28‏/12‏/2014

إمبراطورية الثورة 17

إمبراطورية الثورة 17



        الحدث المهم الاخر فى تاريخ نيويورك وقع فى عام 1817 , عندما أعلن التأسيس الرسمى لسوق الأوراق المالية (البورصة) .

        أرسل سماسرة نيويورك – الذين ما زالوا يعملون باتفاقية باتون وودز – سمسارا اسمه ويليام لامب إلى فيلادلفيا لدراسة  سوق الأوراق المالية فيها . وفى 25 فبراير 1817 اجتمع فى مكتب صموئيل بيب مجموعة من كبار سماسرة نيويورك ووضعوا نظاما مشابها لنظام بورصة فيلادلفيا .

كان ثمة ثمانية وعشرون عضوا أصليا فقط من أصل سبع شركات , وقد شكل هؤلاء مجلس السماسرة ليصبح بعد مدة وجيزة مجلس الأوراق المالية و البورصة فى نيويورك .

و أستأجروا الطابق الثانى من المقر الرئيس لمصرف نيويورك فى شارع 40 وول ستريت نظير 200 دولار سنويا , واستمل السعر على خدمة التدفئة أيضا .

كانت تلك بداية متواضعة لمؤسسة ستغير اسمها فى عام 1863 هذه المرة إلى بورصة نيويورك .

       لم يكن التداول نشطا فى معظم الأحيان , إذ كان يقل عن مائة سهم فى اليوم الواحد أحيانا . 

وفى 16 مارس 1830 بلغ حجم التداول فى مجلس الأوراق المالية والبورصة بنيويورك ما لا يزيد على واحد وثلاثين سهما فى الجلسات الصباحية و المسائية , وهو أدنى مستوى عرفه حجم التداول على الإطلاق .

       لكن تلك الحال لن تدوم طويلا . فقد كانت الطرقات والقنوات – مع كل التحسينات التى جلبتها للحياة اليومية والتجارة – لا تزال تقنية قديمة , ترجع إلى زمن الرومان .

لكن تقنية البخار الجديدة – عند توظيفها فى النقل – ستبرز تلك التقنيات من حيث دورها و أهميتها وستساهم فى خلق العالم الجديد .

وسيجعل تمويل وول ستريت للنقل بالبخار – وكان مجرد تقنية كمالية فى عام 1830 – من وول ستريت نفسها عنصرا لا غنى عنه فى الاقتصاد الأمريكى.

       بفضل سمعة صاغة الذهب , كانت إيصالاتهم بمنزلة المعدن الثمين نفسه – الذى يحفظونه فى خزائنهم – الذى تمثله هذه الايصالات , كما كانت تلك الإيصالات أسهل حملا .

 وما كاد القانون يجيز تداولها (فى بريطانيا فى عام 1704) وصارت بالتالى ملكية مطلقة لحاملها , حتى تحولت الأوراق النقدية المصرفية (البنكنوت) إلى نقود .

      كان صاغة الذهب يزاولون أعمال الإقراض منذ أقدم الأزمنة , و قد شرعوا الان فى تحرير ايصالات بالقروض بدلا من إعطاء المقترض المعدن نفسه .

 وعلى الفور وسعيا وراء تعظيم الربح بدأ الصاغى إصدار المزيد من الإيصالات بشكل يتجاوز قيمة المعدن الموجود فى خزائنهم واللازم لمقابلة تلك الإيصالات , وبفضل السمعة الحسنة لصاغة الذهب لم يكن فى ذلك أى حرج , على اعتبار أنه من غير المتصور أن يسعى حملة الإيصالات كلهم – فى وقت واحد – إلى استردادها .

       وبعد إصدار إيصالات تتجاوز قيمتها قيمة الذهب اللازم لوفائها , عمل صاغة الذهب – وقد بلغوا بذلك منزلة المصرفيين – على خلق النقود من العدم تقريبا .

ولم يدرك كثير من المثقفين و المتعلمين جوهر عمل المصارف , ومن ثم اعتبروا ذلك – بطبيعته – نوعا من الاحتيال أو قلة الأمانة .

وكتب جون ادامز – ذات مره – أن ( كل دولا من الأوراق المصرفية يصدر زيادة على كمية الذهب والفضة فى الخزائن لا يملك أى قيمة , وبالتالى فهو بمنزلة احتيال على البعض ) .

      أن العمل المصرفى يتمثل فى تحويل رأس المال المعطل فى الأصول الثابته إلى رأس مال سائل يمكن توظيفه فى أصول (موجودات) جديدة على نحو يضاعف ثروة المجتمع ويؤسس لاقتصاد اكثر ديناميكية .


        سمعة المصرفى فى إدارة مصرف مستقر ماليا هى أثمن ما يملك من الأصول .

وكما بين عالم السياسة البريطانى الكبير فى القرن التاسع عشر والتر بيجوت : ( يعلم كل مصرفى أنه عندما يضطر إلى أن يثبت سلامة وضعه الائتمانى – بغض النظر عن صحة الحجج التى يسوقها – فإن سمعته تكون بالفعل قد ولت من دون رجعة ) .

0 التعليقات: