25‏/10‏/2016

عن الحرب 71

عن الحرب 71


   تعتبر موارد العدو لنقدية ،  وخزائنه وحساباته معروفة كلها تقريبا ، وكذلك حجم قوته المقاتلة ، ولا يعد الإنفاق الواسع ممكنا مع اندلاع الحرب ، وبفضل معرفة قوات العدو وتحديداته ،

 يتوفر للرجال شعور بالأمان له مبررات معقولة من الدمار الكلى ، كما يعرف هؤلاء التحديدات المفروضة عليهم ، لذلك يضطر هؤلاء بدورهم إلى تقليص وتحديد غاياتهم بالمقابل ،

 ويثير الأمان من التهديد – المعادى – بالتطرف بعدم الحاجة إلى التطرف ، أو أن لاضرورة لذلك ، ولا تعود مثل هذه الضرورة محفزا لفعل ذلك ، والدوافع الوحيدة الباقية هى التى تثيرهما الشجاعة والطموح .

   هكذا تغدو إدارة الحرب لعبة حقيقية ( للقمار) ، توزع الأوراق فيها وفق الأحداث والوقت ، وهى فى تأثيرها أقوى من الدبلوماسية ، فهى طريقة أكثر قوة فى التفاوض .

   لم يعد مما يتلائم وروح العصر اجتياح ونهب أرض العدو ، الأمر الذى كان له دور مهم فى العصور القديمة ، لقد أصبحت الحرب وبدرجة كبيرة لا بوسائلها فقط بل وحتى فى غاياتها أيضا محدودة بالقوات المقاتلة فقط ، لقد أصبحت الجيوش بقلاعها المحصنة ومواضعها المهيئة دولة داخل الدولة ، تناقص فيها العنف تدريجيا .

   هكذا كانت الأحوال عند اندلاع الثورة الفرنسية ، لقد حاولت النمسا وبروسيا مجابهتها بحرب من نوع دبلوماسى كالتى وصفناها ، وسرعان ما اكتشفت الدولتان أنها ليست كافية . عند النظر إلى الموقف بهذه الطريقة التقليدية ، يلاحظ أن الشعب توقع إبتداء أن يتعامل فقط مع جيش فرنسى بالغ الضعف ، لكن فى عام 1793، كانت قوته تجل عن كل وصف ، وغدت الحرب بشكل مفاجئ عمل وموضع اهتمام الشعب مرة أخرى – شعب تعداده (30) مليون نسمة ،

 وكلهم يعتبرون أنفسهم مواطنين ، ولسنا بحاجة إلى دراسة مفصلة للظروف التى رافقت هذا التطور الهائل ، بل نحتاج فقط ملاحظة التأثيرات الوثيقة الصلة بمناقشتنا هذه ، لقد أصبح الشعب شريك فى الحرب ، بدلا عن الحكومة والجيش كما فى السابق ، كما زج بكل ثقل وقوة الأمة فى الميزان ، لقد تجاوزت الموارد والجهد المتيسران للاستخدام كل التحديدات التقليدية ، وما من شئ بعد يعيق القوة والعنف اللذان يمكن أن تشن الحرب بهما ، وما تلى ذلك من مخاطر جمة لأعداء فرنسا .

   حال معالجة هذه النواقص من قبل نابليون بونابرت بدأ هذا القائد الجبار بآلة الحرب الرهيبة هذه ، ومعتمدا على قوة الشعب بأكمله نهجه التدميرى فى أوربا . 

لقد تحرك بثقة عالية واطمئنان كامل بأنه وحتى لوجوبه بجيوش من النوع التقليدى فى أى وقت وفى أى مكان فلا يمكن أن نشك ولو للحظة واحدة فى نتيجة الصراع ، لقد كان نابليون يوجه الرد اللازم فى الوقت المناسب تماما .

   أصبحت الحرب ، ومنذ أيام نابليون وما بعده ، تشمل ومن جديد كل الشعب فى فرنسا أولا ومن ثم لدى أعدائها ، كما باتت لها سمات جديدة ومختلفة ، أو بالأحرى تكون الحرب قد اقتربت من طبيعتها الحقيقية ، ومن كمالها المطلق ، لقد بدا وكأن ما من نهاية للموارد التى يمكن تعبئتها للحرب ، واختفت كل التحديدات والمعوقات وسط النشاط الفوار والحماس الطاغى اللذان تبديهما الحكومات ومواطنيها .

   لكل عصر نوعه الخاص من الحرب ، وله كذلك ظروفه المحددة ، وله كذلك أفكاره وتصوراته الخاصة والمميزة ، لذلك لابد أن كل مرحلة قد تحددت بنظرية للحرب خاصة بها .   

 يلى ذلك أن لابد من تقويم الأحداث لكل عصر ، والحكم عليها فى ضوء سمات وخصوصيات ذلك العصر .


   إلا أن الحرب ورغم أنها محكومة بالسمات الخاصة للدول وقواتها المسلحة لابد من احتوائها بعض العناصر العامة – والعالمية بتعبير أكثر تحديدا – والتى يتوجب على كل مفكر وفوق كل شئ الاهتمام بها . 

0 التعليقات: