23‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 33

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 33

دور الاتحاد السوفيتى

ميزان القوة :

        إن تكون الولايات المتحدة بطبيعتها قوة هجومية أساسا وبالضرورة , فإن الاتحاد السوفيتى قوة دفاعية بالتفصيل والامتياز .

وإن الولايات لم تذق طعم الحرب على ارضها منذ 1812  .

        مع التفرقة بين طبيعة الدولة الرأسمالية والدولة الاشتراكية وبين أهدافها , فإن مراحل النمو السياسى والتطور الجيوبوليتيكى العام للدولة ككائن عضوى ليس ثمة ما يدعو إلى التفرقة فيها .

        مرحلة الشباب فى الدولة الاشتراكية لا يمكن أصلا أن تستهدف أو تتميز بالتوسع الاستعمارى .

        من الواضح من كل ما تفعله وتقوله وما لا تقوله الولايات , أنها تنظر إلى التعايش السلمى كهدنة مسلحة مؤقتة تكسب بها وقتا أولا وأرضا ثانيا , دون أن تتخلى عن خطتها العليا للسيطرة والسيادة الكوكبية , بما فى ذلك أساسا و أخيرا السيطرة على الكتلة الاشتراكية المضاة .

أخطار المرحلة :

        تحرش الولايات و استفزازها وعدوانيتها المسلحة أحيانا من ناحية , وحرص الاتحاد بأقصى درجات ضبط النفس على عدم التورط فى الصدام من ناحية أخرى , يكرر أساسيات الموقف القديم . 

ومن أبرز استفزازات الولايات فى صميم المعسكر الشرقى حرب فيتنام , وحلم الحرب الخاطفة – على نحو ما فعلت إسرائيل فى الشرق الأوسط .

        إذا كانت النازية بعد ذلك قد عادت فعقدت ميثاق عدم اعتداء مع الاتحاد السوفييتى , فلم يكن هذا إلا مناورة لكسب الوقت ريثما تنتهى من بريطانيا , وبذا تتغذى ببريطانيا وبعدها تتعشى بالاتحاد .

 وهذا أو شئ من هذا يكاد على الأرجح أن يكون خط الولايات المتحدة فى وقت ما .

 فمع إستحالة الصدام مع الاتحاد بكل ما يحمل من أخطار نووية , ومع أستحالة التواطؤ معه على مصير العالم واقتسامه مناطق نفوذ , تجمدت المواجهة بينهما فى إطار تكتيكى مؤقت , وانعطفت هى لتتغذى أولا بالعالم الثالث , وبعده يمكن للتوازن العالمى الكتلى أن ينقلب تمهيدا للعشاء الأخير والأكبر .


التحدى الصينى :

        مركز العداء والصراع السياسى فى أوروبا تحرك دائما نحو الشرق تاركا عدو الأمس حليف اليوم : ففرنسا كانت عدوة بريطانيا ثم أصبحت حليفتها , ثم صارت ألمانيا عدوة الاثنين فأضحت حليفتها , وقد أصبح الاتحاد السوفييتى عدو الجميع اليوم , فما الذى يمنع بهذا المنطق – هكذا يتساءلون – من أن يتحول إلى حليفهم ؟
 وبهذا تعود نظرية المحور الشمالى الأبيض ضد المحور الجنوبى الملون فتطفو على السطح فى نهاية المطاف .

      أى تقارب أو تحالف بين أى قوتين فى الشرق والغرب من بين الأقطاب الكبار يضع الاتحاد السوفييتى فورا فى حصار برى كامل أو بحرى شبه كامل .

 وأى حصار للاتحاد يعده اكبر تهديدا وتحد له , لأنه يفرض عليه أن يحارب فى جبهتين فى وقت واحد . 

وقد كانت الاستراتيجية التاريخية للاتحاد السوفيتى (وللقيصرية من قبل) هى أن يتحاشى بكل وسيلة أن تفرض عليه الحرب فى أوروبا و أسيا فى وقت واحد .

      منذ انتهت الحرب العالمية الثانية لم تكف أسيا عن القتال وكانت دائما فى حرب مستمرة هنا أو هناك .

    أصبحت أسيا , وليس اوروبا هى مسرح الحرب  الجديد و أرض المعركة و حلبة الصراع فى العالم . 
إنها بكل وضوح ترث دور أوروبا التقليدى فى هذا المجال , رغم الفارق الأساسى أو النسبى بين عدوانية حروب أوروبا القديمة غالبا وتحريرية حروب أسيا المعاصرة عادة .


      والملاحظ بالفعل أن أوروبا , بعد أن فقدت إمبراطوريتها الاستعمارية وراء البحار , وبعد عودتها إلى القارة الأم , تدخل الان مرحلة من الاستقرار السياسى النادر , وتتجه تحت ضغوط العالم المتغير وحماية للنفس إلى تصفية إرث الماضى ونتائج الحرب العالمية الثانية ثم إلى التكامل والوحدة الأوروبية , أى إلى مرحلة ما بعد القومية أو ما فوق القومية (الفوقمية كما صك البعض) .

0 التعليقات: