16‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 15

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 15

    فى الشرق العربى قامت الدولة العربية الإسلامية فى العصور الوسطى لتضع مركز القوة العالمية فى قلب منطقة الارتطام على حساب كل من القوى البرية والبحرية , كما استطاعت أن تفسدد عليهما خططهما فى التحالف ضدها .

 ولكن كما أنها بفضل الوحدة قامت , فبفعل التفكك و الانفصال زالت وسقطت لقوى برية المصدر .

    ثم يأتى بعد هذا تاريخيا والى الشمال جغرافيا , المثل التركى حيث احتلت الإمبراطورية العثمانية رقعة ارتطامية بحة ابتداء من العالم العربى حتى البلقان , ومع ذلك استطاعت أن تكون إلى حين قطبا من أقطاب القوة فى عالم العصور الوسطى وطلائع العصور الحديثة .

 و أخيرا يتحرك القطب شمالا مع ظهور ألمانيا الموحدة التى رنت إلى السيطرة العالمية – لا أقل – وكادت تحققها فى حربين عالميتين .

 ولكن , وكما حدث فى حالة الدولة العربية الإسلامية , سقطت ألمانيا الارتطامية حين اجتمع عليها الهارتلاند والسواحل البحرية معا .

       فى الجيولوجيا و البيولوجيا . كما فى التاريخ , أن مسار التطور يظل عادة رتبيا تقليديا كالخط المستقيم أو كالمنحنى الانسيابى , ثم إذا به يتفجر فجأة فى ثوران بركانى قصير ولكنه عنيف يغير تضاريس الوجود ومعالم الزمان ويضع ملامح العصر وتوازناته ويحددها لأمد بعيد , ومعها يعود إيقاع الحياة رتيبا تقليديا مستقرا .

     إن ما بناه الاستعمار فى خمسة قرون هدمه التحرير فى عقدين اثنين . فبين 1945 , 1965 هوت رقعة الاستعمار من 35% من مساحة العالم الى 4% , أى أن معدل سرعة المد التحريرى يعادل عشرات أضعاف معدل الزحف الاستعمارى .

    غير أنه يقابل هذا التيار العام العالمى اتجاه محلى معاكس يمثل انتكاسة إلى الوراء .

 ففى الوقت الذى كان الاستعمار الكبير و الصغير ينحسر ويتصدع عالميا , كان استعمار جديد – ودنئ – قد بدأ فى فلسطين هو الاستعمار الصهيونى حيث كرر قرصنة القرن التاسع عشر , وجمع بين أسوأ و أسود ما فى دموية النازية وعنصرية جنوب أفريقيا .

 غير أنه إذا كان هذا الاتجاه التعس يدل على شئ فإنما يدل على أن الاستعمار الصهيونى القمئ يأتى ضد كل تيار التاريخ – حتى التاريخ الرجعى , حتى تاريخ الاستعمار نفسه – وأنه من ثم محكوم عليه قبلا وبحتمية التاريخ بأنه قد ولد ليموت .

       أول تحرير حقيقى بدأ فى أثناء الحرب فى لبنان 1941 وسوريا 1943 .


      وفى 1953 تحررت مصر نهائيا بعد حرب عصابات ومقاومات مسلحة فى منطقة القنال , سبقتها سلسلة من التوترات و التحديات الشعبية من قبل , إلى أن توجت فى النهاية بحرب حقيقية كاملة وحاسمة فى 1956 .

 وهذه الحرب ستكون نقطة تحول عظمى فى التحرير لا فى العالم العربى ولكن فى افريقيا وخارجها كذلك .

 والواقع منذ البداية أن مصر بحكم موقعها ووزنها كانت سباقة إلى النضال التحريرى وكانت دائما مركز الوعى ومنبع الوحى فى الكفاح ضد الاستعمار , فكانت نموذجا للمغرب العربى ومثالا للمشرق , وحجر الزاوية والقوة الركن موقعا ودورا .

 باختصار , كانت مصر واحة العرب سياسيا . فمنذ ثورة يوليو الأم , رصع العالم العربى بنسل دافق من الثورات التحريرية , تبدو كالاقمار حول الشمس أو كالنويات حول النواة , وكان لكل منها بدورها صداها العميق الفاعل , ابتداء من الجزائر وانتهاء باليمن .

0 التعليقات: