إستراتيجية الاستعمار والتحرير 35
لقد كانت مصر والعراق كما نعلم مراكز
القوة السياسية العالمية السائدة فى العصور القديمة .
وفى العصور الوسطى كان العراق العباسى
هو بلا ريب مركز الثقل الأساسى نتيجة للتطورات الجديدة والعديدة المحلية و
الاقليمية والقارية .
ولكن لم يلبث المركز بعد الطوفان المغولى أن انتقل من العراق
إلى مصر بصفة حاسمة ونهائية .
غير أن كشف طريق الرأس لم يلبث بدوره أن
نقل المركز من مصر إلى البرتغال , وانتهى بذلك عصر البحر المتوسط وبدأ عصر المحيط
الأطلسى , حيث ظل المركز يتنقل على طول ساحل غرب أوروبا من الجنوب إلى الشمال
متحركا على التعاقب من البرتغال إلى هولندا إلى فرنسا ثم أخيرا إلى بريطانيا حيث
استقر بصفة نهائية طوال الفترة الحديثة .
وسيلاحظ أن البندول طوال هذه المراحل
المديدة كان يتذبذب بانتظام واستمرار من الشرق إلى الغرب .
ثم جاءت قناة السويس فى قمة المرحلة
الأخيرة فأعدت الأهمية إلى البحر المتوسط ومصر وطريق السويس بصفة مؤكدة , إلا أن
المحيط الأطلسى ظل هو البحر المتوسط الجديد على المستوى العالمى كما ظل غرب أوروبا
مركز ثقل القوة فى العالم بلا منازع .
وصل هذا النمط الاستراتيجى إلى أوجه فى
القرن 19 وعلى يد بريطانيا – عصر بريطانيا . وكان عصر بريطانيا هذا كمركب سياسى –
تكنولوجى وبصيغة اختزالية جدا هو عصر الفحم – السكة الحديدية – الباخرة – قناة
السويس – مصر – الاستعمار القديم وصراع الإمبراطوريات .
وفى هذا المركب أو النمط
لم يكن الخليج العربى – شأنه فى ذلك عدن وباب المندب – سوى نقطة مرحلة وموطئ قدم
على طريق السويس الشريانى خط حياة الإمبراطورية وعنق الهند .... الخ .
ويمكن
اعتبار فترة الحرب العالمية الثانية إلى منتصف القرن قمة هذا النمط الاستراتيجى
التقليدى – ونهايته أيضا .
فى هذه الفترة نفسها بدأ يبزغ نمط
استراتيجى عكسى جديد يستند إلى مركب سياسى – تكنولوجى جديد أكثر تعقيدا من نظيره
القديم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق