14‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 6

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 6

قرن هولندا :

    فبدأت هولندا تنقض على المستعمرات البرتغالية (الإسبانية فى وقت ما) .

 وقبل أن يمضى نصف قرن على الاستقلال كانت هولندا فى كل بحار العالم , وبعدها بقليل وصلت إلى أوج قوتها و انتزعت السيادة من البرتغال فى جزر الهند الشرقية التى ظلت – باستثناء تيمور – هولندية بعد ذلك باستمرار .

وهى بذلك قد ورثت إمبراطورية البرتغال كما ورثت موقعا الجغرافى ودورها التجارى .

 وفى الطريق الى الهند أقاموا مستعمرات ساحلية فى ساحل غانه , وكانوا أول من نزل فى الكاب بموقعه الحيوى بعد أن أخطأها البرتغاليون بصورة محيرة وغير مفهومة .

      لم يكن لتوهج هولندا ولمعانها كقوة بحرية أن يبقى طويلا .

 فهى مثلها تعانى اساسا من قاعدة أرضية محدودة الرقعة , فقيرة فى تربتها وإنتاجها الزراعى , لا تعرف الكفاية الذاتية حتى فى الغذاء , فاقدة حتى للموارد الغالبية والمعدنية اللازمة لبناء السفن . 

والواقع أنه كان على هولندا أن تستورد كل مقومات حياتها اليومية والغذائية والبحرية شأنها فى ذلك شأن بريطانيا فيما بعد , حتى لقد قيل إن كل رأسمالها لم يكن سوى موقعها الجغرافى وكل خامها لم يكن إلا النقل . 

ومن ثم كان مقتلها يكمن – كالبرتغال – فى حرمانها من تجارتها ....

     ثم هى كانت كالبرتغال أيضا تعانى من قوة بشرية محدودة الحجم , ولها مثلها حدود برية مشتركة مع قوة ضخمة – فرنسا – على يديها سيكون تحطيم قوتها كما خبرت البرتغال على يد إسبانيا .

 وتماما كما اغتنمت هولندا الفرصة لترث البرتغال , فستغتنم قوة بحرية أخرى – بريطانيا – الفرصة لترث هولندا ّ بل كانت هولندا فى وضع أسوأ من البرتغال , لأنها وقعت بين شقى رحى فرنسا على القارة وبريطانيا فى البحر .


دور الانحدار :

     ففى القرن السابع عشر بدأت كل من فرنسا وإنجلترا تتطلع وتخرج إلى البحر وتنافس هولندا على التجارة العاملية والقوة البحرية , ولكن خطر فرنسا كان الأسبق .

     لا يبدأ القرن الثامن عشر إلا وكانت هولندا قد فقدت معظم تجارتها وخسرت كل قوتها البحرية وخرجت تماما من دائرة صراع القوة , ومن الغريب ان هولندا بعد ذلك مالت – تماما كالبرتغال – إلى أن تصبح حليفا تقليديا بل وعالة على الحماية البريطانية سواء فى القارة أو فى البحر أو فى المستعمرات . 

وباختصار فقد ورثت بريطانيا بالذات دور هولندا مثلما ورثت فرنسا دور إسبانيا .

الاستعمار الفرنسى :

     لا شك ان فرنسا خلال العصور الحديثة وحتى الانقلاب الصناعى كانت أوسع وأرسخ وأقوى قاعدة أرضية فى غرب اوروبا : فهى تكاد تمثل اقصى رقعة للدولة الوطنية الموحدة قبل عصر السكك الحديدية وهى ضعف بريطانيا مساحة , وكانت الى ما قبل الانقلاب ضعفها سكانا .

 ثم هى أغنى القوى بالموارد الطبيعية و أقربها الى التوازن الحرفى والاكتفاء الذاتى .

 وقد كان من الممكن لها ان تبنى اعظم قوة بحر فى ذلك الوقت , بل بنتها بالفعل فى بعض مراحل القرنين السابع والثامن عشر , وكان من الممكن لها أن تكون إمبراطورية استعمارية كبرى , ونجحت فى ذلك فعلا .

     إلا أن توزيع اهتمامها بين البحر والقارة , وحروبها المتصلة فى القارة .
كان يمتص مواردها وطاقتها بإزمان , ويسلب أكثر مشاريعها البحرية كثيرا عن امكانياتها , وفضلا عن هذا فإن فرنسا , بغناها الزراعى الداخلى واقترابها التقليدى من الكفاية الذاتية , لم تكن تشعر بقوة طرد طبيعى على اليابس أو قوة جذب على البحر .

كذلك فإنها – كإسبانيا – دولة بحرين مما يعوق وحدة اسطولها البحرى , وفى هذا كله تكرر فرنسا دور إسبانيا وتوسعاتها الى حد بعيد وإن يكن على نطاق أكبر , والحقيقة أنها ورثت إسبانيا استراتيجيا مثلما ورثت هولندا البرتغال , وكما كان على إسبانيا إن تواجه البرتغال كان على فرنسا أن تتصدى لقوة هولندا الطافرة .


0 التعليقات: