إستراتيجية الاستعمار والتحرير 8
لم تكن بريطاينا مهيأة لتخرج إلى البحار
حين الكشوف أو بعدها , حيث كانت السيادة للبرتغال و إسبانيا ثم هولندا وفرنسا ,
وظلت هى فى منطقة الظل أو شبه الظل .
ولكنها فى حدود هذا الظل كانت تحاول – خلال
القرن السادس عشر – أن تلتقط أى مكسب أو فتات من التجارة المحيطية إما بعيدا عن
النفوذ الإسبانى أو مغافلة له .
بعيدا عنه – بالاتجاه إلى العالم الجديد من طريق
شمال متطوح , فكان أول خروج لها نحو الشمال الغربى حيث اكتشفت فى اخر القرن الخامس
عشر نيوفوندلند ولبرادور (جون كابوت) وهى دائرة محدودة القيمة التجارية .
أما مغافلة له – فبالتسلل إلى المستعمرات
الإسبانية الاحتكارية للتجارة معها سرا . فبدأت بين الجانبين (حروب عصابات بحرية)
بكل معنى الكلمة , فكان هذا عصر القرصان المشهور بكل مغامراته وإثاراته وملاحمه .
سياسة بريطانيا الجزرية : فقد كان
محورها دائما أن تترك القوى الأخرى على القارة تتصارع , وأن تغذى هذا الصراع حتى
تضعف جميعا , فتتقدم هى لترثها وهى بمنأى فى جزيرتها عن خطر الصراع نفسه .
وفى نفس
الوقت كان توازن القوى على القارة هدفها الاخر . فكانت تعمل ألا تسود قوة واحدة
كبرى فى القارة , ولهذا كانت الحليف التقليدى للقوى الصغيرة التى سبق أن عادتها
وساهمت فى انحدارها .
بريطانيا خسرت فى تلك الفترة (إمبراطوريتها
الأولى ) فى الولايات الثلاث عشرة فى أمريكا . فقد ثارت الولايات فى حرب الاستقلال
فى مرحلة ضعف لقوة بريطانيا البحرية , وانتصرت لبعد المسافة وضعف الارتباط , ولكن
أيضا لمساعدة فرنسا و إسبانيا للانفصال 1783 .
القومية و الاستعمار
:
كانت الوحدة القومية شرطا اساسيا سابقا
مسبقا للخروج الاستعمارى , إذ لم يكن من الممكن القفز إلى العالم الخارجى قبل
ترتيب البيت داخليا . فكان الخروج نتيجة للوحدة وعلامة عليها .
استعمار الكشوف خلق طبقة جديدة قوية تنافس
الطبقة القديمة التقليدية التى كانت تحتكر السلطة والحكم فى المجتمع .
فالصراع
الجديد هو فى الحقيقة صراع بين أصحاب الموارد المحلية فى الوطن , و أصحاب الموارد
المتدفقة من عبر البحار .
ولقد كانت الثورة الفرنسية هى نقطة الانكسار مستعمرات ما
وراء البحار – التحاما نهائيا مع بقايا الاقطاع الزراعى المتحفزة وختمت على مصيرها
ووضعت بذلك جرثومة أو خميرة الرأسمالية الناشئة .
وبمعنى اخر , فإن الكشوف قد ثورت
الكيان السياسى و الاقتصادى والاجتماعى لدول أوروبا البحرية تثويرا , وكانت بذلك
الأساس لهيكل النظام الجديد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق