23‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 32

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 32


غرور القوة :

       ففى رأى الكثيرين أنها إذ جعلت من نفسها رجل إطفاء العالم , تحولت بالفعل إلى مفجر حرب العالم , وأن تصورها لدورها كرجل بوليس عالمى انتهى بها إلى أن تصبح فى الواقع دولة بوليسية إرهابية عظمى وقرصانا أو قاطع طريق دولى خطير .

 كما أنها , وقد جعلت من نفسها وريثة كل الاستعمار , قد صارت تلقائيا قلعة الرجعية العالمية وزعيمة الثورة المضادة فى العالم أجمع .

 وهذا ما دعا البعض فى وقت ما إلى أن ينتهى إلى أن الولايات أصبحت نقمة وكارثة حقيقية على العالم ومأساة العصر الكبرى .

      نلخص جوهر مشكلة الولايات فى العالم فى أنها بحكم ظروف خاصة جدا جغرافية وتاريخية وصلت إلى الصدارة العالمية قبل الأوان , وقبل أن تكون مؤهلة لها بالتاريخ والتجربة والنضج .

ولعل هذا هو السبب الذى حدا بمؤرخ مثل توينى إلى أن يتوقع أمد حياة قصيرا للصدارة الأمريكية فى العالم , فلا يتنبأ لها بأكثر من 50 سنة على الأكثر من البداية إلى النهاية .


دور النضج والاستقرار :

      من المؤكد أن عقدة فيتنام وصدمة الوفاق تمثل تغيرا كيفيا أكثر منه كميا فقط , وبالتالى نقلة جذرية فى حياة أمريكا السياسية .

 ففى أتون فيتنام انصهر غرور القوة والغطرسة الأمريكية .


أزمة القوة :

       لقد أخذ ثقل أمريكا يتضائل – نسبيا – فى ميزان القوة العالمية بعد أن وصل إلى الذروة ولم يعد يستطيع أن يتجاوز (سقف) القوة إلى أعلى .

 ولم يكن هذا لتناقص فى مواردها أو قدراتها – هذه لا تكف عن النمو بشدة – وإنما ببساطة لأن عالم القوى قد اتسع كثيرا عما كان عليه حتى قريب , وذلك بظهور تعدد المراكز .

إن أمريكا , بعبارة أخرى , تنمو أكثر من أى وقت مضى , ولكن العالم من حولها بات ينمو بسرعة أكبر .

       ومن هنا فقد أدركت راغمة أن هناك (انكماشا) نسبيا فى حجمها , وبالتالى فلابد من تقليص نسبى لدورها .

       إن الولايات المتحدة , كدولة , تمر تحت ناظرينا وبصورة غير ملحوظة ولكنها درامية حقا من مرحلة الشباب أى التوسع إلى مرحلة النضج أى الاستقرار , وهى المرحلة التى تكون الدولة فيها قد بلغت قمة القوة ولا تملك بعدها إلا أن تخسر , ولذا تجد كل مصلحتها فى المحافظة على مواقعها المكتسبة ومكاسبها المتراكمة وعلى الوضع الراهن , ساعية بذلك الى الاحتفاظ بسلامها الذى سبق أن فرضته بالقوة , وذلك دون الالتجاء ما استطاعت إلى المزيد من الحروب والصدامات .

 أى أن الدولة , باختصار , تقبل بالوضع الراهن , لتفرض منه الأمر الواقع , وتستبدل بالعنف المباشر الخداع العنيف .

 وتلك هى حقيقة الحقائق كل الموقف الأمريكى الراهن , مثلما هى الحقيقة المفتاح فى سياستها المقبلة.


        فأما الولايات اليوم فى أزمة فنعم , أما أن حلها هو العزلة فلا , لأن العزلة كانت وظيفة طبيعية ملائمة لمرحلة بعينها . ولكن لا مكان لها الان .


       سيكون علينا أن ننتظر من أمريكا الكثير من مفاجاّت المناورات التكتيكية , وتغير المواقف الخداعية اللامبدئية , التى لا تعرف حتى الولاء للأيديولوجية , ولا تعترف إلا بقوة المصلحة ومصلحة القوة .


0 التعليقات: