عن الحرب 60
بوسع القائد تأطير وتوجيه العصيان الشعبى ،
بإسناد العصاة بوحدات (مفارز) صغيرة من الجيش النظامى ، وبدون مثل هذه القطعات
النظامية المرسلة للتشجيع وكسب الثقة ، فلن تتنامى الثقة بين أبناء الشعب ولن
يبادروا إلى حمل السلاح ، وكلما زادت قوة الوحدات المكلفة بهذا الواجب ، كلما كانت
أكثر فاعلية وإلفاتا للنظر وكلما طالت مدة بقائها وكبرت كتلتها النهائية .
كما
أن التجارب من الناحية الأخرى تظهر لنا أن وضع الكثير جدا من الوحدات النظامية فى
منطقة ما ، جدير بالقضاء على حيوية وفاعلية العصيان الشعبى من خلال جذب الكثير من
قطعات العدو بالمقابل ، يضاف إلى ذلك أن المواطنين سيلقون بالكثير من الأعباء على
القوات النظامية ، وأخيرا فإن تواجد أعداد كبيرة من القوات النظامية سيثقل كاهل
الموارد المحلية بطرق ووسائل أخرى ، أى من خلال الإيواء ، والتنقل والإعاشة وغيرها
.
الوسيلة االأخرى فى تجنب ردود فعل معادية ومؤثرة ضد الثورة الشعبية هى ،
وفى الوقت نفسه ، واحدة من المبادئ الأساسية للعصيان الثورى ، وهى فى قلة او عدم
القبول نهائيا بتحول هذه الوسيلة الاستراتيجية المهمة فى الدفاع إلى دفاع تعبوى ،
فالأعمال الثورية تشبه فى خاصيتها لانواع القتال الأخرى التى تخوضها قطعات من الدرجة
– الثانية والتى تبدأ عادة بحيوية وحماس كاملين ، إلا أنها تخلو من الحصافة والدقة
والتماسك على المدى البعيد ، وأكثر من ذلك ، فليس مهما دحر وتشتيت قوة عصابات –
فهذا هو ما أعدت له – على أن لا يتم الاندحار عبر موت وأسر الكثير من الرجال ،
أو
إصابتهم بجراح إذ سرعان ما سيؤدى اندحار كهذا إلى إخماد روح الحماس ، وكل من هاتيك
الخصائص تعد غريبة تماما عن طبيعة الدفاع التعبوى ، إذ يجب ان يتسم العمل الدفاعى
بالبطء والإصرار ، والحسابات الدقيقة ، وأن يتسبب بمخاطر أكيدة ، لأن أية محاولة
مجردة وغير جادة ويمكن إلغائها ساعة نشاء لا يمكن أن تقود إلى أى دفاع ناجح .
فبغض
النظر عن مدى شجاعة الشعب ، ولا عما تتضمنه تقاليده من حماس وتضحية حربية ، وبغض
النظر عن شدة وعمق حقده على العدو ، ومهما كانت الأرض التى تتحرك الثورة ضمنها
ملائمة للقتال ، فلن يغير كل ذلك الحقيقة القائمة فى عجز الثورة الشعبية عن إدامة
نفسها واستمرارها عندما تكون الظروف السائدة مليئة بالمخاطر ، لذلك فإن أريد
لوقودها السريان فى الهشيم والتحول إلى حريق هائل ، فيجب ألا تتجاوز حدودا بعينها
وحيث يتيسر لها ما يكفى من الهواء ، إذ لا يمكن إخماد ثورة ما بضربة واحدة .
على الحكومة أن لا تفترض مطلقا أن مصير بلدها ،
ووجوده كلية ، معلق على نتيجة معركة واحدة ، مهما كانت قوة أو درجة حرارة حسمها ،
إذ وحتى بعد الاندحار هناك وعلى الدوام إمكانية انقلاب الحظ بفعل تطوير واستغلال
لموارد جديدة للقوى الداخلية ، أو من خلال المعاناة الطبيعية والمتتالية التى
تقاسيها كل الأعمال التعرضية على المدى البعيد ، أو بفعل مساعدات خارجية .
المهم
فى الحرب ، وأكثر مما فى اى شئ آخر ، هو الكل الذى يتحكم فى كافة الأجزاء ،
ويطبعها بطابعه ، ويغيرها جذريا ، وعلى العكس ، يبدو من الضرورى الابتداء بتفحص دقيق
لمختلف الاجزاء كمكونات أساسية مستقلة ، ولو لم نتقدم من البسيط إلى المعقد فقد
كنا سنضيع وسط الضباب الكثيف للمفاهيم الهشة ، وعلى الأخص أشهرها غموضا .
ليس
الدفاع ، وكما رأينا سوى الشكل الأقوى للقتال ، فالإبقاء على القوات المقاتلة لطرف
ما ، وتدمير قوات العدو – أى بكلمة موجزة .. الانتصار – هو جوهر هذا الصراع ، إلا
أنه لا يمكن أن هدفه النهائى .
فالهدف النهائى هو المحافظة على دولة هذا الطرف ، وتدمير دولة العدو ،
وإيجاز مرة أخرى ، التوصل إلى معاهدة السلام المرجوة ، والتى ستنهى الصراع وتحقق
التسوية العامة .
من
المهم جدا وعلى الدوام ، المحافظة على قواتنا أو ، ووفقا لواقع الحال ، تدمير
القوات المسلحة المعادية لا الاحتفاظ بالأرض .
ما
الذى يدفع المدافع إلى التخلى عن ذلك الشكل الأبسط من كل أشكال الحرب الأخرى ،
بالدرجة الأولى ، ويلجأ إلى تشتيت قواته فى المكان ؟ يكمن الجواب فى صغر وعدم
كفاية الانتصار الذى بوسعه إنجازه بقواته المشتركة ، فلكل انتصار مجال خاص للتأثير
.
0 التعليقات:
إرسال تعليق