15‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 11

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 11

نحو الخليج :

     وفى اوائل القرن العشرين وصل تغلغل الروسيا فى إيران إلى حد أن بدا أن هذه قد تسقط كاملة لسيطرتها .
ولكن – كما حدث مع تركيا - - وقفت فرنسا أولا فترة مع إيران , ثم جاءت بريطانيا معتمدة على قوتها البحرية فى الهندى لتنذر بأن أى محاولة روسية لبسط نفوذها فى الخليج ستقاوم بالقوة .

 على أن هزيمة الروسيا فى حرب اليابان كشفت عجزا غير منتظر , فاضطرت إلى مساومة تسوية مع بريطانيا بمقتضاها قسمت إيران إلى مناطق نفوذ ثلاث , الشمالية للروسيا والجنوبية لبريطانيا والوسطى محايدة .

 وهذه التسوية تلخص فى نفس الوقت كل استراتيجية إيران من أجل البقاء والمحافظة على كيانها منذ ظهرت قوة الروسيا على ضلوعها , وهى استراتيجية مضاربة كل من القوى البرية بالبحرية حتى تعيش هى على التناقض بينهما , بإختصار سياسة المضاربة .


     إن الوحدات التى ولدت فى عصر الانقلاب الصناعى تميل إلى أن تكون من الدول الضخمة المساحة و الحجم .

     إن مركب الفحم والحديد – وهو صدفة جيولوجية إما لك و إما عليك – قد أصبح أساس القوة الجديدة .

ولهذا جاء الانقلاب الصناعى لينهى إلى الابد الصراع على السيادة العالمية بين فرنسا وبريطانيا , ذلك الذى كان أبرز طابع فى القرن الثامن عشر , وليضع بريطانيا فى الصدارة المطلقة طوال القرن التاسع عشر .

لكنه خلق لها – بالمقابل – منافسها المقبل – ألمانيا – ليصبح النصف الاول من القرن العشرين هو عصر الصراع العالمى بين بريطانيا و ألمانيا , ثم ليختزله بسرعه ليضعنا مع بداية النصف الثانى من القرن فى مواجهة صراع جديد من قدر أضخم و أعظم هو هذا الذى نعيشه بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتى .

    اوروبا كانت تحتقر الجغرافيا والتاريخ , أى ضد الطبيعة , ومن هنا ستكون سقطتها و انهيارها فيما بعد .

    يبدو غريبا شاذا منطق الاستعمار : بدأ بإبادة الهنود الحمر فى العالم الجديد , فلما افتقد اليد العاملة نقل إليه زنوج إفريقيا بالجملة , وحين دخل أفريقيا بدأ يهجر إليها الهنود والاّسيويين لتملأ الفجوة الناجمة – حركة تفريغ ونقل من الشرق الى الغرب باطراد تشمل وتغطى الكرة الجنوبى من أقصاه إلى أقصاه .

القطاعات الاقليمية :

    السؤال المدخلى الذى يفرض نفسه منطقيا : لماذا تأخر استعمار المداريات إلى هذا المدى ولماذا حدث – حين حدث – بتلك السرعة المثيرة , وأخيرا لماذا تعاصرت قطاعاته فى سقوطها له ؟

       ففى أفريقيا المدارية كانت الطبيعة تغلف القارة السوداء بساحل خطى صقيل غير مضياف تقل فيه المرافئ الجيدة وتتكاثر عليه الأمواج الضاربة , بينما فى أعماق القارة بأبعادها السحيقة و الساحقة معا تسود إما صحراوات قاحلة موحشة و إما غطاءات نباتية تتكاثف كالأسلاك الشائكة .

 وحتى انهار القارة العظيمة هى الأخرى طرق مسدودة أو شرايين مقطوعة , وذلك بحكم تركيب القارة ككتلة هضبية , فقرب مصابها تهوى من حالق فى شلالا تدفع تشل الملاحة والحركة دخولا وخروجا .


     أفريقيا المدارية إذن كانت للاستعمار صندوقا مغلقا رهيبا , يدور حوله جيئه وذهابا ولكنه لا يملك مفاتيحه ولا يملك أن ينفذ إليه . ولهذا ضلت تستمد كل أهميتها طوال العصر التجارى من أنها عقبة لا عتبة إلى الهند .


 وبعض هذا , مضافا إليه البعد الجغرافى الشديد , يقال عن الشرق الأقصى الموسمى . 

ولكن الانقلاب الصناعى قلب هذا الوضع , فقد مد أوربا بالمفتاح الحضارى اللازم لقهر هذه البيئات الطبيعية الصعبة . أى أن الاستعمار عجز عن دخول المداريات بحضارة الانقلاب التجارى ولكنه نجح بحضارة الانقلاب الصناعى .


0 التعليقات: