إستراتيجية الاستعمار والتحرير 23
وواقع الأمر خلال الستينات بعامة أن
الإمبريالية الأمريكية كانت تزحف بالتدريج ولكن بالتأكيد على العالم الثالث ,
وكان
هناك من يرى أنها بحروبها الاقليمية المحدودة هنا وهناك إنما كانت تمارس فى
الحقيقة حربا عالمية (بالقطاعى) ,
بل كان هناك من يخشى أن تكون الحرب الثالثة قد
بدأت دون أن نشعر , وأن الصراعات والغزوات الاستعمارية الجارية لم تكن إلا مدخلها
, مثلما كانت الحرب الإسبانية مدخلا إلى الحرب الثانية .
معنى أخر وأخير أن مد الستينات الاستعمارى
كان يمكن أن ينطلق إلى مالا نهاية إلى أن يبتلع العالم الثالث كله دون أن يصطدم
بما يوقفه عند حد .
وبهذا كان العالم الثالث هو أول ضحايا العصر النووى
. وهذا
يقينا أبعد شئ عن الفكرة المبسطة التى توهمت – هكذا على الاطلاق ودون تحفظ – أنه
كسب من عصر الصراع الكتلى استقلاله وكيانه .
الذى حدث فى الستينات أننا وصلنا فيما يرى
البعض إلى صورة معكوسة كثيرا أو قليلا , ظاهريا أو مؤقتا .
فبدلا من التناقض بين
طرفى التعايش السلمى , بدا التناقض كما لو كان بين التعايش السلمى وعدم الانحياز ,
حتى ظن أن التعايش إنما كان يعيش على حساب عدم الانحياز أو أن التضحية بعدم
الانحياز كانت الثمن الوحيد لبقاء التعايش السلمى .
وبدلا من العكس , عوقب عدم
الانحياز من جانب التعايش السلمى على دفعه له , و أصبح وسيط السلام هو جبهة الصدام
وضحية العدوان .
وبدل أن يوجه نطاق الأحلاف العسكرية الغربية المضروب حول المعسكر
الشرقى إلى هدفه المفروض , أصبح باستثناء وحيد فى جنوب شرق اسيا (فيتنام) يوجه إلى
ضرب دول عدم الانحياز الشرق الأوسط خاصة.
قد يكون الوفاق نقيض التعايش فى معنى أو
شبيهه فى معنى اخر , تصحيحا لمساره من وجهة نظر أو تحريفا من وجهة مضادة , ارتدادا
عنه فى نواح أو امتدادا له فى أخرى , تصعيدا فى جوانب أو استمرارا فى غيرها ,إلا
أنه–فى كل الأحوال– استمرار للصراع ولكن بطريقة أخرى . فلقد يكون الوفاق -
بالتعريف – انتقالا من المواجهة الى المفاوضة , وبالتالى نقلة فى النغمة أو الطبقة
أو النبرة الأساسية من أصابع البيانو السوداء الى البيضاء .
كما ولد التعايش على مطرقة أزمة كوبا فى
اوائل الستينات , ولد الوفاق على صخرة كارثة فيتنام فى اوائل السبعينات .
والغريب اللافت بالصدمة أو بالمناسبة هو
التناظر المثير فى الموقع الجغرافى والاستراتيجى والسياسى بين كوبا وفيتنام .
فكلتاهما تكاد تقع تحت مدار السرطان حوالى الطرف الجنوبى الشرقى الاقصى من قارته
قرب (بطن) الكتلة أو العملاق المرابط ولكن المضاد لا القائد , وبالتالى تبدو كجسم
جزرى غريب دخيل ومعاكس وسط المحيط السياسى والأمنى السائد , أو كمندوب ووكيل تابع
أو كشظية متطوحة أو متطايرة من الكتلة المعادية ضلت طريقها إلى أن غرست كشوكة فى
جنب العملاق المضاد .
0 التعليقات:
إرسال تعليق