16‏/12‏/2014

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 18

إستراتيجية الاستعمار والتحرير 18

روح العصر والميكانزم :

         لماذا تعاصرت ظاهرة التحرير فى العالم عموما ؟

 والرد يكمن – فى كلمة واحدة – فى روح العصر .

لقد أصبح التحرير هو إيدولوجية الشعوب التى طال كبتها وروح العصر السارية السائدة .

 وإنه هو المناخ السياسى الذى جعل الثورة على الاستعمار ظاهرة كوكبية فى العالم كله لا علاقة لتوقيتها بعمر الاستعمار هنا او هناك – دون أن يقلل هذا البته من دور الكفاح الوطنى نفسه .

 وإنما هو كان فرصة مواتية استفاد منها هذا الكفاح إفادة ذكية شجاعة .

     ولكن لا شك أن وراء روح العصر هذه عوامل مادية وسياسية صلبة علينا أن نبحث عنها . وفى هذا يمكن ان نتعر فعلى عاملين رئيسيين . فهناك اولا ميكانيكية نمو المستعمرات .

فالاستعمار سلاح ذو حدين .

 فحتى يستغل مستعمرته لمصلحته , فإنه يضطر راغما إلى إدخال الوسائل الحضارية والتكنولو جية التى تساعده على ذلك . أى أنه يعجل بعملية الاحتكاك الحضارى والتحضير التى تنعكس على الوطنيين نموا فى القوة البشرية وفى الكفاءة الفنية , فيشتد ساعدهم وقدرتهم المادية على النضال السياسى .

      وليس أقل أهمية من الناحية المادية النواحى النفسية . فالاحتكاك الحضارى مع بداية الاستعمار يصيب الوطنيين بانهيار حضارى وانهيار نفسى يسهل الانتصار للاستعمار .

 ولكن مع تشربهم وتمرسهم بالحضارة الجديدة – والإلف يورث الاحتقار – يدركون أسرارها بل ويدركون فضلهم التاريخى فيها .

 مما يرفع روحهم المعنوية إزاء المستعمر ويحل مركب النقص الحضارى .

 وبمعنى أخر فإن كلا من ميكانيزم  وسيكولوجية الاحتكاك الحضارى لا يلبث أن يقوى ساعد التحرير ماديا ومعنويا حتى ينجح فى طرد الاستعمار .

           والخلاصة أن الاحتكاك الحضارى الذى يصاحب الاستعمار لا يلبث أن يضيق الهوة الحضارية – التى هى أساس التفوق العسكرى للاستعمار – بين القوة الداخلية والداخلية .

وهكذا يؤدى منطق الاستعمار من صميم نفسه وبطريقة ديالكتيكية إلى نقيضة تماما . تلك متناقضة ساخرة فى فلسفة الاستعمار , وهى وحدها تجعل نهايته محتومة بطبيعتة , فهو يهزم أغراضه ويستهلك نفسه بنفسه ويحمل فى كيانه جرثومه فنائه . هذا أول .

        أما العامل الثانى فى تصفية الاستعمار و إذابته فهو انتهاء احتكار القوة العالمية .

نتائج التحرير

متغيرات التحرير

الخروج الابيض

        كانت المشكلة الخطيرة حقا هى مصير الاستعمار الاستيطانى السكنى الكثيف , لأن الخروج يأخذ هنا أبعادا مختلفة جدا كما فى الجزائر وإلى حد ما كينيا .

 وعادة ما كان الموقف الوطنى معتدلا واقعيا بلا تطرف . فكثيرا ما أعلن التحرير أنه لا ينبغى طرد الجاليات والمستعمرات الأجنبية إذا ما قبلت مواطنة عادية مخلصة بلا امتيازات , أو إن شاءت فلها أن تبقى كأجانب عاديين .

 ورغم هذا الموقف السمح فقد كان المرجح أن تصفى المستعمرات والجاليات نفسها بنفسها بعد فرض المساواة ومنع الاستغلال , وهكذا بالفعل كان .
      
          وهذا ولا شك أبلغ دليل على أن الوجود الاقتصادى للاستعمار كان رهنا بوجوده السياسى , وبغيرة كان لا نجاح له ولا محل .

وفى هذه الحالة كثيرا ما كانت العملية تأخذ طابعا انتقاميا تخريبيا بقصد شل جهاز الدولة الجديدة وتعجيزها تشويها للاستقلال و التحرير .


      هل يترك الخروج الأبيض (فراغا) حضاريا أو اقتصاديا خطيرا فى المستعمرات المتحررة ؟ 
أيترك كذلك فراغا سياسيا يهدد التوازن الدولى ؟ . . .  بالأستعانة بخبراء أجانب غير استعماريين .

 أما أن يخشى البعض على المستوى الحضارى والاقتصادى للدول الجديدة أن ينتكس بعد الخروج فأمر تكذبة الثورة الاقتصادية والطفرة الحضارية التى واكبت التحرير فى كل مكان لا سيما فى القواعد الطليعية كمصر والعالم العربى والهند ... إلخ .

0 التعليقات: