15‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 9

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 9

ميكانيزم الصراع :

      يرتبط صراع القوى السياسية ارتباطا وثيقا جدا بالصراع الاستعمارى .

 فمن أجل الصراعات الداخلية بين القوى الأوروبية فى القارة خرجت للحصول على المستعمرات لتعود أقوى و أقدر على تلك الصراعات , ومن أجل الحصول على المستعمرات كانت القوى الأوروبية تتصارع فيما بينها على القارة . 
ومن ثم كان النشاط الاستعمارى ظاهرة معدية .

      والمهم أنه فى هذه الحركة تأخد ميكانيكية الصراع بين القوى البحرية – الذى هو صراع أشباه أساسا من أجل التصفية النهائية للقوة العالمية – تأخذ نمطا محددا ومتواترا بصورة مثيرة .

 فهى تبدأ بدولة رائدة صغيرة بحرية جدا بحكم الموقع والطبيعة , تلحقها دولة متاخمة أكبر حجما و أقل بحرية , لا تلبث بحكم جرمها أن تحطم قوتها .

 ولكنها تعجز عن أن ترث دورها , و إنما تلتقطه ببراعة دولة أخرى صغيرة بحرية جدا إلى الشمال . 

هكذا ظهرت البرتغال أولا وتلتها إسبانيا لتحطمها بعد قليل , فترثها هولندا , ثم تلى هولندا على المسرح فرنسا لتحطم هولندا وشيكا , فترثها بريطانيا .

وسنرى فيما بعد الى اى حد ستستمر أو تنتهى هذه الميكانيكية الفذة فى بقية مراحل الاستعمار الحديث .


الموقع و الموضع :

      فى هذا الصراع لم يكن البقاء لمن يملك القوة البحرية وحدها , بل والقوة البرية إلى جانبها .

فقد كانت القاعدة الأرضية القومية العريضة هى الضمان الأخير لبقاء تلك القوة البحرية .
 فإذا كانت الدول المحرومة من القوة البحرية لم تخرج إطلاقا إلى الاستعمار مهما ملكت من قوة برية , فإن الدول التى تملك القوة البحرية دون قاعدة برية متكافئة تسندها وتدعمها , قد تخرج إلى عالم الاستعمار قليلا أو كثيرا ولكنها لا تلبث أن تنقرض فى النهاية .

أما النجاح الأكبر فللدول البحرية القوية ذات القاعدة البرية الضخمة .

 وبمعنى أخر , فإن الموقع البحرى الامثل وحده لا يكفى وإن أعطى أحيانا ميزة السبق , وفى المدى الطويل يلعب الموضع دورا تحديديا أخطر و اكثر بقاء .

الاستعمار الديموغرافى :

      تعويضا لعجزه عن التوغل الداخلى وعن (الاستعمار الجغرافى) , أخذ الاستعمار فى أفريقيا بالذات نمطا خاصا جدا فى هذه المرحلة هو الاستعمار الديموغرافى – أعنى تجارة الرقيق . وذلك إذن كان عصر النخاسة الذى لم يعرف العالم له مثيلا من قبل ولا من بعد .

وتلك كانت بالتالى أسود نقطة و أبشع وصمة فى تاريخ الاستعمار العالمى .

 فقد كان الرقيق أغلى سلعة فى التجارة الاستعمارية , وبخار الة المركانتلية إن لم يكن وقودها الأسود , وعليه بنت القوى البحرية اقتصادها ورخاءها .

 وكان للبرتغال اولا ثم الانجليز بعدهم الدور الاكبر فى هذه التجارة الاثمة , ولو أن الهولنديين والفرنسيين شاركوا بقدر .

   ولهذا فإذا كان الهولنديين يقولون إن امستردام قد بنيت على عظام الرنجة , فمن الصحيح كل الصحة أن نقول إن لشبونة وليفربول قد بنيتا على عظام الرقيق الأسود ودماه . وقد شهد المحيط الأطلسى مثلثا دمويا يدور مع عقارب الساعة – التجارة المثلثة كما تسمى – تبدأ فيه السفن بنقل بضائع ومصنوعات بريطانيا الى غرب افريقيا حيث تستبدل بها شحنات ادمية , ثم تنطلق عبر المحيط لتفرغها فى أمريكا الشمالية والوسطى و الجنوبية , ومنها تعود محملة بحاصيل المداريات من سكر وروم وقطن وتبغ ... إلخ .

يلخص لنا كارل ماركس فيقول :


      إن المستنقع الدموى للاستعباد المغولى هو مهد روسيا القديمة .
 وليست روسيا الحديثة إلا شكلا جديدا للروسيا القديمة , لقد نشأت الروسيا ونمت فى مدرسة الرق المغولى الرهيبة , ثم ازدادت قوة بإن أصبحت أمهر من عرف صناعة الاستعباد والرق .
وحتى بعد أن تحررت فإنها واصلت أداء دورها التقليدى للعبد الذى اصبح سيدا .

0 التعليقات: