إستراتيجية الاستعمار والتحرير 9
ميكانيزم الصراع :
يرتبط صراع القوى السياسية ارتباطا وثيقا
جدا بالصراع الاستعمارى .
فمن أجل الصراعات الداخلية بين القوى الأوروبية فى
القارة خرجت للحصول على المستعمرات لتعود أقوى و أقدر على تلك الصراعات , ومن أجل
الحصول على المستعمرات كانت القوى الأوروبية تتصارع فيما بينها على القارة .
ومن
ثم كان النشاط الاستعمارى ظاهرة معدية .
والمهم أنه فى هذه الحركة تأخد ميكانيكية
الصراع بين القوى البحرية – الذى هو صراع أشباه أساسا من أجل التصفية النهائية
للقوة العالمية – تأخذ نمطا محددا ومتواترا بصورة مثيرة .
فهى تبدأ بدولة رائدة
صغيرة بحرية جدا بحكم الموقع والطبيعة , تلحقها دولة متاخمة أكبر حجما و أقل بحرية
, لا تلبث بحكم جرمها أن تحطم قوتها .
ولكنها تعجز عن أن ترث دورها , و إنما
تلتقطه ببراعة دولة أخرى صغيرة بحرية جدا إلى الشمال .
هكذا ظهرت البرتغال أولا
وتلتها إسبانيا لتحطمها بعد قليل , فترثها هولندا , ثم تلى هولندا على المسرح فرنسا
لتحطم هولندا وشيكا , فترثها بريطانيا .
وسنرى فيما بعد الى اى حد ستستمر أو تنتهى
هذه الميكانيكية الفذة فى بقية مراحل الاستعمار الحديث .
الموقع و الموضع :
فى هذا الصراع لم يكن البقاء لمن يملك
القوة البحرية وحدها , بل والقوة البرية إلى جانبها .
فقد كانت القاعدة الأرضية
القومية العريضة هى الضمان الأخير لبقاء تلك القوة البحرية .
فإذا كانت الدول
المحرومة من القوة البحرية لم تخرج إطلاقا إلى الاستعمار مهما ملكت من قوة برية ,
فإن الدول التى تملك القوة البحرية دون قاعدة برية متكافئة تسندها وتدعمها , قد تخرج
إلى عالم الاستعمار قليلا أو كثيرا ولكنها لا تلبث أن تنقرض فى النهاية .
أما
النجاح الأكبر فللدول البحرية القوية ذات القاعدة البرية الضخمة .
وبمعنى أخر ,
فإن الموقع البحرى الامثل وحده لا يكفى وإن أعطى أحيانا ميزة السبق , وفى المدى
الطويل يلعب الموضع دورا تحديديا أخطر و اكثر بقاء .
الاستعمار
الديموغرافى :
تعويضا لعجزه عن التوغل الداخلى وعن
(الاستعمار الجغرافى) , أخذ الاستعمار فى أفريقيا بالذات نمطا خاصا جدا فى هذه
المرحلة هو الاستعمار الديموغرافى – أعنى تجارة الرقيق . وذلك إذن كان عصر النخاسة
الذى لم يعرف العالم له مثيلا من قبل ولا من بعد .
وتلك كانت بالتالى أسود نقطة و
أبشع وصمة فى تاريخ الاستعمار العالمى .
فقد كان الرقيق أغلى سلعة فى التجارة
الاستعمارية , وبخار الة المركانتلية إن لم يكن وقودها الأسود , وعليه بنت القوى
البحرية اقتصادها ورخاءها .
وكان للبرتغال اولا ثم الانجليز بعدهم الدور الاكبر فى
هذه التجارة الاثمة , ولو أن الهولنديين والفرنسيين شاركوا بقدر .
ولهذا فإذا كان الهولنديين يقولون إن امستردام
قد بنيت على عظام الرنجة , فمن الصحيح كل الصحة أن نقول إن لشبونة وليفربول قد
بنيتا على عظام الرقيق الأسود ودماه . وقد شهد المحيط الأطلسى مثلثا دمويا يدور مع
عقارب الساعة – التجارة المثلثة كما تسمى – تبدأ فيه السفن بنقل بضائع ومصنوعات
بريطانيا الى غرب افريقيا حيث تستبدل بها شحنات ادمية , ثم تنطلق عبر المحيط
لتفرغها فى أمريكا الشمالية والوسطى و الجنوبية , ومنها تعود محملة بحاصيل
المداريات من سكر وروم وقطن وتبغ ... إلخ .
يلخص لنا كارل ماركس
فيقول :
إن المستنقع الدموى للاستعباد المغولى هو
مهد روسيا القديمة .
وليست روسيا الحديثة إلا شكلا جديدا للروسيا القديمة , لقد
نشأت الروسيا ونمت فى مدرسة الرق المغولى الرهيبة , ثم ازدادت قوة بإن أصبحت أمهر
من عرف صناعة الاستعباد والرق .
وحتى بعد أن تحررت فإنها واصلت أداء دورها
التقليدى للعبد الذى اصبح سيدا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق