23‏/10‏/2016

عن الحرب 45

عن الحرب 45


خطوط المواصلات

   للطرق التى تؤدى من مواضع الجيش ورجوعا إلى المصادر الرئيسية للطعام وسد النقص ، والملائمة كذلك لأن يختارها الجيش فى حالة التراجع ، غايتين ، فهى فى المرحلة أو الحالة الأولى تدعى خطوط المواصلات المستخدمة لإدامة الجيش ، وتعد فى الثانية خطوط الانسحاب .

   خطوط المواصلات هى جزء من هذه الوحدة (Unity) ، لأنها توصل الجيش إلى قاعدته ، ويجب اعتبارها كالشرايين . وتستخدم تلك الطرق باستمرار ولتسليم مختلف الأشياء ، كأرتال العتاد ، والوحدات والمفارز المتنقلة جيئة وذهابا ، والسعاة وحاملى البريد ، وإلى المستشفيات والمستودعات ، واحتياط الأعتدة ، والعناصر الإدارية ، وكلها دون استثناء من الأمور المهمة للجيش . 

  لذلك فلا يجوز قطع تلك الشرايين بشكل دائم ، كما يجب ألا تكون طويلة أو يصعب استخدامها ، فالطريق الطويل يعنى إهدار للطاقة على الدوام ، كما أنها تعمل على عرقلة وتعقيد ظروف الجيش 

         أما عن دورها الآخر كخطوط انسحاب فإنها تشكل المؤخرة الاستراتيجية للجيش . 

   تعتمد قيمة الطرق ، ولكل الغرضين على طولها ، وعددها ، واتجاهها (الاتجاه العم للطرق ، وكذلك اتجاهها ومسارها عند مرورها قرب الجيش) ، وحالتها ، ووعورة الأرض ، وحالة ومشاعر السكان المحليين ، وأخيرا التغطية والحماية التى توفرها القلاع والموانع الطبيعية .
   طرق المواصلات الحقيقية هى فقط تلك التى أقيمت عليها المستودعات والمستشفيات ، ونقاط التحويل (Relay Points) والخدمات البريدية ، وكذلك (قيادة) أمريات المواقع ، والانضباط العسكرى (شرطة الميدان) والحاميات .

   مع تقدم الجيش فى أراضى العدو ، فإنه يمضى فى إنشاء وحماية خطوط مواصلاته الرئيسية ، وسيثير وجودها الكثير من المخاوف والهلع ، إلا أنها قد لا تزيد فى كل تدابيرها ومنشآتها عما تفرضه الضرورة القاهرة ، مما قد يخفف من وقع آثارها فى نفوس السكان الذين قد يمكن إقناعهم على اعتبارها كشئ مقبول أو حتى لتحسين وجه شيطان الحرب العام . إن وضع الحاميات الصغيرة هنا وهناك سيديم ويعزز هذه المنظومة الرئيسية ، 

ومن الناحية الأخرى فلو تنقل الآمرون ومسئولو الميرة والتموين ، والانضباط العسكرى (الشرطة العسكرية) ومراصد الحماية ، والعناصر الإدارية ، ولمسافة طويلة وعلى طرق لم تستخدم من قبل الجيش ، فسيرى السكان المحليين فى ذلك أعباء وتجاوزات لا ضرورة لها . 

   وما لم يكن اندحار جيش الأعداء قد ترك آثاره على السكان وحد من غلوائهم وأوصلهم إلى حالة من الانهيار ، فقد يتعرض الرسميون فى أعلاه إلى بعض التجاوزات كما قد يعاملون بعدوانية ، وقد يضربون أو يختطفون .

   ومع الطرق الحالية المتبعة لتموين الجيش ، فإن أى إرباك قصير الأمد لا يعد خطيرا ، ويتطلب الأمر فى الحقيقة انقضاء وقت طويل قبل أن تتجمع الخسائر المنفردة وتتحول إلى حجم كبير ومؤثر .

الأرض

   لجغرافية وخصائص الأرض ، وفيما عدى عن تأثيرهما على مصادر التموين ، فاشتباك يحدث فى منطقة جبلية سيختلف بحد ذاته وبما سيترتب عليه من نتائج دون شك عن آخر يحدث فى أرض سهلة .        

 يمكن للجغرافية والأرض التأثير على العمليات العسكرية بثلاثة طرق : كمانع على المقترب ، وكعائق فى تحديد الرؤيا ، كستر من النيران ، ويمكن إعادة كافة السمات والتأثيرات الأخرى إلى الخصائص الثلاث هذه .


   المناطق الجبلية ، والأحراج قليلة المزروعات والأهوار ، والمناطق الزراعية ، وكل منها ستجعل حالة الحرب أكثر تعقيدا وبراعة .  

 التنقلات العسكرية فى المناطق المكتظة بالأشجار مستحيلة تقريبا ، نظرا لوعورة وصعوبة المقتربات من ناحية ولانعدام الرؤيا التام .

   كلما زاد انقسام القوة كلما قلت امكانية السيطرة عليها ، ويكون من الواضح عندها أن كل رجل سيتصرف بمفرده ، وما من شك بطبيعة الحال أنه وكلما زاد تشتت وتشرذم العمليات ، كلما زاد تنوعها وتخصصها ، وكلما فرض الموقف زيادة فى دور وأهمية الاستخبارات من جهة ، وكلما زادت الفرص أمام القائد الأعلى نفسه لاظهار قدراته وتفوقه 

 وتصورنا أن جيشا انفتح بكامله على خط نار واحد بحيث يقاتل كل جندى وكأنه فى معركة منفردة ، عندها سيعتمد الكثير على مجموع الانتصارات الفردية أكثر مما على أنماط عملهم ، لذلك وفى حالة كهذه تعد الشجاعة والمهارة والروح والحماس الفرديين عواملا حاسمة . 

   وفى جميع الأراضى الوعرة ، يظل المشاة وبوضوح السلاح المتفوق ، لذا وفى مناطق كهذه لابد من زيادة أعداد المشاة بكثرة تتجاوز النسب الاعتيادية .

المرتفعات الحاكمة

   لكلمة (حاكمة Dominate) فعل السحر فى فن الحرب ، بذاتها فقط ، ويحتل هذا العنصر جزءا كبيرا ، بل وربما معظم التأثير الكلى الذى تمارسه الأرض على استخدام القطعات .

 وتستقر الهيمنة هذه فى جذور العديد من التعابير والمصطلحات الراسخة (المقدسة) فى المعرفة والفنون العسكرية ، مثل "الموضع الحاكم " و "الأراضى الحيوية " و " المناورات الاستراتيجية " وما شاكل ذلك .

   من الصعب دائما ممارسة القوة المادية صعودا قياسا بممارستها فى الاتجاه الآخر ، أى نزولا ، ولابد من مراعاة ذلك فى الاشتباك أيضا . وبوسعنا إيراد ثلاثة أسباب واضحة ،

 أولها أن الأرض المرتفعة تعترض المقترب ، وثانيها ومع أنها لا تضيف أية زيادة ملحوظة إلى المدى ، فإن اطلاق النار نحو الأسفل يظل ووفقا لجميع العلاقات الهندسية ذات العلاقة أكثر دقة من اطلاق النار نحو الأعلى ، وثالثها أن المرتفعات تمنح أبعادا أوسع كثيرا للرؤيا .


   ستظهر الفائدتين الأولى والثالثة فى المجال الاستراتيجى فالتنقل والاستطلاع يعدان جزء من الاستراتيجية كما هما فى التعبية ، لذلك فلو منع موضع ما فى أرض مرتفعة تقرب أى قوة من الأسفل ، فسيحقق ذلك الفائدة الثانية التى تنمو وتتراكم للاستراتيجية . والرؤيا الأوسع التى توفرها الأرض المرتفعة هى الميزة الثالثة .

   تكمن فى تلك العناصر القوة التى تمنح الموضع الهيئة المهيمنة والإشراف والقيادة . وهى المصدر الأساسى للتفوق والأمن للطرف الذى يتحكم بالجزء الأعلى من الجرف الجبلى ، ويشرف على العدو فى الأقسام السفلى .       

                لذا قد يتجاوز الانطباع حدود الحقاءق ، وعلى أية حال فلابد من اعتبار مصيدة الخيال هذه كعنصر إضافى فى تعزيز التأثير الحقيقى للأرض المرتفعة .

   تقدم الأرض المرتفعة ثلاث منافع استراتيجية : قوة تعبوية أعظم ، وحماية ضد أية مقتربات ، وميدان أوسع للرؤية . وتحتسب الأوليتين وبسبب طبيعتهما بالذات للدفاع ، إذ لا يمكن لغير الجانب الثابت استخدامهما – إذ لا يستطيع الجانب المتحرك ذلك ، أما الثالثة فيمكن استخدامها من الاثنين معا .

   وليس بوسع أى جيش المحافظة على موضع فى حوض نهر كبير ما لم يكن قد فرض سيطرته على المرتفعات المحيطة .

   وهذا يمكن أن يعنى احتلال الأرض العالية سيطرة حقيقية وتامة ، نحن لا ننكر  حقيقة ذلك ، لكن وبعد قول وعمل كل ما يمكن ، تبدو هذه المصطلحات مثل "المنطقة المسيطرة " و " الموضع الساتر " و " مفتاح المنطقة " وبقدر تعلق الأمر بالإشارة إلى الأراضى العالية والواطئة ، لا أكثر من محارات وقواقع خالية ، تخلو من أى شئ ذو قيمة 

 لقد استخدمت تلك العناصر البراقة للنظرية كتلوينات زائفة لإدعاءات عسكرية ظاهرة الزيف ، كتلك التى باتت سلعة شائعة بين كبار العسكريين التقليديين والعصا السحرية التى يتباهى بها أساتذة الاستراتيجية النظريين .


   إذا كان القرار يعتمد فقط على عدد من الانتصارات بحجم ما ، فسيكون ن الواضح أن الاعتبار الأول هو لتوازن النسبى للجيشين وقائديهما . تستطيع الأرض أن تلعب دورا صغيرا فقط .  

0 التعليقات: