21‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 21

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 21


       جرت فى أحداث حرب السويس 1956 , ففيها لأول مرة اتخذت القوتان الأعظم على تضادهما النووى , موقفا واحدا تقريبا من الناحية العملية ضد القوتين النوويتين الكبيرتين رغم أنهما حليفتان لإحداهما , فكان انسحابهما أمرا مقضيا , وفشل العدوان الثلاثى فى ظل وبفضل التعادل النووى الأعظم .

        وثمة رأى , لا يخلو من وجاهة , يذهب إلى أن الولايات تعمدت أن تدع حليفتيها تتورطان إلى النهاية فى الأزمة حتى ينتهى الأمر بهما إلى الفشل فترثهما هى فى المنطقة تلقائيا ونهائيا .

كذلك فسواء كان هذا الفشل قد تحقق بفضل الانذار الروسى أو الضغط الأمريكى , والاخير الارجح , فلقد كان معنى هذا , ونتيجته ايضا , أن قد تم إلى الأبد اختزال القوى العظمى فى العالم إلى اثنتين لا ثالث لهما , كما قد تم نهائيا وراثة الاستعمار القديم , وهذا وذاك أساسا فى ظل وبفضل العصر النووى .

     استراتيجية الردع الشامل سلاح نفسى وحرب أعصاب أكثر منها أى شئ اخر , تعتمد أساسا على ابتلاع العدو للطعم .

    الاغراء بالهجوم لن يتحدد بمن يضمن هجوما أقوى بل بمن يضمن دفاعا أكمل .

    التوازن النووى هو أساس السلام العالمى .

فالرعب النووى هو وحده أساس السلام العالمى الراهن .

 والسلام العالمى بدوره هو حالة شلل نووى فى جوهره . فلقد أدى الوعى بخطر السلاح النووى الماحق إلى حتمية الحرص على عدم استخدامه على الاطلاق , وبالتالى إلى شل فاعليته عمليا وإلغاء وجوده وظيفيا .

     نتحدث عن نسخ العصر النووى للموقع الجغرافى فينبغى أن يكون مفهوما أننا نقصر هذا بوضوح على جانب الحرب والمعركة العسكرية – وهو الشذوذ , بينما تظل فكرة الموقع سليمة لا تهتز فى مجال السلم والتجارة والمواصلات العادية – وهو القاعدة .

    البعض يتكهن بأن الدول الماموث سكانيا كالصين هى وحدها التى قد يمكن أن تأمل فى أن يتبقى لها بعد الحرب النووية بقية معقولة من السكان .

    أنها لمفارقة من التكنولوجيا مذهلة أن تصبح العمليات الحربية موضعية إلى أدنى حد حين أصبحت الاستراتيجية كوكبية إلى أقصى حد . . وإنها لمفارقة أكبر أن قد وصلت تكنولوجيا الحرب إلى مرحلة يمكن ألا تتلاقى فيها الجيوش وجها لوجه ومع ذلك تبيد المدنيين بالجملة بعد أن كان من الممكن للجيوش قديما أن تتلاقى وتتقاتل دون أن يتأثر بها المدنيون تقريبا .


        مناط القوة الحديثة اليوم لم يعد يكمن فى الامتداد المساحى أو القوة العددية أو الموارد الاقتصادية الخام , ولكن فى تحويل هذه العوامل جميعا إلى قمة العلم الحديث و أعنى بها تكنولوجيا الذرة والنواة .

        الاستراتيجية الجديدة فى معادلة ماكيندر الثلاثية الخالدة قوة البر وقوة البحر ومنطقة الارتطام .

        تتحول من الجغرافيا السياسية الحية لتستقر – مكرمة – فى متحف الجغرافيا التاريخية . ونقول مكرمة لأن هذا التحول لا يقلل من قيمتها الأكاديمية , فحسبها أنها تفسر بدقة مثيرة أغلب كليات وجزئيات التاريخ , ابتداء من القرن العشرين قبل الميلاد حتى القرن العشرين بعد الميلاد . وفوق هذا فإن العالم إذا اتفق على نزع السلاح النووى ومنع الحرب النووية , فانه يعود ببساطة واليا الى استراتيجية ماكيندر ما فى ذلك شك , ويعود للموقع الجغرافى وزنه الأثير ودوره المأثور .

       لكل فعل فى السياسة – كما فى الطبيعة – رد فعل مماثل له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه .

      نلخص فترة ما بعد الحرب الثانية إلى الان فى مرحلتين متتابعتين : الأولى من الحرب  الباردة إلى التعايش السلمى والثانية من التعايش السلمى الى الوفاق .

      بدأت اوروبا الغربية تطلعاتها وطموحاتها تتجاوز مجرد استعادة الحياة الى استعادة مكانتها فى الحياة .

      فأما عن الخطر الشيوعى فى ظل الاستقطاب الثنائى وتحت المظلة النووية الأمريكية , فأنه لا يعنى سوى أن اوروبا الغربية هى ميدان أى معركة قادمة سواء كانت هذه هى الحرب العالمية الثالثة او الحرب النووية الاولى , أى سواء بالسلاح التقليدى أو النووى .

وفى كل الأحوال فليس هناك أدنى ضمان بالدفاع الأمريكى الحتمى , إذ أن من الوارد دائما أن تضطر أمريكا إلى التخلى عن الدفاع عنها أى عن أوروبا الغربية حين تتعرض هى ذاتيا للخطر النووى . ولهذا بدأت أوروبا تعمل على الحصول على القدرة النووية المستقلة الخاصة بها , مثلما غدت الأن اقل من امريكا صليبية وعدوانية واندفاعا ضد المعسكر الشرقى .


       العقيدة القتالية الصينية لا تكاد تبالى بالخسائر البشرية .

0 التعليقات: