28‏/12‏/2014

إمبراطورية الثروة 15

إمبراطورية الثروة 15


      كانت المصانع التى بدأت بالانتشار حول ضفاف انهار نيوانغلاند انذاك ملاذا لهن من وحشة حياة المزرعة وعزلتها فى نيواغلاند , التى سترسمها ايديث وارتون ببراعة فى روايتها ايثان فروم .

      شغلت المصانع اولئك الشابات العازبات باعداد متزايدة , فوفرت لهن المأوى فى مهاجع أشرفت عليها رئيسات حازمات .

      التجارة مصدر لمعظم ثروات الامريكيين .

      ان اندلاع حروب الثورة الفرنسية فى اوروبا فى عام 1793 كان مصدرا لرواج التجارة الخارجية الامريكية . لكن تفاقم الحرب الاوروبية جعل كل طرف يسعى الى تقويض تجارة الطرف الاخر بفرض قيود تصاعدية على حركة الشحن نحو الاطراف المحايدة ومصادرة كثير من السفن التى عدت خلرجة على تلك القيود , وقد استولى البريطانيون , بين العامين 1803 و 1807 على 528 سفينة امريكية وصادرت فرنسا 389 سفينة امريكية ايضا , وعملت البحرية الملكية – التى كان يعوزها البحارة المهرة – على اعتراض السفن الامريكية ومصادرة البحارة الذين يجاهرون بأنهم من رعايا بريطانيا .

     واملا فى اجبار فرنسا وبريطانيا على احترام حقوق الاطراف المحايدة , فرض الرئيس جيفرسون على الكونغرس قانون الحظر الذى وقعه فى 22 ديسمبر 1807 , وكان هذا القانون واحدا من أبرز قوانين إدارة الدولة فى التاريخ الأمريكى . 
وبالفعل كان هذا القانون لا سابق له فى تاريخ الدول .

 لقد حظر هذا القانون على السفن الامريكية مزاولة التجارة الخارجية , وسهرت البحرية الامريكية على تطبيقه .

 ولفرض ضغوط على بريطانيا وفرنسا طبقت الولايات المتحدة القانون على نفسها وحظرت الشحن الداخلى.

      لقد جلب قانون الحظر الدمار الى نيوإنغلاند التى كانت لا تزال انذاك تعتمد اساسا على التجارة البحرية .

وهبط حجم الصادرات القانونية من 48 مليون دولار فى العام 1807 الى 9 ملايين فى العام 1808 , واستشرت فى المقابل اعمال التهريب على امتداد الحدود مع كندا , واصبحت بحيرة شامبلين مسرحا لهذه الاعمال , التى كانت تجرى عبر الحدود , ما حدا الرئيس جيفرسن على اعلان ان المنطقة فى حالة عصيان .

        كانت ردة الفعل على قانون الحظر فى كل المدن الساحلية شديدة بحيث لم يدم تطبيق القانون الا اربعة عشر شهرا . لكن قانون حظر التعامل , الذى استبدل به , حرم التجارة مع بريطانيا وفرنسا – وهما اكبر شركائنا التجاريين – وهكذا انتهت التجارة الامريكية الى مهاوى الكساد .

      عندما ادى قانون الحظر والحظر التجارى البريطانى دور التعريفات الجمركية الحمائية نفسها . و حينذاك , ومع انبعاث المنافسة البريطانية (وفى الحقيقة الإغراق الذى مارسته بريطانيا بالملابس القطنية الرخيصة فى الأسواق الأمريكية) لجأ مصنعو النسيج – وعلى رأسهم كابوت لويل – إلى واشنطون طلبا للعون .

    كان طلبهم يتمثل فى تفعيل تطبيق التعرفة الجمركية الحمائية .

 وكان ذلك الحلقة الأولى مما ستحول إلى سلسلة لا تنتهى حتى يومنا الحالى , حيث سعى المصنعون الأمريكيون إلى تأمين الحماية من المنافسة الخارجية التى أستطاع فيها المنافسون – بفضل ميزتهم التنافسية النسبية – البيع فى السوق الأمريكية بأسعار تقل عن أسعار المصنعين المحليين وتحقيق أرباح على الرغم من الاسعار المتدنية.

   إن للتعرفة الحمائية قبولا ظاهريا يجعلها تروق فى أعين السياسيين : فالتعريفة الحمائية توفر العمل وتحفظ الربح فى الأجل القصير , وهذا ما يهتم به معظم السياسيين الذين يسعون إلى إعادة إنتخابهم فى المستقبل القريب . وقد أوصى ألكساندر هاملتون نفسه بتطبيق إحدى التعريفات الجمركية فى تقريره عن الصناعة , لكن الحجج المقدمة فى دحضها التى فصلها كتاب ثروة الأمم كانت مقنعة بلغة الأقتصاد .
    والأهم من ذلك هو التعريفة الجمركية لا تقع على عاتق المصنعين الأجانب , إذ تنتقل إلى المستهلك المحلى الذى يتحمل تكلفة المنتج .

 ولا يتكبد المستهلكون أسعارا أعلى على السلعة الأجنبية , بل إنهم يتكبدون أسعارا أعلى على السلع المحلية , لأن المتجين المحليين ينتهزون كل فرصة تلوح أمامهم لزيادة أسعارهم .

 وتعمل التعرفة الحمائية – وإن بصورة جزئية – على حماية المنتجين المحليين من المنافسين , ومعلوم أن المنافسة هى محرك الابتكار ومصدر للحد من التكلفة فى أى اقتصاد رأسمالى .

     لقد لقيت فكرة التعرفة الجمركية الحمائيه معارضة فى الجنوب واصطدمت بمصالح صناعة الشحن فى نيوإنغلاند . لكن لويل – وغيره من مصنعى النسيج – نجحوا فى حمل الكونغرس على فرض رسوم جمركية بمعدل 25 سنتا للياردة على الملابس القطنية , كانت تلك أول تعريفة جمركية حمائية فى التاريخ الأمريكى (وقد فرضت فى العام 1816) .

      الولايات المتحدة هى بلد تعادل مساحته أربعة أضعاف مساحة فرنسا وعشرة أضعاف مساحة إنجلترا – إلا القليل من الطرقات التى تستحق الذكر .

وكانت بلدا لا يعرف الاستقرار , لا بل أبعد أمم الأرض عن الاستقرار .

     على خلاف الطرقات سابقة العهد فى أمريكا – والتى رصف معظمها بأقدام من وطئها – فقد أقيمت الطريق الرئيسية بين فلادلفيا ولانكستر وفق مواصفات دقيقة وبعرض قياسى وطبقات من الحجارة والحصى المجروشة لتوفير سطح مستو للطرق .

 حيث ساعد السطح المحدودب أو المفلطح على تصريف المياه بسرعة عن الطريق .

      ولاحظت الحكومات المحلية أنه حيثما أقيمت طريق رئيسة كانت التنمية الأقتصادية تحل سريعا بانتشار الحانات والفنادق و إسطبلات الخيل لتلبية حاجات المسافرين .


0 التعليقات: