إستراتيجية الاستعمار والتحرير 3
هناك إذن سهم حركى
واضح يبدأ من الجنوب الشرقى الى الشمال الغربى ,
ومن عروض دون مدارية الى عروض
معتدلة باردة .
هذا ما يعرف فى مجموعه بنظرية هجرة الحضارة نحو الشمال , بعيدا عن
خط الاستواء , وتجاه القطب .
والمسلم به علميا وتاريخيا أن هذه الحركة ارتبطت
تماما بالاحتكاك والاقتباس الحضارى .
بمعني ان كل مركز لاحق استمد حضارته أصلا من
مركز سابق ثم نماها إلى مستويات أعلى ربما والكشوف الجغرافية فى الحقيقة لا تخرج
كثيرا عن هذه القاعدة .
غير أن كثير من الكتاب الغربيين يحلو لهم ان
يردوها الى حيوية وتطلع غير عادى فى شعوب غرب اوروبا , والى حب استطلاع ومغامرة
وتفوق طبيعى فى الجنس .
هم بمعنى آخر أثييرون تفسيرا عنصريا .
إلا أن الحقيقة ان
أوروبا الغربية خرجت الى الكشوف بسبب عدة ضوابط و ضواغط أهمها ما جاء من الخارج و
أقلها ما صدر عن الداخل .
وبتحليل هذه العوامل لن نعدم ان نرى أثر مراكز الحضارة
والقوة الأسبق من عرب واستبس وغيره , ويمكن أن تحدد تلك العوامل فى ثلاثة : حضارى
و سياسى وجغرافى .
لم يكن من الممكن لأوروبا الوسيطة ان تخرج
الى استعمار الكشوف بهذا الهيكل السياسى البدائى القزمى , بل هى لم تخرج إلا بعد
أن بدأت فيها جراثيم القومية الأولى والشعور و الوعى بالذات الوطنية واتجهت نحو لم
جزئياتها السياسية فى وحدات وطنية اكبر فى طريقها الى الدولة الوطنية الحديثة .
إن الذى خلق الشعور القومى مبكرا فى أوروبا
هى الضغوط الثلاثة التى أحدقت بها من جهاتها الثلاثة : خطر الفيكينج من الشمال ,
والاستبس من الشرق , والسراسنة (العرب) من الجنوب .
لن ننسى أن هذه البيئة البحرية الفريدة كانت
من عوامل سرعة تبلور القومية فى غرب أوروبا .
فبفضل تداخل المحيط فى اليابس
وتقطيعه له بالبحار الداخلية والخلجان الكبيرة , انقسم اليابس إلى وحدات جغرافية
طبيعية معقولة الأحجام , متميزة الحدود واضحة الشخصيات مما سهل تبلورها القومى
ونشأة الدولة الوطنية الحديثة فى كل منها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق