إستراتيجية الاستعمار والتحرير 37
الأنماط الجديدة
نمط الصراع
الاستراتيجى العالمى :
على أن البحر الأبيض المتوسط لم يفقد من
دوره للمحيط الهندى بسبب البترول أو الخليج وحده , وإنما هناك بالإضافة عامل
الاستراتيجية العالمية والسياسة الدولية بعامة .
فلشد ما تغيرت أنماط ومحاور
الصراع الاستراتيجى العالمى , مثلما توسعت للغاية أبعاده وأقطاره وأخطاره اليوم
بالقياس إلى الأمس .
فحتى الحرب العالمية الثانية وصراع الإمبراطوريات الاستعمارية
كان الصراع أساسا بين بريطانيا وألمانيا , وبذلك كان البحر الأبيض المتوسط مركزيا
ومحوريا فى النمط الاستراتيجى السائد , مثلما كان دور قناة السويس شريانيا
ومصيريا .
أما الان فإن الصراع بين الكتلتين والعملاقين الولايات المتحدة والاتحاد
السوفيتى قد نقل المسرح والخطر إلى الشرق أكثر , إلى الشرق من القناة والمتوسط بل
و أوروبا نفسها أكثر و أكثر .
لا بد أن نلاحظ أنه ما من مسرح قتال محتمل
على وجه الارض أبعد من الولايات المتحدة و أقرب إلى الاتحاد السوفيتى من الخليج .
البعض يتنبأ بأن المحيط الهادى – بكل قوى
الصين واليابان و الاتحاد السوفيتى و الولايات المتحدة حوله – سيصبح البحر المتوسط
العالمى الجديد فى القرن 21 .
مصر و السويس :
تلك جميعا هى مجموعة المتغيرات العالمية
التى أضافت إلى القيمة و الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربى وما شرقه على
حساب منطقة السويس والقناة .
ولكن على الجانب الأخير , فإن هناك بالإضافة مجموعة
أخرى من المتغيرات نالت بصورة مباشرة من قيمته ووزنه الحقيقى والنسبى مما ضاعف و
إلى حد الخطر الاختلال الاستراتيجى بين كفتى الميزان .
وكما رأينا فإن أهم هذه
العوامل ثلاثة هى الاستراتيجية النووية والخطر الإسرائيلى ثم الناقلات العملاقة
وطريق الرأس .
فكل منها قد هدد أو أخذ بقدر أو آخر من قيمة الموقع الجغرافى ودور
القناة الاحتكارى القديم .
ولئن كان من الممكن , وأمكن بالفعل , مواجهة هذه
الأخطار واستعادة قدر من أهمية القناة , فلا سبيل إلى الشك فى أن وزنها قد خف
فعليا ونسبيا فى الاستراتيجية والمواصلات العالمية سواء عما كان عليه فى الماضى
تقليديا أو عما ال إلى الخليج العربى مؤخرا .
وفى النتيجة الصافية ومجمل القول انتقل
مركز الثقل الجيوبوليتيكى والجاذبية الاستراتيجية والصراع السياسى من البحر
المتوسط إلى المحيط الهندى , ومن قناة السويس إلى الخليج العربى , ومن مصر والشام
إلى شرق الجزيرة العربية والمشرق العربى , ومن شمال البحر الأحمر إلى جنوبه ,
بالاختصار من وسط الشرق الأوسط إلى شرقه , أو إن شئت فقل بالتقريب من الشرق الأدنى
إلى الشرق الأوسط .
ولعل من أبرز مظاهر و أعراض هذا الاختلال أو الانتقال شرقا
تحول بثورة الحروب المحلية فى المنطقة مؤخرا ,لا سيما بعد ذلك الصلح المصرائيلى ,
من ركن مصر – إسرائيل – سوريا إلى ركن العراق – إيران – أفغانستان .
خذ مثلا حرب العراق – إيران . هذه الحرب
لا مفر دليل جزئى على تحرك مركز الثقل الاستراتيجى و الجيوبوليتيكى والاقليمى من
السويس إلى الخليج ومن مصر إلى المشرق .
أليست تضع الخليج الأن موضع قناة السويس
فى القرن الماضى أو الأخير , وتكاد تكرر إلى حد ما حرب السويس ؟
أوصدفة أنهم كانوا
يتحدثون بقلق عن خطر إغلاق مضيق هرمز مثلما كانوا يتحدثون فى الماضى عن خطر إغلاق
قناة السويس ؟
بل الطريف أو الغريب أنهم فى الغرب تحدثوا أثناء هذه الحرب عن
الفراغ الذى سببه خروج بريطانيا ثم تخلى أمريكا عن الخليج مما فجر الحرب المحلية ,
تماما مثلما تحدثوا عن الفراغ بعد خروج بريطانيا من مصر وقاعدة السويس .
الاكثر
إثارة أنهم تحدثوا عن قوة بحرية مشتركة من دول الغرب لضمان المرور فى هرمز وتدفق
البترول , تماما كهيئة المنتفعين بقناة السويس وشروطها ... الخ .
مصر استراتيجيا قد تحولت كقناتها إلى موقع
هامشى خادم على هامش الخليج الحيوى الحاكم المتحكم فى كل شئ , لا يغير من ذلك
إعلان مصر استعدادها لإرسال قواتها إلى الخليج للمساهمة فى حمايته .
- إيهاب- المؤلف رحمه الله كان بيقول هذا الكلام عام 1983 تخيل أنت
أسيا , بعد أن فشلت الولايات فى إخضاعها او
احتوائها بالقوة وخرجت من يابسها القارى .
هى أكثر من أى قارة او منطقة أخرى
المرشحة لتكون ميدان اللعبة الجديدة , وإليها بالفعل تتجه كل مؤشرات الصراع ,
وفيها نجد أولى إرهاصاته , بحيث قد تحل اسيا محل اوروبا كميدان المعركة غير
المباشر بين الأقطاب الخمسة المفترضين مثلما حلت محلها كميدان المعركة بين القطبين
الأعظم الراهنين .
0 التعليقات:
إرسال تعليق