إستراتيجية الاستعمار والتحرير 31

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 31

الدورة والدور الأمريكى :

        مفتاح الدينامية أو العدوانية الأمريكية هذه يكمن فى مرحلة تطورها الجيوبوليتكى , أى فى موقعها على منحنى تطور الدولة عبر التاريخ ككائن عضوى أو شبه عضوى .

      وبالنسبة للولايات , يمكن أن نميز من مراحل التطور الأربع الأساسية ثلاث مراحل حتى الأن هى : مرحلة الطفولة حتى أواخر القرن 19 , ثم مرحلة الشباب حتى حرب فيتنام , ثم أخيرا مرحلة النضج منذ الوفاق فى السبعينات الأخيرة فقط .

 وواضح أن المرحلة الأولى هى كأمر طبيعى أطولها , إلا أن أهميتها تاريخية نوعا . أما الثانية فهى أخطرها خارج كل الحدود , لأنها التى تفسر كل عناصر الاَضطراب والخطر والتوتر فى عالمنا المعاصر حتى قريب جدا , ولهذا فأنها ستشغل الحيز الأكبر من دراستنا التفصيلية التالية .

 أما المرحلة الثالثة والأخيرة فطور طارئ حديث للغاية , ولكنه مفتاح المستقبل جميعا .

دور النشأة والطفولة :      

                    

       الذى يحلل تاريخ الولايات المتحدة سيجد القرن التاسع عشر فى أغلبه يمثل طفولتها كدولة , فقد كانت تبدى كل ملامح و أعراض دور المنشأة حيث ظلت منهمكة – بعد حروب الاستقلال – فى صراعاتها الداخلية البحتة وحروبها الأهلية وعمليات الضم الاقليمية أو تعميق الاتحاد محليا , باختصار كانت مستغرقة تماما فى عملية ترتيب البيت من الداخل .

       الخلاصة من هذا كله أن الولايات فى عزلة مرحلة نشأتها لم تكن تمارس الصوفية أو المثالية السياسية , وإنما كانت منغمسة منذ وقت مبكر فى تجربة جديدة فى فن الاستعمار اتخذت من أمريكا اللاتينية حقلا لها ومشتلا ومعملا .

دور الشباب :

       ومنذ أواخر القرن التاسع عشر كانت الولايات قد عبرت مرحلة الانتقال من دور النشأة إلى دور الشباب واقتحمت دور الشباب والفتوة الذى تكون الدولة قد استكملت فيه بناء كيانها الداخلى وقوتها الذاتية ماديا , وأمنت حدودها نهائيا , وبدأت طاقتها تفيض عبر حدودها فتتطلع إلى الخارج فى حذر أولا ثم فى اندفاعة منقضة لا تلوى على شئ فى النهاية .

 إنه دور التوسع , أى الاستعمار بالضرورة , الدور الذى تمثل فيه الدولة مشكلة خطيرة للسلام العالمى وتحديدا للقوى الأقدم والأحدث على السواء .

       وإذا كانت الحرب الثانية قد قامت أصلا كصراع استعمارى بين دولة فتية فى دور الشباب (ألمانيا) تبغى التوسع على حساب دولة أقدم فى دور النضج (بريطانيا) لم تعد تنشد إلا الاستقرار وكل همها المحافظة على الوضع الراهن بما لها فيه من مكاسب استعمارية عظمى حققتها من قبل فى دور شبابها , فإن الجائزة الكبرى قد سقطت فى النهاية فى يد الولايات المتحدة . فلقد خرجت بريطانيا , وأكثر منها فرنسا , مضعضعتين من الصراع , مما مكن لثورة التحرير أن تنطلق فى المستعمرات , وللولايات المتحدة أن تشارك فى مطاردتها منها حتى تستطيع أن تحل محلها , إلى أن انتهت فترة ما بعد الحرب بانتقال بريطانيا وفرنسا كدول من دور النضج إلى دور الشيخوخة والانكماش .

        أصبحت الولايات لعنة العالم الثالث بالتحديد كما رأينا ونرى أحيانا .

        هى اليوم أكبر قلعة للاحتكارات والاستثمارات العالمية والشركات متعددة الجنسية . وهى كذلك ولذلك أول دولة تتبنى الديموقراطية وتمارسها شكلا وتعلن نفسها حامية (العالم الحر) والمدافعة عنه , ولكنها مع ذلك التى أخذت تنمى لنفسها ملامح فاشية بقدر أو أخر .

       تصريحات احد الساسة الأمريكيين الرئيس الأسبق أيزنهاور عن التلاحم الوثيق بين رجال الصناعة والعسكرية وتحذيره من حصول هذا المركب الصناعى – العسكرى على نفوذ لا مبرر له .

ومن أخرها ما أعلنه مرشح للرياسة الأمريكية من أن الولايات ( لم تعد قلعة للديموقراطية , وإنما أصبحت معقلا للديكتاتوريات) . وأن ما حدث فى أمريكا الان . . . يشبه إلى حد كبير ألمانيا الهتلرية عام 1939.