21‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 23

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 23




     وواقع الأمر خلال الستينات بعامة أن الإمبريالية الأمريكية كانت تزحف بالتدريج ولكن بالتأكيد على العالم الثالث ,
وكان هناك من يرى أنها بحروبها الاقليمية المحدودة هنا وهناك إنما كانت تمارس فى الحقيقة حربا عالمية (بالقطاعى) ,

بل كان هناك من يخشى أن تكون الحرب الثالثة قد بدأت دون أن نشعر , وأن الصراعات والغزوات الاستعمارية الجارية لم تكن إلا مدخلها , مثلما كانت الحرب الإسبانية مدخلا إلى الحرب الثانية .

       معنى أخر وأخير أن مد الستينات الاستعمارى كان يمكن أن ينطلق إلى مالا نهاية إلى أن يبتلع العالم الثالث كله دون أن يصطدم بما يوقفه عند حد .

 وبهذا كان العالم الثالث هو أول ضحايا العصر النووى

. وهذا يقينا أبعد شئ عن الفكرة المبسطة التى توهمت – هكذا على الاطلاق ودون تحفظ – أنه كسب من عصر الصراع الكتلى استقلاله وكيانه .

      الذى حدث فى الستينات أننا وصلنا فيما يرى البعض إلى صورة معكوسة كثيرا أو قليلا , ظاهريا أو مؤقتا .

 فبدلا من التناقض بين طرفى التعايش السلمى , بدا التناقض كما لو كان بين التعايش السلمى وعدم الانحياز , حتى ظن أن التعايش إنما كان يعيش على حساب عدم الانحياز أو أن التضحية بعدم الانحياز كانت الثمن الوحيد لبقاء التعايش السلمى .

 وبدلا من العكس , عوقب عدم الانحياز من جانب التعايش السلمى على دفعه له , و أصبح وسيط السلام هو جبهة الصدام وضحية العدوان .

وبدل أن يوجه نطاق الأحلاف العسكرية الغربية المضروب حول المعسكر الشرقى إلى هدفه المفروض , أصبح باستثناء وحيد فى جنوب شرق اسيا (فيتنام) يوجه إلى ضرب دول عدم الانحياز الشرق الأوسط  خاصة.


       قد يكون الوفاق نقيض التعايش فى معنى أو شبيهه فى معنى اخر , تصحيحا لمساره من وجهة نظر أو تحريفا من وجهة مضادة , ارتدادا عنه فى نواح أو امتدادا له فى أخرى , تصعيدا فى جوانب أو استمرارا فى غيرها ,إلا أنه–فى كل الأحوال– استمرار للصراع ولكن بطريقة أخرى . فلقد يكون الوفاق - بالتعريف – انتقالا من المواجهة الى المفاوضة , وبالتالى نقلة فى النغمة أو الطبقة أو النبرة الأساسية من أصابع البيانو السوداء الى البيضاء .

      كما ولد التعايش على مطرقة أزمة كوبا فى اوائل الستينات , ولد الوفاق على صخرة كارثة فيتنام فى اوائل السبعينات .



      والغريب اللافت بالصدمة أو بالمناسبة هو التناظر المثير فى الموقع الجغرافى والاستراتيجى والسياسى بين كوبا وفيتنام .

 فكلتاهما تكاد تقع تحت مدار السرطان حوالى الطرف الجنوبى الشرقى الاقصى من قارته قرب (بطن) الكتلة أو العملاق المرابط ولكن المضاد لا القائد , وبالتالى تبدو كجسم جزرى غريب دخيل ومعاكس وسط المحيط السياسى والأمنى السائد , أو كمندوب ووكيل تابع أو كشظية متطوحة أو متطايرة من الكتلة المعادية ضلت طريقها إلى أن غرست كشوكة فى جنب العملاق المضاد .

0 التعليقات: