24‏/10‏/2016

عن الحرب 55

عن الحرب 55


الدفاع عن الأنهار والوديان

   يشكل وادى أى نهر مهم ، ومع روافده مانعا طبيعيا مهما ، ويعد بذلك ركنا أساسيا فى الدفاع .
   فالجيش المدافع قرب نهر رئيسى( لكن ليس أقل من مسيرة يوم عادية إلى خلفه ) هو جيش فى موضع قوى جدا دون شك ، سيمنحه قدرا كبيرا من العون من خلال الأمن الى سيوفره لمؤخرته الاستراتيجية ، وعلى الأخص خطوط مواصلاته .   

 وكلما زادت المسافة بين النهر والجيش ، كلما قلت فائدته ، حتى تختفى قيمته تماما عند مسافة معينة .

   من الناحية العامة ، يعد دور النهر كوسيلة نقل ، من بين أكثر جوانبه منفعة لصالح المهاجم ، شرط أن يكون عموديا على الجبهة ، إلا أن خطوط النقل ستكون طويلة وبالتالى تسبب معضلات أكبر فى نقل مدخرات التموين .

الدفاع عن الأهوار ( المستنقعات )

   ملاحظتها الأولى والرئيسية منها هى صعوبة اجتياز المستنقعات من قبل المشاه ما لم تكن هناك سدود ولا حواجز لذلك ، وهى فى هذا أصعب فى العبور حتى من الأنهار ،

أما السدود فهى ليست مما يمكن انشاؤه بسرعة كالجسور من ناحية ، كما لا تتوافر هنا معدات ووسائل وقتية أو فورية للعبور إلى الجانب الآخر من أجل حماية وتسريع بناء السدود من الناحية الأخرى ، إذ ليس بوسع قوة ما البدء ببناء الجسر إلا بعد إيصال قوة متقدمة بالزوارق إلى الجانب الآخر ، ويستحيل فعل ذلك فى المستنقعات .

   السمة الثانية للأهوار هى تعذر إتلاف معدات العبور نهائيا ، وكما كان ذلك ممكنا فى الأنهار إذ كان يكفى تفكيك أو تدمير الجسر لمنع استخدامه ثانية ، 

والنتيجة الطبيعية لذلك هى ضرورة مسك السدود القاءمة بقوة كافية والدفاع عنها بقوة وجدية إن أريد الاستفادة عسكريا من تلك المستنقعات بأى شكل .

   لذلك ليست الأهوار من هذه الناحية مفيدة جدا كالأنهار الكبيرة ، 

ومع ذلك على المرء أن يتذكر أن معظم المستنقعات والأهوار أعرض كثيرا من من أكثر الأنهار عرضا فى أوربا وإلى حد يتعذر معه شل أوتدمير، أى موضع أعد للدفاع عن نقطة عبور ،

 بالقوة النارية من على الضفة البعيدة ، لأن السدود الطويلة والضيقة تزيد من تأثير رمى المدافع بدرجة كبيرة ، ويعنى ذلك كثيرا من التأخير فى اجتياز سد ترابى ضيق بطول ميل أو ميلين .


   يعد الدفاع عن أية مستنقعات ، أو مراع مغمورة بالمياه ، أو أهوار ، أو مناطق رخوة أو ضحلة المياه ، والتى لا يمكن اجتيازها إلا من مجازات وممرات خاصة لا على سدود ،

 يعد الدفاع فيها أصعب الأمور وأكثرها خطورة ، واكتشاف العدو ولو لنقطة عبور واحدة هنا قد يكفى لخرق وتمزيق الخط الدفاعى بكامله ، مما يؤدى فى الحالات التى يظهر المدافع فيها مقاومة جادة إلى خسائر كبيرة .

الدفاع عن الغابات

   إن مجال الرصد والمناطق المفتوحة التى لا تحدد أو تعيق الرؤيا من مصلحة المدافع أكثر مما للمهاجم .

الطوق The Gordon

   نعنى بالطوق أية منظومة دفاعية من سلسللة مواقع مترابطة وتهدف إلى توفير حماية مباشرة لمنطقة ما .

   فما يتوخاه الطوق إذن هو صيد هجوم خفيف – وهو كذلك أما لحذر المهاجم وتردده ، أو لقلة ما لدى المهاجم من قوات . 

 ذلك هو ما حققه جدار الصين العظيم ، الحماية ضد غارات التتر .

مفتاح المنطقة ( النقاط المفتاحية )

   ما من مفهوم نظرى فى فن الحرب أحب إلى قلوب المفكرين والنقاد من المفهوم موضوع المناقشة هنا ، لقد كان الجائزة التى تصور ما لا يحصى من المعارك والحملات ،

والأطروحة المفضلة للعديد من المناقشات والبحوث – وواحد من المصطلحات العلمية الزائفة التى يحاول المفكرون من خلالها إظهار براعتهم .رغم أنه لم يتم حتى الآن إرساء هذا المفهوم أو تحديده بدقة كافية .

   تكمن خلف ذلك كله ، هذه الاستعارة اللفظية العسكرية الجليلة ، عن " مفتاح المنطقة " فكرة مشوشة وغامضة ، وترمز أحيانا إلى معظم المنطقة المفتوحة للبلاد ، 

وأحيانا إلى المنطقة التى يدافع عنها بقوة .


   فإن كانت هناك منطقة ما، لا يمكن المخاطرة بالتقدم فى لأرض العدو من دون امتلاكها والسيطرة عليها ، فقد يصح وصفها بأنها تعد مفتاحا للمنطقة . إلا أن هذا المفهوم البسيط ، وبصراحة لايرضى المنظرين ويعدونه غير كاف وليس ذو قيمة كبيرة ، لأنهم رفعوه إلى أعلى الدرجات ، واستخدموه لتصوير النقاط التى تمكنك من خلالها امتلاك البلاد بكاملها .


   لقد بدأت هذه التعويذة بالظهور فى الكتابات منذ خمسين سنة مضت ، وبلغت ذروتها فى نهاية القرن الثامن عشر ، وبغض النظرعن القوة الطاغية ، 

والثقة والمنطق التى ألغت فيها قيادة نابليون بونابرت المفاهيم العسكرية السابقة ، ظلت هذه الوصفة السحرية ، التى ما استبطت إلا لإبقاء سيطرة سيطرة وإن تكن ليست قوية على الحياة ، وواصلت دفع خيوطها الهشة بين سطور الكتابات( العسكرية ).

   لنتجاهل تعريفنا للنقطة المفتاح ، إذ من الواضح أن فى كل بلاد بعض المواقع ذات الأهمية الاستثنائية ، فحيث تلتقى عدة طرق ، أو حيث يسهل خزن وتكديس  المدخرات ومعدات التموين ، وحيثما يستطيع المرء التحرك فى عدة اتجاهات .

   الخلاصة فهى المواقع التى تحقق السيطرة عليها عددا من المطالب ، والتى توفر كذلك عددا من الفوائد ، فلو أراد أحد القادة بيان أهمية نقطة كهذه بكلمة واحدة ، فهو سيود أن يدعوها " مفتاح المنطقة " ، وليس من السهل الاعتراض على ذلك ، وعلى العكس من ذلك فالمصطلح مناسب ومقبول . 

 أما إذا أريد لهذه العبارة البارعة أن تتضخم وتغدو نواة لمنظومة كاملة ، ثم تتفرع فى اتجاهات مختلفة كأغصان الشجرة الوارفة ، عندها فإن الإدراك الغريزى جدير بان يحذرك وان تلزم نفسك بالمعنى الواضح والدقيق للمصطلح . أعلى نقطة على طريق جبلى تعتبر عادة النقطة الحاسمة .

   إن كان مصطلح " الموضع المتاح " سيرقى إلى أن يصبح مفهوما استراتيجيا مستقلا ، فكل ما يمكن أن يعنيه هو منطقة ما ، يتوجب احتلالها قبل المخاطرة بالتقدم فى أرض العدو ،

 أما إن كانت الفكرة ستتسع من ناحية أخرى ، لتشمل أية نقطة يسهل النفاذ إلى المنقطة ، أو نقطة حيوية ومركزية لا خلاف حول أهميتها ، فإن المصطلح يبدأ بفقدان معناه الواضح والمحدد ، وتقل قيمته بالتالى تبعا لذلك ، وسيرمز بعد ذلك فق إلى شئ يمكن أن نجده فى كل مكان تقريبا ، ولن يغدو أكثر من عبارات مقنعة وحسنة الصياغة .



   فالمفتاح الحقيقى إلى أرض العدو هى عادة جيشه ، فإن كانت الأرض ستحتل أسبقية على القوة العسكرية ، فيجب أن تكون تلك الأرض من النوع الذى يعد بظروف مفيدة بشكل استثنائى ، فإن توفرت أرض كهذه فسيمكن عندها تحديدها بسمتين مهمتين للغاية :

 الأولى : وهى أن المقاومة التى ستبديها القوة المنفتحة فى ذلك المكان المعنى ستتحسن وتزداد قوة بفعل إسناد ودعم الأرض لها .     

 والثانية : هى أن هذا الموضع يهدد بقوة وفاعلية خطوط مواصلات العدو ، قبل أن يهدد ذلك العدو خطوط مواصلاتنا . 

0 التعليقات: