23‏/10‏/2016

عن الحرب 49

عن الحرب 49


أنواع المقاومة

   يكمن جوهر الدفاع فى تفادى الهجوم ، ويتضمن ذلك بالمقابل ، الانتظار ، وهو عندنا السمة الأساسية للدفاع ، وفائدته الرئيسية كذلك .

   تفرض طبيعة الموضوع إعطاء أهمية كبيرة جدا للانتظار ، ومن قبيل التأكيد فالمنتظرين الأوائل لم يمنحوا الانتظار قيمة المفهوم المستقل ، إلا أنه وفى التطبيق قد لعب دور الدليل الموجه ، الانتظار سمة برزة وأساسية فى كل الحروب .

   لقد أوضحنا أن الانتظار والعمل – والأخير يأتى كإجابة سريعة أو طعنة ماضية ، دائما ، لذا فهو رد فعل – يشكلان معا أجزاء أساسية من الدفاع ، فبدون الأول ليس هناك من دفاع ، وبدون الثانى فليست من حرب .

   رد الفعل ، الصفحة الأخرى ، أى إمكانية رد الفعل الذى يمتد إلى مجال التعرض الاستراتيجى الفعلى ، ويجب أن نصر على أن فكرة الانتقام ، تظل أساسية فى كل دفاع ، وبخلاف ذلك ، 

وبغض النظر عن حجم الدمار الذى تسببه الصفحة الأولى من رد الفعل ، التى لو نجحت للعدو ، سيظل التوازن الدقيق مطلوبا فى استعادة العلاقة الحية ( الديناميكية ) بين الهجوم والدفاع .

   لنتأمل فى جيش ما كلف بالدفاع عن مسرحه للعمليات ، فقد يحقق ذلك بالطرق التالية :

1-   يمكن أن يهاجم العدو فى لحظة اجتياحه لمسرحه للعمليات .

2-   يمكن احتلاله لموضع قريب من الحدود حتى ظهور العدو ، والبدء باستعدادات الهجوم ، ومن ثم مهاجمته أولا .

3-   يمكنه الانتظار، ليس فقط لقرار العدو بالهجوم – أى ظهوره الفعلى أمام الموضع – بل وشنه للهجوم فعلا .

4-   بوسعه الانسحاب إلى داخل البلاد والمقاومة هناك ، والغاية من هذا الانسحاب هى إضعاف العدو وإلى الحد الذى يوقف فيه تقدمه بنفسه وبدون إكراه أو تدخل ، أو على الأقل بدرجة من الضعف يعجز معها عن التغلب على المقاومة التى سيواجهها فيما بعد .      

    وأكثر الأمثلة بساطة وروعة هى الحالة التى يستطيع المدافع أن يترك خلفه حصنا أو اثنين يتوجب على المهاجم مراقبتها (تثبيتها) أو محاصرتها ، ولاشك فى أن ذلك سيضعف المهاجم ، ويوفر فرصة للمدافع بمهاجمته فى النقطة التى يرى المدافع أن له اليد العليا فيها .                                              

   وحتى حيث لا توجد قلاع ، فبوسع تراجع كهذا نحو الداخل إعادة التفوق أو قلب التوازن لصالح المدافع بإطالة المقاومة وتأخيرها .

   فإذا نوينا خوض معركة دفاعية وتركنا المبادأة واختيار الوقت للعدو ، فستتاح له الفرصة للبقاء فى المنطقة التى احتلتها لفترة طويلة .

   وهكذا سيحاول المدافع زيادة قوته آنيا على أن يدفع ثمن ذلك لاحقا – وبكلمة أخرى فهو يستدين وكأى شخص آخر ، أكثر مما يحتاجه فعلا .

   وسيحين موعد القرار الحاسم ، وطالما أن قوة المدفع فى تزايد يوما بعد آخر ، وعلى العكس من ذلك حال المهاجم ، فإن تأخر القرار الحاسم سيكون فى مصلحة الأول تماما ،

 ونقطة الذروة التى لابد من وصولها ، وعندها لا بد للمدافع أن يحسم أمره ويبدأ العمل ، عندما تكون فائدة الانتظار قد استنزفت بالكامل .

    ما من طريقة دقيقة ومعصومة عن الخطأ فى تحديد وصول نقطة الذروة هذه ، لقد افترضنا فى مناقشتنا وباستمرار أن يأتى الحسم على شكل معركة ، إلا أن ذلك ليس بالضرورة على هذه الصورة ،
 ويمكن تصورأى عدد من الاشتباكات لقوات صغيرة يمكن أن تؤدى إلى تغيير فى الميزان ، إما لأنها تنتهى بمذبحة حقيقية ، أو لأنها تؤدى بمجموعها لاجبار العدو على التراجع .

   ليس هناك نوع آخر للحسم فى مسرح العمليات نفسه ، وحتى لو أجبر جيش العدو على التراجع بسبب نقص المواد الغذائية ، فإن عاملا كهذا حدث بسبب التحديدات التى بوسع قواتنا فرضها على العدو . ولولا وجود جيشنا لوجد العدو بالتـأكيد طرقا عديدة لإنقاذ نفسه .

   أعدت كافة الحملات التى عرفت بإطالة الوقت والمماطلة ، وخططت وفقا لحسابات تتوخى أساسا تدمير العدو بدفعه إلى إجهاد واستنزاف قدراته ، كحملات (فابيوس كانكتير) .


   وعلى العموم فهناك العديد من الحملات التى ربحت وفقا لهذا المبدأ دون أن يشير أحد من الناس إلى ذلك بوضوح ، وبوسع المرء الوصول إلى السبب الحقيقى الحاسم ، 

لو تجاهل فقط شروح وتخريجات المؤرخين التى يصعب فهمها ، ويتولى بنفسه بدلا عن ذلك تفحص الأحداث بدقة . 

0 التعليقات: