عن الحرب 71
تعتبر موارد العدو لنقدية ، وخزائنه وحساباته معروفة كلها تقريبا ، وكذلك
حجم قوته المقاتلة ، ولا يعد الإنفاق الواسع ممكنا مع اندلاع الحرب ، وبفضل معرفة
قوات العدو وتحديداته ،
يتوفر للرجال شعور بالأمان له مبررات معقولة من الدمار
الكلى ، كما يعرف هؤلاء التحديدات المفروضة عليهم ، لذلك يضطر هؤلاء بدورهم إلى
تقليص وتحديد غاياتهم بالمقابل ،
ويثير الأمان من التهديد – المعادى – بالتطرف
بعدم الحاجة إلى التطرف ، أو أن لاضرورة لذلك ، ولا تعود مثل هذه الضرورة محفزا
لفعل ذلك ، والدوافع الوحيدة الباقية هى التى تثيرهما الشجاعة والطموح .
هكذا
تغدو إدارة الحرب لعبة حقيقية ( للقمار) ، توزع الأوراق فيها وفق الأحداث والوقت ،
وهى فى تأثيرها أقوى من الدبلوماسية ، فهى طريقة أكثر قوة فى التفاوض .
لم
يعد مما يتلائم وروح العصر اجتياح ونهب أرض العدو ، الأمر الذى كان له دور مهم فى
العصور القديمة ، لقد أصبحت الحرب وبدرجة كبيرة لا بوسائلها فقط بل وحتى فى
غاياتها أيضا محدودة بالقوات المقاتلة فقط ، لقد أصبحت الجيوش بقلاعها المحصنة
ومواضعها المهيئة دولة داخل الدولة ، تناقص فيها العنف تدريجيا .
هكذا
كانت الأحوال عند اندلاع الثورة الفرنسية ، لقد حاولت النمسا وبروسيا مجابهتها
بحرب من نوع دبلوماسى كالتى وصفناها ، وسرعان ما اكتشفت الدولتان أنها ليست كافية
. عند النظر إلى الموقف بهذه الطريقة التقليدية ، يلاحظ أن الشعب توقع إبتداء أن
يتعامل فقط مع جيش فرنسى بالغ الضعف ، لكن فى عام 1793، كانت قوته تجل عن كل وصف ،
وغدت الحرب بشكل مفاجئ عمل وموضع اهتمام الشعب مرة أخرى – شعب تعداده (30) مليون
نسمة ،
وكلهم يعتبرون أنفسهم مواطنين ، ولسنا بحاجة إلى دراسة مفصلة للظروف التى
رافقت هذا التطور الهائل ، بل نحتاج فقط ملاحظة التأثيرات الوثيقة الصلة بمناقشتنا
هذه ، لقد أصبح الشعب شريك فى الحرب ، بدلا عن الحكومة والجيش كما فى السابق ، كما
زج بكل ثقل وقوة الأمة فى الميزان ، لقد تجاوزت الموارد والجهد المتيسران
للاستخدام كل التحديدات التقليدية ، وما من شئ بعد يعيق القوة والعنف اللذان يمكن
أن تشن الحرب بهما ، وما تلى ذلك من مخاطر جمة لأعداء فرنسا .
حال
معالجة هذه النواقص من قبل نابليون بونابرت بدأ هذا القائد الجبار بآلة الحرب
الرهيبة هذه ، ومعتمدا على قوة الشعب بأكمله نهجه التدميرى فى أوربا .
لقد تحرك
بثقة عالية واطمئنان كامل بأنه وحتى لوجوبه بجيوش من النوع التقليدى فى أى وقت وفى
أى مكان فلا يمكن أن نشك ولو للحظة واحدة فى نتيجة الصراع ، لقد كان نابليون يوجه
الرد اللازم فى الوقت المناسب تماما .
أصبحت
الحرب ، ومنذ أيام نابليون وما بعده ، تشمل ومن جديد كل الشعب فى فرنسا أولا ومن
ثم لدى أعدائها ، كما باتت لها سمات جديدة ومختلفة ، أو بالأحرى تكون الحرب قد
اقتربت من طبيعتها الحقيقية ، ومن كمالها المطلق ، لقد بدا وكأن ما من نهاية
للموارد التى يمكن تعبئتها للحرب ، واختفت كل التحديدات والمعوقات وسط النشاط
الفوار والحماس الطاغى اللذان تبديهما الحكومات ومواطنيها .
لكل
عصر نوعه الخاص من الحرب ، وله كذلك ظروفه المحددة ، وله كذلك أفكاره وتصوراته
الخاصة والمميزة ، لذلك لابد أن كل مرحلة قد تحددت بنظرية للحرب خاصة بها .
يلى
ذلك أن لابد من تقويم الأحداث لكل عصر ، والحكم عليها فى ضوء سمات وخصوصيات ذلك
العصر .
إلا
أن الحرب ورغم أنها محكومة بالسمات الخاصة للدول وقواتها المسلحة لابد من احتوائها
بعض العناصر العامة – والعالمية بتعبير أكثر تحديدا – والتى يتوجب على كل مفكر
وفوق كل شئ الاهتمام بها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق