إستراتيجية الاستعمار والتحرير 33
دور الاتحاد
السوفيتى
ميزان القوة :
إن تكون الولايات المتحدة بطبيعتها قوة
هجومية أساسا وبالضرورة , فإن الاتحاد السوفيتى قوة دفاعية بالتفصيل والامتياز .
وإن الولايات لم تذق طعم الحرب على ارضها منذ 1812 .
مع التفرقة بين طبيعة الدولة الرأسمالية
والدولة الاشتراكية وبين أهدافها , فإن مراحل النمو السياسى والتطور الجيوبوليتيكى
العام للدولة ككائن عضوى ليس ثمة ما يدعو إلى التفرقة فيها .
مرحلة الشباب فى الدولة الاشتراكية لا
يمكن أصلا أن تستهدف أو تتميز بالتوسع الاستعمارى .
من الواضح من كل ما تفعله وتقوله وما لا
تقوله الولايات , أنها تنظر إلى التعايش السلمى كهدنة مسلحة مؤقتة تكسب بها وقتا
أولا وأرضا ثانيا , دون أن تتخلى عن خطتها العليا للسيطرة والسيادة الكوكبية , بما
فى ذلك أساسا و أخيرا السيطرة على الكتلة الاشتراكية المضاة .
أخطار المرحلة :
تحرش الولايات و استفزازها وعدوانيتها
المسلحة أحيانا من ناحية , وحرص الاتحاد بأقصى درجات ضبط النفس على عدم التورط فى
الصدام من ناحية أخرى , يكرر أساسيات الموقف القديم .
ومن أبرز استفزازات الولايات
فى صميم المعسكر الشرقى حرب فيتنام , وحلم الحرب الخاطفة – على نحو ما فعلت
إسرائيل فى الشرق الأوسط .
إذا كانت النازية بعد ذلك قد عادت فعقدت
ميثاق عدم اعتداء مع الاتحاد السوفييتى , فلم يكن هذا إلا مناورة لكسب الوقت ريثما
تنتهى من بريطانيا , وبذا تتغذى ببريطانيا وبعدها تتعشى بالاتحاد .
وهذا أو شئ من
هذا يكاد على الأرجح أن يكون خط الولايات المتحدة فى وقت ما .
فمع إستحالة الصدام
مع الاتحاد بكل ما يحمل من أخطار نووية , ومع أستحالة التواطؤ معه على مصير العالم
واقتسامه مناطق نفوذ , تجمدت المواجهة بينهما فى إطار تكتيكى مؤقت , وانعطفت هى
لتتغذى أولا بالعالم الثالث , وبعده يمكن للتوازن العالمى الكتلى أن ينقلب تمهيدا
للعشاء الأخير والأكبر .
التحدى الصينى :
مركز العداء والصراع السياسى فى أوروبا
تحرك دائما نحو الشرق تاركا عدو الأمس حليف اليوم : ففرنسا كانت عدوة بريطانيا ثم
أصبحت حليفتها , ثم صارت ألمانيا عدوة الاثنين فأضحت حليفتها , وقد أصبح الاتحاد
السوفييتى عدو الجميع اليوم , فما الذى يمنع بهذا المنطق – هكذا يتساءلون – من أن
يتحول إلى حليفهم ؟
وبهذا تعود نظرية المحور الشمالى الأبيض ضد المحور الجنوبى
الملون فتطفو على السطح فى نهاية المطاف .
أى تقارب أو تحالف بين أى قوتين فى الشرق
والغرب من بين الأقطاب الكبار يضع الاتحاد السوفييتى فورا فى حصار برى كامل أو
بحرى شبه كامل .
وأى حصار للاتحاد يعده اكبر تهديدا وتحد له , لأنه يفرض عليه أن
يحارب فى جبهتين فى وقت واحد .
وقد كانت الاستراتيجية التاريخية للاتحاد السوفيتى
(وللقيصرية من قبل) هى أن يتحاشى بكل وسيلة أن تفرض عليه الحرب فى أوروبا و أسيا
فى وقت واحد .
منذ انتهت الحرب العالمية الثانية لم تكف
أسيا عن القتال وكانت دائما فى حرب مستمرة هنا أو هناك .
أصبحت أسيا , وليس اوروبا هى مسرح
الحرب الجديد و أرض المعركة و حلبة الصراع
فى العالم .
إنها بكل وضوح ترث دور أوروبا التقليدى فى هذا المجال , رغم الفارق
الأساسى أو النسبى بين عدوانية حروب أوروبا القديمة غالبا وتحريرية حروب أسيا
المعاصرة عادة .
والملاحظ بالفعل أن أوروبا , بعد أن فقدت
إمبراطوريتها الاستعمارية وراء البحار , وبعد عودتها إلى القارة الأم , تدخل الان
مرحلة من الاستقرار السياسى النادر , وتتجه تحت ضغوط العالم المتغير وحماية للنفس
إلى تصفية إرث الماضى ونتائج الحرب العالمية الثانية ثم إلى التكامل والوحدة
الأوروبية , أى إلى مرحلة ما بعد القومية أو ما فوق القومية (الفوقمية كما صك
البعض) .
0 التعليقات:
إرسال تعليق