28‏/12‏/2014

إمبراطورية الثروة 11

إمبراطورية الثروة 11



      يقول كارل ماركس :

      يصنع الرجال تاريخهم , لكنهم لا يصنعونه كما يشتهون , لا يصنعونه فى ظروف يختارونها بأنفسهم , بل فى ظروف تنشأ مباشرة عن الماضى وتنبثق منه .


      ما كان على الولايات – قبل كل شئ – إلا تجنب خسارة الحرب إلى أن تشعر الحكومة البريطانية – ومعها شعبها – بالإعياء من هذا الصراع وتكاليفه المتصاعدة . أما بريطانيا فكان عليها أن تهزم بلدا كبير المساحة وأن تستأصل بؤر التمرد الكثيرة فيه .

     لكن بريطانيا كانت تتمتع بموارد مالية غير محدودة – إذا جاز القول – ولم يكن لدى الأمريكيين موارد مالية تذكر , وبفضل مواردها تلك استطاعت بريطانيا تجييش أكبر أساطيل العالم وأفضلها (على الرغم من أن الأسطول انتهى إلى التقهقر والتراجع بصورة كبيرة منذ نهاية حرب السنوات السبع) .


     لم يكن للكونغرس أى سلطة فى فرض الضرائب وجبايتها . إذا كان مضطرا إلى تقدير متطلباته الملية , وان يسال الولايات توفير المال اللازم .

 ولم تستجب سوى قلة من الولايات – التى كانت مهتمة بتمويل المجهود الحربى – وبالتالى لم تصل نسبة الضرائب من الإيرادات الكلية إلا إلى نحو 6 فى المائة .

     وكان لابد من توفير الأموال الباقية من خلال الاقتراض , تارة من أمريكيين أثرياء التزموا بالقضية . وفى أحوال كثيرة من فرنسا وهولندا اللتين كانتا بالطبع أكثر حرصا على كسر شوكة البريطانيين من مجرد مساعدة الأمريكيين .

كما وفر هذان البلدان الى جانب المال نحو 60 فى المائة من بارود المدافع التى استخدمتها القوات الامريكية ومعظم اللباس العسكرى والاسلحة النارية .

بل أن البريطانيين انفسهم – ومن دون قصد منهم – وفروا كثيرا من العتاد العسكرى للقوات الامريكية . وفى اثناء الحرب استولت مراكب القرصنة الامريكية على نحو مائتى سفينة بريطانية تقدر قيمة حمولتها بنحو 18 مليون جنيه .

    وباستثناء القروض . كان مصدر التمويل الوحيد ضرب النقد . وقد أصدر الكونغرس القارى فى العام 1775 أذونات (صكوك) ائتمان قابلة للتداول أطلق عليها أسم كونتيننتال . ومع نهاية العام 1779 وصلت القيمة الاسمية لتلك الاذونات المصدر الى 225 مليون دولار على الاقل , وهو مبلغ جد كبير بالنسبة الى حجم الاقتصاد الامريكى فى ذلك الحين .

 هذا الارتفاع الحاد فى الكتلة النقدية (الذى تفاقم بفعل لجوء الولايات و الاقاليم الى الوسيلة نفسها) كانت نتيجة الحتمية زيادة هائلة فى مستويات التضخم .

 وتضاعفت الأسعار فى العام 1776 ثم تضاعفت مرة اخرى فى العامين التاليين .

وفى الفترة بين مطلع العام 1779 وبداية العام 1781 ارتفعت مستويات الاسعار بنحو عشرة اضعاف . وحاول الكونغرس استئصال المشكلة عبر اعادة تقويم الكونتيننتال الذى تدهورت قيمته الى 2.5 فى المائه من قيمته الاسمية وستجد عبارة (لا يساوى كونتيننتالا واحدا) طريقها الى القاموس الامريكى اكثر من مائة عام .

   اصدرت ماساتشوستس عفوا عن كل المتورطين (بمن فيهم دانييل شايز نفسه فى السنه التالية) . 

وكسب الانتخابات التشريعية متعاطفون مع تمرد شايز فى ربيع ذلك العام , و أصدروا تشريعا يعفى موجودات بعينها من حبس الرهن كالأدوات المنزلية و الملابس و معدات العمل .


   وعلى الرغم من أن تمرد شايز انتهى سريعا لكنه خلف أثرا كبيرا فى إدراك الناس للخلل الخطير فى أسلوب إدارة البلاد والحاجة إلى تغيير جذرى .

 وهذا ما مهد الطريق أمام انعقاد المؤتمر الدستورى فى فيلادلفيا , فى أواخر ذلك الربيع , وقرر على الفور انهاء العمل بالاحكام الفدرالية والبدء من نقطة الصفر من جديد .

وفى مايو 1787 نشرت إحدى صحف بوسطن – بتهكم – تعليقا على التغيرات التى طرأت على قانون المديونية التى أفضى إليها عصيان تشايز إلى أن العصيان نفسه قد يأتى بالقوانين أحيانا .

 وبالفعل ساعد عصيان شايز على صياغة الدستور .

0 التعليقات: