقة العاملة البروليتارية .
مرحلة القوة
الثلاثية :
بدأت القوة الثالثة بثورة عارمة هى ثورة
التحرير التى تفتتحها وترمز لها وتلخصها ثورة 23 يوليو 1952 .
الصورة
الجغرافية :
هذا عن الناحية التطورية , أما من حيث الصورة النهائية الناتجة فلن يكون
من الصعب على الناظر إلى نمط مورفولوجية القوة الراهنة فى العالم أن يرى فيها
امتدادا – وإن يكن معدلا تعديلا جوهريا – لثلاثية ماكيندر الكلاسيكية .
أما الذين
لايرون نمطا على الثالث . فهناك – لا يزال – الكتلتان النوويتان الغربية والشرقية
اللتان ورثتا قوة البحر والبر القديمة , بينما منطقة الارتطام والالتحام البينية
قد ورثتها اليوم قوة عدم الانحياز أو العالم الثالث .
ويمكننا أن نقول إن هذا تطور
من مفهوم جغرافى بحت للاستراتيجية العالمية إلى مفهوم فنى أو حضارى , وهو تطور
منطقى وطبيعى إذا ماتذكرنا أن التكنوستراتيجية قد حلت محل الجيوستراتيجية .
الهيئة
والشكل :
ولا شك أن قوة عدم الانحياز تعد بين الكتلتين
قوة بينية بكل وضوح , وذلك موقعا ودورا ووظيفة , مثلما كان سلفها منطقة الارتطام .
ليس من محض الصدفة بالتأكيد أن جرثومة الحياد الإيجابى ودعوة عدم الانحياز إنما
تنشأ فى صميم منطقة الارتطام ومنها تنتشر .
بل ليس من الصدفة مطلقا أن أقطاب عدم
الانحياز هى ثلاثة من أكثر أجزاء منطقة الارتطام التاريخية حساسية وخطرا :
يوغسلافيا , مصر , الهند .
إذا عدت حرب السويس سنة 1956 مولد
عدم الانحياز , فإن حرب الأيام الستة 1967 كانت الضربة القاصمة الأولى التى تلقاها
, بينما جاء الوفاق فى سنة 1971 بمثابة الضربة القاضية والاخيرة .
بل إن البعض
ليذهب إلى حد القول بأن نكسة يونيو لم تكن فقط نكسة لعدم الانحياز ككل , وإنما
كانت مقتلة مثلما كانت مقتل ثورة يوليو نفسها .
وعلى هذا ينتهون إلى أن عدم
الانحياز كما ولد على يد أو فى حجر ثورة يوليو سنة 1952 , فإنه مات على يدها او
على جثتها فى يونيو 1967 .
وإذا صح هذا المنطق فرضا أو جدلا , جزئيا أو كليا .
لكان معناه أن ارتفاع وانحدار عدم الانحياز إنما يتعاصر ويتواكب مع ارتفاع وانحدار
مصر (والعرب معها) .
فلن ينكر منصف أن مصر خلال الستينات كانت من
داخل عدم الانحياز تلعب دورا عالميا شبه قيادى شبه محورى .
برز إلى المقدمة ليلعب دورا عالميا أكبر
بكثير مما يتناسب مع قوته الذاتية الداخلية
ووزنه الطبيعى الحقيقى , ونعنى بذلك دور الحكم أو المرجح بين الكتلتين وبين
القطبين , ومن ثم دور الند لهما تقريبا والقوة الثالثة بجانبها نسبيا .
من الناحية العلمية , على أية حال , فلقد
جاء الوفاق الثنائى بين القوتين الأعظم فى أخريات القرن وعلى المستوى العالمى أشبه
شئ بالوفاق الثنائى القديم بين قوتى الإستعمار القديم فى أوائل القرن على المستوى
الأقليمى .
فكما أطلق الأخير يد فرنسا فى المغرب مقابل إطلاق يد بريطانيا فى مصر ,
أطلق الوفاق كأمر واقع يد الاتحاد السوفيتى فى أفريقيا والعالم الثالث مقابل إطلاق
يد الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط والعالم العربى لاسيما بعد طرد الروس من
الجزء الأكبر والأخطر منه .
0 التعليقات:
إرسال تعليق