إستراتيجية الاستعمار والتحرير 17
مغزى الزحف :
السؤال الان : هذا الزحف التحريرى بنمطه
التاريخى الواضح , ماذا يقول للجغرافى ؟
حقيقتين بارزتين :
أولاهما: أن هناك فارقا
زمنيا طفيفا ولكنه دال بما فيه الكفايه بين قطاعات العالم القديم فى توقيت التحرير
. فمسار الحركة يرسم قوسا عكس عقارب الساعة يدور مع سواحل المحيط الهندى أو موازيا
له , بادئا فى اسيا الموسمية ومارا بالعالم العربى ثم منتهيا بأفريقيا المدارية .
ومعنى هذا بوجه عام أن التحرير العربى بدأ
زمنيا حيث انتهى التحرير الأسيوى , بينما حيث انتهى هو بدأ التحرير الأفريقى .
الحقيقة الثانيه : هى أن هذه الفروق
الزمنية لا تنفى أن زحف التحرير جميعا موجة واحدة متعاصرة ملتحما أساسا وإن تعددت
شعبا وتتابعت خطوات .
ولا ينبغى أن يخدعنا التفاوت الزمنى الدقيق عن ذلك . فالحركة
كلها مركزة فى نحو عشرين عاما لا تزيد , وهى – إذا وسعنا البؤرة قليلا – مجرد لحظة
فى مقياس التاريخ السياسى وحياة الأمم .
فأى معنى أذن لهاتين الظاهرتين , وهل لهما
مغزى نضالى خاص ؟
كثيرا ما تفسر المتتابعة الأولى على أن
التحرير العربى رد فعل تابع وظيفيا تال تاريخيا للمد الأسيوى ولكن هذا الترتيب
إنما هو ترتيب تواريخ الاستقلال الرسمى .
والتحرير العربى يمكن أن نقول إنه بدأ
منذ بدأ الاستعمار .
فكل الثورات و الانتفاضات فى الجزائر والمغرب الكبير وفى مصر
والشام والعراق والتى ترصع كل عقود القرن الماضى والحاضر دليل واضح . هل نريد
دليلا أوضح ؟
من المحقق تاريخيا أن ثورة سنة 1919 فى مصر
كان لها صدى هائل فى الهند خاصة واسيا عامة , وكانت وحيا لحركات تحريرية متلاحقة
هناك .
ومن ناحية اخرى فإنه إذا اخذنا الناحية الشكلية , فإن مصر تعد دولة مستقلة
ذات سيادة منذ سنة 1922 , وإلا فمنذ سنة 1936 . والعراق منذ سنة 1934 .
هذا عدا أن
سوريا ولبنان قد تحررتا فعلا قبل أى وحدة فى اسيا الموسمية .
و معنى هذا أن هذا
التحرير و إن تاخر ظاهريا فى مجموعة فى العالم العربى عنه فى اسيا الموسمية , فهو
أسبق واقعيا .
وهذا هو الترتيب المنطقى للاشياء , لأن
العالم العربى ليس أقرب إلى اوروبا فى الموقع الجغرافى فقط ولكن فى الموقع الحضارى
كذلك .
وكما أن القوة الحضارية النسبية للعالم العربى هى التى أخرت دخول الاستعمار
الغربى إليه طويلا عنه فى اسيا الموسمية , فإنها هى نفسها التى تفسر سبق التحرير
الفعلى العربى عن الاسيوى .
أما لماذا تأخر النجاح القانونى للتحرير العربى رغم
هذا السبق الحضارى والنضالى , فيرجع أساسا إلى الموقع الاستراتيجى للعالم العربى
كشريان المواصلات الاستعمارية مما جعل الاستعمار أكثر ما يكون تشبثا به وضراوة فيه
.
0 التعليقات:
إرسال تعليق