إستراتيجية الاستعمار والتحرير 6
قرن هولندا :
فبدأت هولندا تنقض على المستعمرات البرتغالية
(الإسبانية فى وقت ما) .
وقبل أن يمضى نصف قرن على الاستقلال كانت هولندا فى كل
بحار العالم , وبعدها بقليل وصلت إلى أوج قوتها و انتزعت السيادة من البرتغال فى
جزر الهند الشرقية التى ظلت – باستثناء تيمور – هولندية بعد ذلك باستمرار .
وهى
بذلك قد ورثت إمبراطورية البرتغال كما ورثت موقعا الجغرافى ودورها التجارى .
وفى
الطريق الى الهند أقاموا مستعمرات ساحلية فى ساحل غانه , وكانوا أول من نزل فى
الكاب بموقعه الحيوى بعد أن أخطأها البرتغاليون بصورة محيرة وغير مفهومة .
لم يكن لتوهج هولندا ولمعانها كقوة بحرية
أن يبقى طويلا .
فهى مثلها تعانى اساسا من قاعدة أرضية محدودة الرقعة , فقيرة فى
تربتها وإنتاجها الزراعى , لا تعرف الكفاية الذاتية حتى فى الغذاء , فاقدة حتى
للموارد الغالبية والمعدنية اللازمة لبناء السفن .
والواقع أنه كان على هولندا أن
تستورد كل مقومات حياتها اليومية والغذائية والبحرية شأنها فى ذلك شأن بريطانيا
فيما بعد , حتى لقد قيل إن كل رأسمالها لم يكن سوى موقعها الجغرافى وكل خامها لم
يكن إلا النقل .
ومن ثم كان مقتلها يكمن – كالبرتغال – فى حرمانها من تجارتها ....
ثم هى كانت كالبرتغال أيضا تعانى من قوة
بشرية محدودة الحجم , ولها مثلها حدود برية مشتركة مع قوة ضخمة – فرنسا – على
يديها سيكون تحطيم قوتها كما خبرت البرتغال على يد إسبانيا .
وتماما كما اغتنمت
هولندا الفرصة لترث البرتغال , فستغتنم قوة بحرية أخرى – بريطانيا – الفرصة لترث
هولندا ّ بل كانت هولندا فى وضع أسوأ من البرتغال , لأنها وقعت بين شقى رحى فرنسا
على القارة وبريطانيا فى البحر .
دور الانحدار :
ففى القرن السابع عشر بدأت كل من فرنسا
وإنجلترا تتطلع وتخرج إلى البحر وتنافس هولندا على التجارة العاملية والقوة
البحرية , ولكن خطر فرنسا كان الأسبق .
لا يبدأ القرن الثامن عشر إلا وكانت هولندا
قد فقدت معظم تجارتها وخسرت كل قوتها البحرية وخرجت تماما من دائرة صراع القوة ,
ومن الغريب ان هولندا بعد ذلك مالت – تماما كالبرتغال – إلى أن تصبح حليفا تقليديا
بل وعالة على الحماية البريطانية سواء فى القارة أو فى البحر أو فى المستعمرات .
وباختصار فقد ورثت بريطانيا بالذات دور هولندا مثلما ورثت فرنسا دور إسبانيا .
الاستعمار الفرنسى :
لا شك ان فرنسا خلال العصور الحديثة وحتى
الانقلاب الصناعى كانت أوسع وأرسخ وأقوى قاعدة أرضية فى غرب اوروبا : فهى تكاد
تمثل اقصى رقعة للدولة الوطنية الموحدة قبل عصر السكك الحديدية وهى ضعف بريطانيا
مساحة , وكانت الى ما قبل الانقلاب ضعفها سكانا .
ثم هى أغنى القوى بالموارد
الطبيعية و أقربها الى التوازن الحرفى والاكتفاء الذاتى .
وقد كان من الممكن لها
ان تبنى اعظم قوة بحر فى ذلك الوقت , بل بنتها بالفعل فى بعض مراحل القرنين السابع
والثامن عشر , وكان من الممكن لها أن تكون إمبراطورية استعمارية كبرى , ونجحت فى
ذلك فعلا .
إلا أن توزيع اهتمامها بين البحر والقارة ,
وحروبها المتصلة فى القارة .
كان يمتص مواردها وطاقتها بإزمان , ويسلب أكثر
مشاريعها البحرية كثيرا عن امكانياتها , وفضلا عن هذا فإن فرنسا , بغناها الزراعى
الداخلى واقترابها التقليدى من الكفاية الذاتية , لم تكن تشعر بقوة طرد طبيعى على
اليابس أو قوة جذب على البحر .
كذلك فإنها – كإسبانيا – دولة بحرين مما يعوق وحدة
اسطولها البحرى , وفى هذا كله تكرر فرنسا دور إسبانيا وتوسعاتها الى حد بعيد وإن
يكن على نطاق أكبر , والحقيقة أنها ورثت إسبانيا استراتيجيا مثلما ورثت هولندا
البرتغال , وكما كان على إسبانيا إن تواجه البرتغال كان على فرنسا أن تتصدى لقوة
هولندا الطافرة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق