16‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتعمير 14

إستراتيجية الاستعمار والتعمير 14




     إذا كان ماكيندر قد صنف أقاليم الصراع الاستراتيجى على أساس الموقع , فقد نظر فى الحقيقة إلى مصايرها على أساس الموضع أى مدى قوة القاعدة الأرضية (بمواردها الطبيعية وقوتها البشرية ودرجتها الحضارية والتكنولوجية ..) .

فوجد أن المستقبل بعامة ليس للمواقع الممتازة ولكن للمواضع الأغنى .

     نجد أن حلفا كالأطلنطى ليس فى الحقيقة إلا جماع القوى البحرية فى غرب اوروبا بالاضافة إلى الولايات المتحدة .

وما الحديث الملتهب اليوم عن وحدة أوروبا اقتصاديا , أو سياسيا , أو اقتصاديا وسياسيا , إلا رد فعل مباشر لهذا التناقض المزمن بين وحدة قوة البر فى جانب وتفتت القوة البحرية فى جانب أخر .

    وعدا هذا , فإن الاستعمار إذا كان من اسباب قوة وتفوق الدول البحرية حينا فهو نقطة ضعف كامنة فيه فى النهاية .

 فمكاسب المستعمرات المغتصبة موقوته بالضرورة , ورهن ببقاء هذا الاستعمار .

 وإذا ما توقف تدفقها أو ضاعت فإن القوى البحرية ستجد الأرض وقد سحبت من تحت أقدامها وانكمشت قاعدتها الجغرافية والمادية الاقتصادية .

ويكون عليها ان تنكفئ على مواردها الذاتية المباشرة التى لا تقارن بموارد الهارتلاند .

 وهذا ما حدث الان بالفعل بعد ذوبان الاستعمار .

فلم تعد غرب أوروبا فى مجموعها بند للاتحاد السوفييتى , ولولا قوة الولايات المتحدة من ورائها لما صمدت فى الصراع الجديد .


المنطقة البينية :

    هذا فيما يختص بالهارتلاند والسواحل البحرية , الفيل والحوت , وتبقى أخيرا منطقة الارتطام أو التمساح . . . .

 هذه هى ما دعونا فيما مضى بالمنطقة البينية , وهى جغرافيا بينية بموقعها بين قوى البر شرقا والبحر غربا , وتمثل بطبيعتها وبيئتها منطقة انتقال بينهما تجمع بين الصفة البحرية والبرية بدرجات متفاوتة . 

وهى استراتيجيا منطقة ارتطام وجبهة تصادم بين تلك القوى القطبية ومن ثم أرض المعركة الحتمية بينهما , فلا يستطيع أى منهما أن يصل إلى الاخر ويضربه إلا بالمرور على هذا الجسر الامفيبى .

       ونحن نحدد هذه الوحدة الاستراتيجية بنطاق يشمل ألمانيا و شرق أوروبا والبلقان فيما عدا اليونان , ثم الشرق الأوسط بما فيه تركيا و إيران والمشرق العربى .

 كما نجد له امتدادات فى الشرق الأقصى بين السواحل والداخل .

     فى الواقع أن كل تاريخ الصراع بين البر والبحر هو محاولة التحكم فى هذه المنطقة بالذات , فهى تمسك زمام الموقف بين القوى القطبية ويمكن أن ترجع كفه على الأخرى , وبالتالى فإن مصيرها فى النهاية هو الذى يحدد مصير الصراع بين الهارتلاند  و السواحل.

      ولا شك أن هناك قطاعات معينة من هذا النطاق تمتاز بموقعها وبطبيعتها بقيمة استراتيجية حرجة , ولعل اهمها هو شرق أوروبا فى الشمال و الشرق الأوسط فى الجنوب .

وليس صدفة بالتأكيد أن معظم من حاولوا البحث عن أخطر المواقع الاستراتيجية فى العالم – أيا كانت صحة ارائهم – وضعوها فى هذا النطاق أولا , وفى هذه القطاعات منه بالذات ثانيا .

      المنطقة بعد هذا وفى مجموعها أقل مساحة وسكانا وقوة , واكثر تمزقا وتفتتا سياسيا , من أى من القوى القطبية .

 وهى من ثم فى موقف هجومى أو دفاعى ضعيف , محصورة بين فكى كماشة أو بين شقى رحى  .

وقد يبدو من هذا الأول وهلة أن التبعية والعجز قدرها الجغرافى والتاريخى , وأنها ضحية موقعها المتوسط , وأن دورها الاستراتيجى لا يمكن أن يزيد عن دور الدول الحاجزة التصادمية التقليدى .


     لكن الحقيقة أن نفس هذه الخصائص وذلك الموقع يمكن أن تكون عامل قوة لهذه المنطقة إذا ما جمعت قواها فى تكتلات أو قطاعات اقليمية كبيرة .

0 التعليقات: