عن الحرب 45
خطوط المواصلات
للطرق
التى تؤدى من مواضع الجيش ورجوعا إلى المصادر الرئيسية للطعام وسد النقص ،
والملائمة كذلك لأن يختارها الجيش فى حالة التراجع ، غايتين ، فهى فى المرحلة أو
الحالة الأولى تدعى خطوط المواصلات المستخدمة لإدامة الجيش ، وتعد فى الثانية خطوط
الانسحاب .
خطوط
المواصلات هى جزء من هذه الوحدة (Unity) ،
لأنها توصل الجيش إلى قاعدته ، ويجب اعتبارها كالشرايين . وتستخدم تلك الطرق
باستمرار ولتسليم مختلف الأشياء ، كأرتال العتاد ، والوحدات والمفارز المتنقلة
جيئة وذهابا ، والسعاة وحاملى البريد ، وإلى المستشفيات والمستودعات ، واحتياط
الأعتدة ، والعناصر الإدارية ، وكلها دون استثناء من الأمور المهمة للجيش .
لذلك فلا يجوز قطع
تلك الشرايين بشكل دائم ، كما يجب ألا تكون طويلة أو يصعب استخدامها ، فالطريق
الطويل يعنى إهدار للطاقة على الدوام ، كما أنها تعمل على عرقلة وتعقيد ظروف الجيش
أما عن دورها الآخر كخطوط انسحاب فإنها تشكل المؤخرة الاستراتيجية للجيش
.
تعتمد قيمة الطرق ، ولكل الغرضين على طولها ،
وعددها ، واتجاهها (الاتجاه العم للطرق ، وكذلك اتجاهها ومسارها عند مرورها قرب
الجيش) ، وحالتها ، ووعورة الأرض ، وحالة ومشاعر السكان المحليين ، وأخيرا التغطية
والحماية التى توفرها القلاع والموانع الطبيعية .
طرق
المواصلات الحقيقية هى فقط تلك التى أقيمت عليها المستودعات والمستشفيات ، ونقاط
التحويل (Relay Points) والخدمات البريدية ، وكذلك
(قيادة) أمريات المواقع ، والانضباط العسكرى (شرطة الميدان) والحاميات .
مع
تقدم الجيش فى أراضى العدو ، فإنه يمضى فى إنشاء وحماية خطوط مواصلاته الرئيسية ،
وسيثير وجودها الكثير من المخاوف والهلع ، إلا أنها قد لا تزيد فى كل تدابيرها
ومنشآتها عما تفرضه الضرورة القاهرة ، مما قد يخفف من وقع آثارها فى نفوس السكان
الذين قد يمكن إقناعهم على اعتبارها كشئ مقبول أو حتى لتحسين وجه شيطان الحرب
العام . إن وضع الحاميات الصغيرة هنا وهناك سيديم ويعزز هذه المنظومة الرئيسية ،
ومن الناحية الأخرى فلو تنقل الآمرون ومسئولو الميرة والتموين ، والانضباط العسكرى
(الشرطة العسكرية) ومراصد الحماية ، والعناصر الإدارية ، ولمسافة طويلة وعلى طرق
لم تستخدم من قبل الجيش ، فسيرى السكان المحليين فى ذلك أعباء وتجاوزات لا ضرورة
لها .
وما
لم يكن اندحار جيش الأعداء قد ترك آثاره على السكان وحد من غلوائهم وأوصلهم إلى
حالة من الانهيار ، فقد يتعرض الرسميون فى أعلاه إلى بعض التجاوزات كما قد يعاملون
بعدوانية ، وقد يضربون أو يختطفون .
ومع
الطرق الحالية المتبعة لتموين الجيش ، فإن أى إرباك قصير الأمد لا يعد خطيرا ،
ويتطلب الأمر فى الحقيقة انقضاء وقت طويل قبل أن تتجمع الخسائر المنفردة وتتحول
إلى حجم كبير ومؤثر .
الأرض
لجغرافية وخصائص الأرض ، وفيما عدى عن تأثيرهما على مصادر التموين ،
فاشتباك يحدث فى منطقة جبلية سيختلف بحد ذاته وبما سيترتب عليه من نتائج دون شك عن
آخر يحدث فى أرض سهلة .
يمكن للجغرافية والأرض التأثير على العمليات العسكرية بثلاثة طرق : كمانع
على المقترب ، وكعائق فى تحديد الرؤيا ، كستر من النيران ، ويمكن إعادة كافة
السمات والتأثيرات الأخرى إلى الخصائص الثلاث هذه .
المناطق الجبلية ، والأحراج قليلة المزروعات والأهوار ، والمناطق الزراعية ،
وكل منها ستجعل حالة الحرب أكثر تعقيدا وبراعة .
التنقلات العسكرية فى
المناطق المكتظة بالأشجار مستحيلة تقريبا ، نظرا لوعورة وصعوبة المقتربات من ناحية
ولانعدام الرؤيا التام .
كلما
زاد انقسام القوة كلما قلت امكانية السيطرة عليها ، ويكون من الواضح عندها أن كل
رجل سيتصرف بمفرده ، وما من شك بطبيعة الحال أنه وكلما زاد تشتت وتشرذم العمليات ،
كلما زاد تنوعها وتخصصها ، وكلما فرض الموقف زيادة فى دور وأهمية الاستخبارات من
جهة ، وكلما زادت الفرص أمام القائد الأعلى نفسه لاظهار قدراته وتفوقه
وتصورنا أن جيشا
انفتح بكامله على خط نار واحد بحيث يقاتل كل جندى وكأنه فى معركة منفردة ، عندها
سيعتمد الكثير على مجموع الانتصارات الفردية أكثر مما على أنماط عملهم ، لذلك وفى
حالة كهذه تعد الشجاعة والمهارة والروح والحماس الفرديين عواملا حاسمة .
وفى
جميع الأراضى الوعرة ، يظل المشاة وبوضوح السلاح المتفوق ، لذا وفى مناطق كهذه
لابد من زيادة أعداد المشاة بكثرة تتجاوز النسب الاعتيادية .
المرتفعات الحاكمة
لكلمة
(حاكمة Dominate) فعل السحر فى فن الحرب ،
بذاتها فقط ، ويحتل هذا العنصر جزءا كبيرا ، بل وربما معظم التأثير الكلى الذى
تمارسه الأرض على استخدام القطعات .
وتستقر الهيمنة هذه فى جذور العديد من
التعابير والمصطلحات الراسخة (المقدسة) فى المعرفة والفنون العسكرية ، مثل
"الموضع الحاكم " و "الأراضى الحيوية " و " المناورات
الاستراتيجية " وما شاكل ذلك .
من
الصعب دائما ممارسة القوة المادية صعودا قياسا بممارستها فى الاتجاه الآخر ، أى
نزولا ، ولابد من مراعاة ذلك فى الاشتباك أيضا . وبوسعنا إيراد ثلاثة أسباب واضحة ،
أولها أن الأرض المرتفعة تعترض المقترب ، وثانيها ومع أنها لا تضيف أية زيادة
ملحوظة إلى المدى ، فإن اطلاق النار نحو الأسفل يظل ووفقا لجميع العلاقات الهندسية
ذات العلاقة أكثر دقة من اطلاق النار نحو الأعلى ، وثالثها أن المرتفعات تمنح
أبعادا أوسع كثيرا للرؤيا .
ستظهر
الفائدتين الأولى والثالثة فى المجال الاستراتيجى فالتنقل والاستطلاع يعدان جزء من
الاستراتيجية كما هما فى التعبية ، لذلك فلو منع موضع ما فى أرض مرتفعة تقرب أى
قوة من الأسفل ، فسيحقق ذلك الفائدة الثانية التى تنمو وتتراكم للاستراتيجية .
والرؤيا الأوسع التى توفرها الأرض المرتفعة هى الميزة الثالثة .
تكمن
فى تلك العناصر القوة التى تمنح الموضع الهيئة المهيمنة والإشراف والقيادة . وهى
المصدر الأساسى للتفوق والأمن للطرف الذى يتحكم بالجزء الأعلى من الجرف الجبلى ،
ويشرف على العدو فى الأقسام السفلى .
لذا قد يتجاوز الانطباع حدود الحقاءق ، وعلى أية حال فلابد من اعتبار مصيدة
الخيال هذه كعنصر إضافى فى تعزيز التأثير الحقيقى للأرض المرتفعة .
تقدم
الأرض المرتفعة ثلاث منافع استراتيجية : قوة تعبوية أعظم ، وحماية ضد أية مقتربات ،
وميدان أوسع للرؤية . وتحتسب الأوليتين وبسبب طبيعتهما بالذات للدفاع ، إذ لا يمكن
لغير الجانب الثابت استخدامهما – إذ لا يستطيع الجانب المتحرك ذلك ، أما الثالثة
فيمكن استخدامها من الاثنين معا .
وليس
بوسع أى جيش المحافظة على موضع فى حوض نهر كبير ما لم يكن قد فرض سيطرته على
المرتفعات المحيطة .
وهذا
يمكن أن يعنى احتلال الأرض العالية سيطرة حقيقية وتامة ، نحن لا ننكر حقيقة ذلك ، لكن وبعد قول وعمل كل ما يمكن ،
تبدو هذه المصطلحات مثل "المنطقة المسيطرة " و " الموضع الساتر
" و " مفتاح المنطقة " وبقدر تعلق الأمر بالإشارة إلى الأراضى
العالية والواطئة ، لا أكثر من محارات وقواقع خالية ، تخلو من أى شئ ذو قيمة
لقد استخدمت تلك العناصر البراقة للنظرية كتلوينات زائفة لإدعاءات عسكرية
ظاهرة الزيف ، كتلك التى باتت سلعة شائعة بين كبار العسكريين التقليديين والعصا
السحرية التى يتباهى بها أساتذة الاستراتيجية النظريين .
إذا
كان القرار يعتمد فقط على عدد من الانتصارات بحجم ما ، فسيكون ن الواضح أن
الاعتبار الأول هو لتوازن النسبى للجيشين وقائديهما . تستطيع الأرض أن تلعب دورا
صغيرا فقط .
0 التعليقات:
إرسال تعليق