عن الحرب 49
أنواع المقاومة
يكمن
جوهر الدفاع فى تفادى الهجوم ، ويتضمن ذلك بالمقابل ، الانتظار ، وهو عندنا السمة
الأساسية للدفاع ، وفائدته الرئيسية كذلك .
تفرض
طبيعة الموضوع إعطاء أهمية كبيرة جدا للانتظار ، ومن قبيل التأكيد فالمنتظرين
الأوائل لم يمنحوا الانتظار قيمة المفهوم المستقل ، إلا أنه وفى التطبيق قد لعب
دور الدليل الموجه ، الانتظار سمة برزة وأساسية فى كل الحروب .
لقد
أوضحنا أن الانتظار والعمل – والأخير يأتى كإجابة سريعة أو طعنة ماضية ، دائما ،
لذا فهو رد فعل – يشكلان معا أجزاء أساسية من الدفاع ، فبدون الأول ليس هناك من
دفاع ، وبدون الثانى فليست من حرب .
رد
الفعل ، الصفحة الأخرى ، أى إمكانية رد الفعل الذى يمتد إلى مجال التعرض
الاستراتيجى الفعلى ، ويجب أن نصر على أن فكرة الانتقام ، تظل أساسية فى كل دفاع ،
وبخلاف ذلك ،
وبغض النظر عن حجم الدمار الذى تسببه الصفحة الأولى من رد الفعل ،
التى لو نجحت للعدو ، سيظل التوازن الدقيق مطلوبا فى استعادة العلاقة الحية (
الديناميكية ) بين الهجوم والدفاع .
لنتأمل فى جيش ما كلف بالدفاع عن مسرحه للعمليات ، فقد يحقق ذلك بالطرق
التالية :
1- يمكن أن يهاجم العدو فى لحظة اجتياحه لمسرحه
للعمليات .
2- يمكن احتلاله لموضع قريب من الحدود حتى ظهور
العدو ، والبدء باستعدادات الهجوم ، ومن ثم مهاجمته أولا .
3- يمكنه الانتظار، ليس فقط لقرار العدو بالهجوم –
أى ظهوره الفعلى أمام الموضع – بل وشنه للهجوم فعلا .
4- بوسعه الانسحاب إلى داخل البلاد والمقاومة هناك ،
والغاية من هذا الانسحاب هى إضعاف العدو وإلى الحد الذى يوقف فيه تقدمه بنفسه
وبدون إكراه أو تدخل ، أو على الأقل بدرجة من الضعف يعجز معها عن التغلب على
المقاومة التى سيواجهها فيما بعد .
وأكثر الأمثلة بساطة وروعة هى الحالة التى يستطيع المدافع أن يترك خلفه
حصنا أو اثنين يتوجب على المهاجم مراقبتها (تثبيتها) أو محاصرتها ، ولاشك فى أن
ذلك سيضعف المهاجم ، ويوفر فرصة للمدافع بمهاجمته فى النقطة التى يرى المدافع أن
له اليد العليا فيها .
وحتى حيث لا توجد قلاع ، فبوسع تراجع كهذا نحو الداخل إعادة التفوق أو قلب
التوازن لصالح المدافع بإطالة المقاومة وتأخيرها .
فإذا نوينا خوض معركة دفاعية وتركنا المبادأة
واختيار الوقت للعدو ، فستتاح له الفرصة للبقاء فى المنطقة التى احتلتها لفترة
طويلة .
وهكذا
سيحاول المدافع زيادة قوته آنيا على أن يدفع ثمن ذلك لاحقا – وبكلمة أخرى فهو
يستدين وكأى شخص آخر ، أكثر مما يحتاجه فعلا .
وسيحين موعد القرار الحاسم ، وطالما أن قوة المدفع فى تزايد يوما بعد آخر ،
وعلى العكس من ذلك حال المهاجم ، فإن تأخر القرار الحاسم سيكون فى مصلحة الأول
تماما ،
ونقطة الذروة التى لابد من وصولها ، وعندها لا بد للمدافع أن يحسم أمره
ويبدأ العمل ، عندما تكون فائدة الانتظار قد استنزفت بالكامل .
ما
من طريقة دقيقة ومعصومة عن الخطأ فى تحديد وصول نقطة الذروة هذه ، لقد افترضنا فى
مناقشتنا وباستمرار أن يأتى الحسم على شكل معركة ، إلا أن ذلك ليس بالضرورة على
هذه الصورة ،
ويمكن تصورأى عدد من الاشتباكات لقوات صغيرة يمكن أن تؤدى إلى تغيير
فى الميزان ، إما لأنها تنتهى بمذبحة حقيقية ، أو لأنها تؤدى بمجموعها لاجبار
العدو على التراجع .
ليس
هناك نوع آخر للحسم فى مسرح العمليات نفسه ، وحتى لو أجبر جيش العدو على التراجع
بسبب نقص المواد الغذائية ، فإن عاملا كهذا حدث بسبب التحديدات التى بوسع قواتنا
فرضها على العدو . ولولا وجود جيشنا لوجد العدو بالتـأكيد طرقا عديدة لإنقاذ نفسه
.
أعدت
كافة الحملات التى عرفت بإطالة الوقت والمماطلة ، وخططت وفقا لحسابات تتوخى أساسا
تدمير العدو بدفعه إلى إجهاد واستنزاف قدراته ، كحملات (فابيوس كانكتير) .
وعلى
العموم فهناك العديد من الحملات التى ربحت وفقا لهذا المبدأ دون أن يشير أحد من
الناس إلى ذلك بوضوح ، وبوسع المرء الوصول إلى السبب الحقيقى الحاسم ،
لو تجاهل
فقط شروح وتخريجات المؤرخين التى يصعب فهمها ، ويتولى بنفسه بدلا عن ذلك تفحص
الأحداث بدقة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق