إستراتيجية الاستعمار والتحرير 26
سر الانقلاب
:
ذلك فى خطوطة العريضة هو سجل الصراع وحصاد
الوفاق .
والسؤال الكبير هو : كيف ولماذا حدث هذا الانقلاب الاستراتيجى الجسيم بين
العملاقين , وما مداه ومغزاه ؟
حسنا , فى الوقت نفسه الذى نشأت فيه للولايات
المتحدة عقدة فيتنام وتضخمت حتى شلت حركتها كثيرا , تحرر الاتحاد السوفيتى من عقدة
الحرب المحدودة التى شلت حركته من قبل فى ظل التعايش السلمى , وذلك حين تبنى
استراتيجية الرد المرن والحرب التقليدية بعد أن استكمل استعداده لها استراتيجيا
بالأساطيل البحرية وفرسان الجو ... إلخ . وتلك فى ذاتها مصادفة تاريخية خارقة ,
ولكنها بحد ذاتها أحد أخطر ضوابط الوفاق ومحددات مساره .
عودة المحتال الذكى لا اللص الغبى هذه
المرة , ولم تنحن لوجة التحرير إلا لتركبها , وبذلك تدور حول روح العصر دون أن
تصطدم به .
والشعارات التكتيكية التى رفعها الاستعمار فى تلك المرحلة هى وحدها
دليل يكشف كل استراتيجيتها : ارحل لتبقى , الاستقلال داخل الترابط حلب البقرة دون
ملكيتها ... إلخ .
وجماع هذا ومحصلته هو ما أصبح يعرف
بجدارة (بالاستعمار الجديد) .
ومحور ارتكازه أن يغير الشكل دون الموضوع , والاطار
لا الصورة . فهو اولا استعمار خبئ غير سافر ولا مباشر , اقتصادى لا سياسى , يعتمد
على تفتيت الدول المتحررة لا تبعيتها , وامتصاصها لا امتلاكها , وأدواته الشركات
والاحتكارات لا الجيوش والغزوات .
وإذا كان الاستعمار القديم (يعطى الإنجيل ويأخذ
الأرض) , فإن هذا الجديد يعطى الاستقلال ويأخذ المحصول .
وهو بذلك يستبدل
بالاستعمار السياسى الاستعمار الاقتصادى , ويتبنى النمط اليانكى فى أمريكا
اللاتينية بدلا من النمط الانجليزى فى افريقيا إنه باختصار أذكى – بعد أعلى –
مراحل الأمبريالية .
أما عن مناورات الدول الاستعمارية
لاستدراج الدول المتحررة إلى جانبها فى الحرب الباردة والصراع الكتلى , فقد أخذت
شكلا عنيفا مكشوفا .
فلم يكن كسب العالم الثالث او ثلث العالم فى هذا الجانب أو
ذاك بالأمر الذى يمكن التقليل من خطورته فى تحديد نتيجة الصراع العالمى .
ولهذا
استماتت الكتلة الاستعمارية الغربية فى محاولة ضم العالم الثالث , عالم الدول
النامية الفقيرة حديثة الاستقلال , إلى صفها وابتلاعه فى فلكها السياسى والمذهبى ,
حتى وإن وصل الضغط والاكراه إلى حد العنف والقهر .
وفى هذا السبيل استهدف الغرب
هدفين : الاستراتيجية والأيدولوجية , واتخذ أداتين : الأحلاف العسكرية والنموذج
الرأسمالى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق