إمبراطورية الثورة 17
الحدث المهم الاخر فى تاريخ نيويورك وقع
فى عام 1817 , عندما أعلن التأسيس الرسمى لسوق الأوراق المالية (البورصة) .
أرسل سماسرة نيويورك – الذين ما زالوا
يعملون باتفاقية باتون وودز – سمسارا اسمه ويليام لامب إلى فيلادلفيا لدراسة سوق الأوراق المالية فيها . وفى 25 فبراير 1817
اجتمع فى مكتب صموئيل بيب مجموعة من كبار سماسرة نيويورك ووضعوا نظاما مشابها
لنظام بورصة فيلادلفيا .
كان ثمة ثمانية وعشرون عضوا أصليا فقط من أصل سبع شركات ,
وقد شكل هؤلاء مجلس السماسرة ليصبح بعد مدة وجيزة مجلس الأوراق المالية و البورصة
فى نيويورك .
و أستأجروا الطابق الثانى من المقر الرئيس لمصرف نيويورك فى شارع 40
وول ستريت نظير 200 دولار سنويا , واستمل السعر على خدمة التدفئة أيضا .
كانت تلك
بداية متواضعة لمؤسسة ستغير اسمها فى عام 1863 هذه المرة إلى بورصة نيويورك .
لم يكن التداول نشطا فى معظم الأحيان , إذ
كان يقل عن مائة سهم فى اليوم الواحد أحيانا .
وفى 16 مارس 1830 بلغ حجم التداول
فى مجلس الأوراق المالية والبورصة بنيويورك ما لا يزيد على واحد وثلاثين سهما فى
الجلسات الصباحية و المسائية , وهو أدنى مستوى عرفه حجم التداول على الإطلاق .
لكن تلك الحال لن تدوم طويلا . فقد كانت
الطرقات والقنوات – مع كل التحسينات التى جلبتها للحياة اليومية والتجارة – لا
تزال تقنية قديمة , ترجع إلى زمن الرومان .
لكن تقنية البخار الجديدة – عند
توظيفها فى النقل – ستبرز تلك التقنيات من حيث دورها و أهميتها وستساهم فى خلق
العالم الجديد .
وسيجعل تمويل وول ستريت للنقل بالبخار – وكان مجرد تقنية كمالية
فى عام 1830 – من وول ستريت نفسها عنصرا لا غنى عنه فى الاقتصاد الأمريكى.
بفضل سمعة صاغة الذهب , كانت إيصالاتهم
بمنزلة المعدن الثمين نفسه – الذى يحفظونه فى خزائنهم – الذى تمثله هذه الايصالات
, كما كانت تلك الإيصالات أسهل حملا .
وما كاد القانون يجيز تداولها (فى بريطانيا
فى عام 1704) وصارت بالتالى ملكية مطلقة لحاملها , حتى تحولت الأوراق النقدية
المصرفية (البنكنوت) إلى نقود .
كان صاغة الذهب يزاولون أعمال الإقراض منذ
أقدم الأزمنة , و قد شرعوا الان فى تحرير ايصالات بالقروض بدلا من إعطاء المقترض
المعدن نفسه .
وعلى الفور وسعيا وراء تعظيم الربح بدأ الصاغى إصدار المزيد من
الإيصالات بشكل يتجاوز قيمة المعدن الموجود فى خزائنهم واللازم لمقابلة تلك
الإيصالات , وبفضل السمعة الحسنة لصاغة الذهب لم يكن فى ذلك أى حرج , على اعتبار
أنه من غير المتصور أن يسعى حملة الإيصالات كلهم – فى وقت واحد – إلى استردادها .
وبعد إصدار إيصالات تتجاوز قيمتها قيمة
الذهب اللازم لوفائها , عمل صاغة الذهب – وقد بلغوا بذلك منزلة المصرفيين – على
خلق النقود من العدم تقريبا .
ولم يدرك كثير من المثقفين و المتعلمين جوهر عمل
المصارف , ومن ثم اعتبروا ذلك – بطبيعته – نوعا من الاحتيال أو قلة الأمانة .
وكتب
جون ادامز – ذات مره – أن ( كل دولا من الأوراق المصرفية يصدر زيادة على كمية
الذهب والفضة فى الخزائن لا يملك أى قيمة , وبالتالى فهو بمنزلة احتيال على البعض
) .
أن العمل المصرفى يتمثل فى تحويل رأس المال
المعطل فى الأصول الثابته إلى رأس مال سائل يمكن توظيفه فى أصول (موجودات) جديدة
على نحو يضاعف ثروة المجتمع ويؤسس لاقتصاد اكثر ديناميكية .
سمعة المصرفى فى إدارة مصرف مستقر ماليا
هى أثمن ما يملك من الأصول .
وكما بين عالم السياسة البريطانى الكبير فى القرن
التاسع عشر والتر بيجوت : ( يعلم كل مصرفى أنه عندما يضطر إلى أن يثبت سلامة وضعه
الائتمانى – بغض النظر عن صحة الحجج التى يسوقها – فإن سمعته تكون بالفعل قد ولت
من دون رجعة ) .
0 التعليقات:
إرسال تعليق