22‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 29

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 29


التحولات و التحورات :

         خذ مثلا تلك المجموعة العديدة من دول العالم الثالث (ومن بينها بعض من كانوا من أوائل رواد عدم الانحياز ومن أبرز اقطابه) التى انتقلت فى السنوات الأخيرة خفية أو خلسة أو بغتة وفجأة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس , فى حركة (بندولية) او (مكوكية) لا شك واسعة المدى للغاية تكاد ذبذبتها تغطى 180 درجة كاملة من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق أو العكس , وتكاد بلا مواربة تذهب من أقصى النقيض إلى أقصى النقيض دون تحرج أو تحفظ .


         وعلى سبيل المثال , هناك تلك الدولة التى تزعمت العالم الثالث طويلا وناطحت الولايات المتحدة عقدا وبعض عقد وأقامت الدنيا وأقعدتها ضد عدوها الاقليمى الغاصب وربيب الولايات , ثم فجأة وما بين عشية وضحاها أصبحت فى أو مع المعسكر الغربى بنسبة 100% بعد أن كانت فى أو مع المعسكر الشرقى بنسبة 50% . ثم بغتة وعلى حين غرة أو غفلة كذلك قبلت عدوها الأقليمى اللدود (قبلة الموت) , وبعدها أوشكت تنافسه على مركز الولاية الحادية والخمسين بين الولايات المتحدة الأمريكية .

 قليل من العجب , بل لا عجب على الاطلاق , أن قد هوت تلك الدولة فى نظر الكثيرين من قمة العالم الثالث إلى قاعة وسقطت من دائرة عدم الانحياز إلى مستنقع التبعية والنفوذ فضلا عن خطيئة الركوع .

        ما الذى ينقص العالم الثالث ؟ والرد على الفور هو القوة , القوة بمعناها الشامل .


القوة السياسية :

        أما من جهة القوة السياسية فإن أولى وسائلها استكمال تصفية الجيوب الاستعمارية المتخلفة فى العالم .

       ضرورة ترابط دول عدم الانحياز ترابطا وثيقا فى نسيج ضام غير منفذ لتسربات الاستعمار .

       لكن الخلافات الثنائية على الحدود و الأقليات – ومعظمها من إرث الاستعمار – يجب أن تصفى بعد أن أصبحت خطرا حقيقيا .

       وعدا هذا فأن الوحدة الدستورية بين المجموعات الاقليمية المتجانسة – وفى أبعاد واقعية معقولة – كالعالم العربى أو شرق أفريقيا أو غربها ...إلخ , ضرورة ملحة لتصحيح الكيان السياسى للمجموعة .

       بشئ أكثر من التفصيل , خذ مثلا منطقة كالعالم العربى .

من المحقق أنها – ولها كل مقومات الوحدة القومية – لن تقتحم حضارة العصر , ولن تدخل القرن العشرين حقا , ولن تعيش عصر العلم والتكنولوجيا , إلا كوحدة واحدة أو كدولة موحدة .

 ولكن بالمقابل قارن , على سبيل المثال , أوروبا الغربية التى تسعى اليوم بوعى وتخطيط كاملين إلى الوحدة رغم أنها ممزقة لغويا وقوميا وإن كانت موحدة جغرافيا , ولو أن من الصحيح أيضا أن العالم العربى وإن كان موحدا لغويا وقوميا فإنه على العكس ممزق بالصحراء جغرافيا.

       غير أن الفاصل الطبيعى هنا لا يعادل الفاصل اللغوى هناك بحال , كما أنه لم يعد شيئا فى عصر الطيران .

وهكذا يظل العالم العربى أغنى بمقومات القومية الأساسية من أوروبا الغربية خارج كل مقارنة .

       نقطة الضعف القاتل فى النسيج السياسى للعالم الثالث إنما تكمن , فى صميم كيانه الذاتى من الداخل , ونعنى بذلك النظام السياسى أى نظام الحكم .

 نقطة الضعف القاتل فى النسيج السياسى للعالم الثالث إنما تكمن , فى صميم كيانه الذاتى من الداخل , ونعنى بذلك النظام السياسى أى نظام الحكم .


      فالعالم الثالث هو أكبر متحف عالمى للحفريات السياسية ومخلفات الطغيان والاستبداد الشرقى القديم والرجعيات البدوية البدائية العتيقة المتحجرة , فضلا عن أنه غدا أبشع معقل للديكتاتوريات العسكرية والفاشية اللاشرعية الاغتصابية الفاسدة نصف المتعلمة أو نصف الجاهلة .

وكأنما قد حكم عليه بأن يستبدل بالاحتلال العسكرى الأجنبى القديم أيام الاستعمار , الاحتلال العسكرى الداخلى الجديد تحت الاستقلال .

       أغلب هذه الديكتاتوريات العسكرية أو الرجعية يتم أو يقع تحت ادعاء ولافتة الديموقراطية , 

بل ويباهى بها أعرق الديموقراطيات الغربية بلا حياء ولا خجل .

 فلا نقاش فى أن العالم الثالث هو أكبر سجن دولى ومعتقل مفتوح للمواطن النامى .

ومن نافلة القول كذلك أنه لا أمل البتة فى تحرير هذا المواطن من التخلف السياسى والحضارى إلا بتحريره من هذه العبودية السياسية .


       من المحزن أو المضحك أن كثيرا من أصحاب وصانعى هذه الإنقلابات العسكرية الطفيلية أو الطفولية يصر اصرارا واستكبارا (او غفلة واستهتار ؟) على أن ينعتها بالثورة , الثورة الشعبية وإلا فلا .

كل انقلاب عند أصحابه هو ثورة , إما وطنية أو اجتماعية أو ثورة تحرير . . .إلخ , بينما هو عند الشعب من الغاصبين . وفى النتيجة , وعلى هامش الهامش , بل فى الصميم , فإن معظم العالم الثالث لا يحكمه خيرة أبنائه , إن لم يحكمه أحيانا شرهم حقا , الأمر الذى يضاعف من أزمته العالمية ويزيده تخلفا على تخلف ووهنا على وهن .

0 التعليقات: