إستراتيجية الاستعمار والتحرير 34
أما أسيا فتدخل الأن
بعد يقظتها مرحلة الكيانات القومية الجديدة , وتحتاجها كل الام النمو والثورات
والانقلابات الداخلية وتقلصات الصراعات الوطنية والضغوط الخارجية التى عرفتها
أوروبا خلال القرن التاسع عشر وما حواليه .
تأتى اليابان وهى بحق بريطانيا الشرق
الأقصى فى أكثر من معنى , فى حين تناظر الصين وفرنسا بسهولة . وفى الوسط على جبهة
الالتحام بين القارتين تتناظر هضبتا إيران والأناضول المتقابلتان إلى مدى بعيد
للغاية .
تبدو لنا شبه جزيرة الهند الصينية فى أقصى
جنوب شرق أسيا كالنظير المباشر لشبه جزيرة البلقان فى جنوب شرق أوروبا .
أما شبه جزيرة الهند فتتناظر توا شبه
الجزيرة الايطالية فى الموقع والشكل , ولكل منهما كدول وزنه وحجمه الكبير ودوره
التاريخى العريق فى قارته . كما أن له مشاكله السياسية الحادة كحبيس بحره أو محيطه
كما أشرنا منذ قليل .
وعلى الجملة , فكما تعد إيطاليا بصفة تقليدية الدولة الرابعة
الكبرى فى أوروبا حاليا بعد بريطانيا وفرنسا و ألمانيا , فإن الهند هى رابعة الدول
الكبرى فى أسيا بعد اليابان والصين والاتحاد السوفييتى .
أقطاب القوة فى غرب أوروبا تتركز كما
رأينا فى مثلث القوة الشهير بريطانيا – فرنيا – ألمانيا , فإنهما فى شرق أسيا
تتركز فى مثلث اليابان – الصين – الاتحاد السوفييتى (القطاع الأسيوى) .
على أية حال أنه بينما بدأت أقطاب مثلث القوة
الأوروبى تتقارب وتتجه إلى الوحدة بعد صراعات دامية استمرت قرونا , فإن أقطاب
المثلث الأسيوى تتباعد كل يوم أيديولوجيا وقوميا وتتجه على ما يبدو إلى صراع لا
ندرى طبيعته ولا مداه بعد .
استراتيجية الصراع :
فإذا ما بدأنا بالضغوط والصراعات الكبرى ,
فلعل اليابان هى أضعف رؤوس مثلث القوة الأسيوى حاليا , وذلك باعتبارها قزما سياسيا
وإن كانت عملاقا اقتصاديا .
فهى بلا أنياب نووية حتى الان .
بل قد لا نبالغ إذا قلنا إن اليابان حاليا
منطقة خمود أو شبه فراغ سياسى تملؤه أمريكا بين رؤوس مثلث القوة العالمى (الولايات
– الاتحاد – الصين) أكثر منها رأسا من رؤوس مثلث القوة الأسيوى التقليدى (الاتحاد –
الصين – اليابان) .
بطبيعة
الحال فلقد تعرضت استراتيجية هذا الصراع لانقلاب جذرى كامل منذ الانشقاق السوفييتى
– الصينى . فتغيرت المواقع وتبودلت الأدوار تماما بصورة درامية حقا . فابتداء ,
بينما كانت أمريكا هى التى تحاول حصر الصين و احتواءها بحلف جنوب شرق أسيا
(السيتو) , أصبح الاتحاد بمشروع برجنيف للأمن الأيوى هو الذى يحاول .
وبعد أن كانت
الولايات المتحدة هى العدو الأول للصين , أصبح الاتحاد السوفيتى هو هذا العدو .
ومن ثم فقبل الانشقاق كانت معادلة الصراع كالاتى : الاتحاد + الصين ضد أمريكا
لأخراجها من القارة .
أما بعد الأنشقاق فقد أصبحت المعادلة كالاتى : أمريكا +
الصين ضد الاتحاد لمنع توسعه فى القارة .
فمن الحالة الأولى الحرب الكورية ثم حرب
فيتنام , ومن الحالة الثانية حرب كمبوتشيا ثم حرب أفغانستان .
0 التعليقات:
إرسال تعليق