إستراتيجية الاستعمار والتحرير 41
متغيرات
التكتل و الأيديولوجية :
لعل أبرز و أخطر ما تشى به المتغيرات
السياسية المعاصرة ظاهرتان رئيسيتان هما أصلا وثيقتا الارتباط عضويا ولا انفصال
لهما عمليا , وفيهما على السواء يبدو واضحا دور الرعب النووى وعنصر الدولة – القوة
البحت الكامن و تأكيد عودة عامل القومية و القيم البراجماتية , والضرورات الواقعية
.... الخ . هاتان فى إيجاز هما تخلخل الكتل وتلطف الأيديولوجية .
أما تلطف الأيديولوجية , وهذا أيضا تعبير
يجمع بين التخفف من التطرف والميل نحو الاعتدال وبين الاعتدال وبين التراجع
والانحسار , أو بين الشحوب والتميع وبين المرونة والتلاؤم .
تغيرات
هيكلية :
هناك من يرى , كالأخذ بلون من التخطيط
والتدخل فى الغرب الرأسمالى و إعادة الاعتبار لعوامل الربح والحافز المادى فى
الشرق الشيوعى ,
مؤشرات أولية نحو تغييرات هيكلية فى النظم و الأيديولوجيات
المتناقضة ذاتها .
وبصيغة أخرى , فإن الرأسمالية الذكية تطعم نفسها بوعى أو عن غير
وعى بعناصر أو جرعات اشتراكية ما ,
والشيوعية الواقعية هى الأخرى تخفف نوعا عن عمد
أو غير عمد من درجة تركيز محلولها الأيديولوجى أو من درجة حموضة المذهبية . وبصيغة
أخيرة , فإن الشرق بات يكتب أيديولوجيا من اليسار إلى اليمين , والغرب من اليمين
إلى اليسار , وعند نقطة الوسط أو قرب نقطة ما فى الوسط سيلتقيان .
خوارج الأمس عادوا رفقاء اليوم وربما رفاق
الغد من جديد . إنها دورة , دورة تطورية أيديولوجية سياسية كاملة أو تكاد , يخضع
لها ويقع على منحناها فى مواقع متعاقبة كل الرفاق .
مفارقة مذهلة ومتناقضة فذة بقدر ما تبدو
ساخرة .
لكنها فى الواقع إنما تضع أيدينا على القانون الكامن خلف كل هذه التناقضات
, والميكانيزم الحاكم لهذه التطورات أو التحورات .
إذ يبدو أنها قاعدة أصولية عامة
أن التطرف والتصلب العقائدى الذى يصل إلى حد الجمود الفكرى يتناسب طرديا مع درجة
التخلف والفقر المادى والرجعية الأصلية , وعكسيا مع درجة التطور و التقدم نحو
الرخاء المادى والتفتح الحضارى العام .
الحل الوسط
التاريخى ؟
من أرض مشتركة يندغم فيها الجميع فى نظام
ايديولوجى واحد تقريبا هو وسط بين الشيوعية الفاقعة والرأسمالية الكالحة , لعله أن
يكون الاشتراكية المعتدلة أو المعادلة أو العادلة أو العادية ؟
ولو تحقق هذا أو شئ منه عاجلا أو اجلا ,
فإن اوروبا , و أوروبا الغربية خاصة , المرشحة حاليا لأن تكون ميدان المعركة و أرض
الصدام فى أى حرب عالمية قادمة , قد تصبح على العكس أرض التقارب وميدان الانصهار
والتصاهر بين الفرقاء والأضداد .
ومثل هذا لن يكون بالأمر الغريب تماما , حيث كانت
أوروبا الحديثة هى مهد كل التجديدات والمذاهب السياسية و الاجتماعية الجديدة
ومواطن كل التخمرات والتفجرات والتجارب المذهبية سواء السلمية أو العنيفة , سواء
المعتدلة أو المتطرفة .
تتلخص قصة الصراع بين العملاقين والمعسكرين
فى التحليل الأخير فى أنها بدأت صراعا أيديولوجيا أى بين الاشتراكية والرأسمالية ,
فتحولت فى ظل وتحت ضغط العصر النووى إلى صراع بين الأيديولوجيا و التكنولوجيا أى
على الترتيب بين المذاهب السياسية و الأسلحة النووية ,
فانتهت اخيرا بتغلب الاخيرة
على الاولى خشية الانتحار النووى المتبادل ؟
وهذا إن دل على شئ فإنما يدل علىلا أن
التكنولوجيا (النووية) قد اثبتت أنها أقوى عمليا من الأيديولوجيا (المذهبية)
فأرغمتها أو هى سترغمها على التقارب و الاتجاه نحو الحل الوسط التاريخى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق