إستراتيجية الاستعمار والتحرير 11
نحو الخليج :
وفى اوائل القرن العشرين وصل تغلغل الروسيا
فى إيران إلى حد أن بدا أن هذه قد تسقط كاملة لسيطرتها .
ولكن – كما حدث مع تركيا
- - وقفت فرنسا أولا فترة مع إيران , ثم جاءت بريطانيا معتمدة على قوتها البحرية
فى الهندى لتنذر بأن أى محاولة روسية لبسط نفوذها فى الخليج ستقاوم بالقوة .
على
أن هزيمة الروسيا فى حرب اليابان كشفت عجزا غير منتظر , فاضطرت إلى مساومة تسوية
مع بريطانيا بمقتضاها قسمت إيران إلى مناطق نفوذ ثلاث , الشمالية للروسيا
والجنوبية لبريطانيا والوسطى محايدة .
وهذه التسوية تلخص فى نفس الوقت كل استراتيجية
إيران من أجل البقاء والمحافظة على كيانها منذ ظهرت قوة الروسيا على ضلوعها , وهى
استراتيجية مضاربة كل من القوى البرية بالبحرية حتى تعيش هى على التناقض بينهما ,
بإختصار سياسة المضاربة .
إن الوحدات التى ولدت فى عصر الانقلاب
الصناعى تميل إلى أن تكون من الدول الضخمة المساحة و الحجم .
إن مركب الفحم والحديد – وهو صدفة جيولوجية
إما لك و إما عليك – قد أصبح أساس القوة الجديدة .
ولهذا جاء الانقلاب الصناعى
لينهى إلى الابد الصراع على السيادة العالمية بين فرنسا وبريطانيا , ذلك الذى كان
أبرز طابع فى القرن الثامن عشر , وليضع بريطانيا فى الصدارة المطلقة طوال القرن
التاسع عشر .
لكنه خلق لها – بالمقابل – منافسها المقبل – ألمانيا – ليصبح النصف
الاول من القرن العشرين هو عصر الصراع العالمى بين بريطانيا و ألمانيا , ثم
ليختزله بسرعه ليضعنا مع بداية النصف الثانى من القرن فى مواجهة صراع جديد من قدر
أضخم و أعظم هو هذا الذى نعيشه بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتى .
اوروبا كانت تحتقر الجغرافيا والتاريخ , أى
ضد الطبيعة , ومن هنا ستكون سقطتها و انهيارها فيما بعد .
يبدو غريبا شاذا منطق الاستعمار : بدأ بإبادة
الهنود الحمر فى العالم الجديد , فلما افتقد اليد العاملة نقل إليه زنوج إفريقيا
بالجملة , وحين دخل أفريقيا بدأ يهجر إليها الهنود والاّسيويين لتملأ الفجوة
الناجمة – حركة تفريغ ونقل من الشرق الى الغرب باطراد تشمل وتغطى الكرة الجنوبى من
أقصاه إلى أقصاه .
القطاعات الاقليمية
:
السؤال المدخلى الذى يفرض نفسه منطقيا :
لماذا تأخر استعمار المداريات إلى هذا المدى ولماذا حدث – حين حدث – بتلك السرعة
المثيرة , وأخيرا لماذا تعاصرت قطاعاته فى سقوطها له ؟
ففى أفريقيا المدارية كانت الطبيعة تغلف القارة السوداء بساحل خطى صقيل غير
مضياف تقل فيه المرافئ الجيدة وتتكاثر عليه الأمواج الضاربة , بينما فى أعماق
القارة بأبعادها السحيقة و الساحقة معا تسود إما صحراوات قاحلة موحشة و إما غطاءات
نباتية تتكاثف كالأسلاك الشائكة .
وحتى انهار القارة العظيمة هى الأخرى طرق مسدودة
أو شرايين مقطوعة , وذلك بحكم تركيب القارة ككتلة هضبية , فقرب مصابها تهوى من
حالق فى شلالا تدفع تشل الملاحة والحركة دخولا وخروجا .
أفريقيا المدارية إذن كانت للاستعمار صندوقا
مغلقا رهيبا , يدور حوله جيئه وذهابا ولكنه لا يملك مفاتيحه ولا يملك أن ينفذ إليه
. ولهذا ضلت تستمد كل أهميتها طوال العصر التجارى من أنها عقبة لا عتبة إلى الهند
.
وبعض هذا , مضافا إليه البعد الجغرافى الشديد , يقال عن الشرق الأقصى الموسمى .
ولكن الانقلاب الصناعى قلب هذا الوضع , فقد مد أوربا بالمفتاح الحضارى اللازم لقهر
هذه البيئات الطبيعية الصعبة . أى أن الاستعمار عجز عن دخول المداريات بحضارة
الانقلاب التجارى ولكنه نجح بحضارة الانقلاب الصناعى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق