24‏/10‏/2016

عن الحرب 53

عن الحرب 53

الحروب الجبلية الدفاعية

   للأراضى الجبلية تأثير قوى على حالة الحرب ، الشهرة والفاعلية بل والقوة التى تحظى بها الحرب الدفاعية الجبلية قد تجمعت تقليديا من عاملين رئيسين ، الأول هو صعوبة تنقل الأرتال الطويلة عبر الطرق الجبلية ، والثانى ، هو القوة الاستثنائية التى تتوفر لموضع صغير سترت جبهته بسفح جبلى بينما تستند أجنحته على وديان عميقة .

   من هنا يمكن العثور على أصل وجوهر الفكرة المستخدمة من قبل المؤرخين " الذين يتحدثون عن مضيق ( ممر جبلى ) ضيق إلى حد أن بوسع حفنة من الرجال إيقاف جيش من المرور " .
   عند اصطدام منظومتين متعارضتين ، فالطرف المكشوف ، أى الجانب الأضعف ، يستثير دائما هجوم العدو ، بل يحشد قوته ضد نقطة واحدة واختراق الخط .

   تقاس قوة المقاومة التى توجه نحو العدو بما يتكبده من أرواح ووقت ، لذلك فاللمدافع فائدة واضحة طالما اقتصر التحرك على المهاجم ، وستزول تلك الفائدة حالما يتوجب على المدافع أن يتحرد بدوره .


   إن الوادى والجرف وغيرهما تكون نقاط إستناد جيدة للموقع الصغير، ليس لأنها تشكل موضعا تستحيل إحاطته ، بل لأنها ستكلف أية حركة إحاطة المزيد من الوقت والجهد مقارنة مع أهمية الموضع نفسه .   

   فالعدو الذى يريد ، وعليه كذلك إحاطة موقع كهذا بغض النظر عن وعورة الأرض ، لصعوبة مهاجمتها جبهويا ، قد تستغرق مناورته هذه نصف يوم ، وقد لا يكملها دون خسائر أيضا .

    ابتداء من تمييز الجوانب التالية :

1-   المنطقة الجبلية كساحة معركة .
2-   تأثير من يمتلكها على المناطق الأخرى .
3-   فاعليتها كسد استراتيجى .
4-   ما تثيره من معضلات التموين .



1-   الجبل كساحة معركة :      
  للأسف اختياره لموقع فى حافة منطقة جبلية كثيفة الأشجار ، مقيدا فى تحركاته بالأراضى الشديدة الوعورة ، والمفتوحة لشتى أنواع الهجوم على يد عدوه المتفوق عدديا ، كما أن فرصة ممارسته لبراعته محدودة عادة نحو منطقة واحدة ، وهى الاستفادة من الموانع الطبيعية ، ومع ذلك فستقربه هذه الوسيلة بشكل خطر من حرب الحصار ، والتى قد تدمره ، لذا ينبغى عليه تجنبها بأى ثمن . 


 وفى حالة خوض معركة حاسمة فنحن لانرى فى الأراضى الجبلية ملجأ للمدافع ، وعلى العكس من ذلك ننصح أى قائد بتجنبها كلما أمكنه ذلك .    

  أما عند نشوب اشتباك أقل حجما وأهمية ، فيمكن للجبال من الناحية الأخرى توفير فوائد لا حصر لها ولنوضح ذلك : 

أ‌-       لكسب الوقت .
ب‌- لصد استعراض للقوى .
ت‌- لأغراض استعراضية له هو .
ث‌- الجبال هى الوسط الذى يتنامى فيه العصيان الشعبى ، إلا أنه فى حاجة دائمة لإسناد وحدات نظامية صغيرة ، أما وجود القوة الرئيسية على مقربة ، فهو من الناحية الأخرى ، يعمل لغير صالحه والإضرار به ، لذلك فنادرا ما تسبب عصيان ما ، أو برر تقدم جيش ما فى الجبال .

2-   تأثير من يمتلك الجبال على المناطق الأخرى :      


    السيطرة على الجبال جانب أكثر أهمية بكثير من أى مناطق أخرى بنفس الحجم ، يمكن أن تتناقل الأيدى السيطرة على الأماكن المفتوحة من يوم لآخر ، إذ يكفى تقديم بعض المفارز القوية لدفع العدو إلى التخلى عن المنطقة المطلوبة .    


     لذلك فللمناطق الحبلية الكثير جدا من التفرد والاستقلالية ، وامتلاكها أكثر شمولية وإطلاقا ، وليس مما يسهل تغييره . وفوق ذلك كله فإن السفوح الخارجية للسلسلة الجبلية تقدم إشرافا وسيطرة جيدتين على المناطق المحيطة، وفى مثل هذه الأماكن يمكن أن تجد حفنة صغيرة من الرجال الشجعان ( الأنصار ) ملجأ أمينا ضد مطارديهم ، ثم ليعيدوا الكرة بالانقضاض ثانية على أهدافهم دون أن يلحقهم أذى .  

     تلك هى الطريقة التى تمارس فيها أىة سلسلة جبلية تأثيراتها ، وضمن دائرة معينة فى الأراضى المنخفضة حولها .

3-   فاعلية الجبال كسد استرايجى :           
من تمييز عاملين هنا . الأول ومرة أخرى هو المعركة الحاسمة . يمكن للمرء اعتبار الجبل كنهر – أى كمانع مع عدد معين من نقاط العبور . وهو بذلك يوفر فرصة لمعركة ظافرة بتجزأة وتشتيت قوة العدو المتقدم وإجباره على سلوك طرق محددة ، مما يسهل لنا مهاجمة جزء من قوته بلكامل قوتنا ، التى حشدت فى الجانب الآخر من الجبل 

العامل الثانى هو تأثير السد الجبلى على خطوط مواصلات العدو عند تقاطعها مع الحاجز الجبلى .

4-   معضلا التموين ، التى تسببها الجبال :

    نؤكد ونرجو أن نكون قد أثبتنا أن الجبال ليست ملائمة عموما للحرب الدفاعية من وجهتى النظر التعبوية والاستراتيجية . 

   قد تعجب الصورة هواة وخبراء انكسار الضوء ، فالصورة تغدو أكثر لمعانا عند تحريكها باتجاه معين ، ولكن بقدر وحتى الوصول إلى أعلى تركيز ، وحال إبعادها لأكثر من ذلك سيبدأ التأثير العكسى . 


غالبا ما تمتد السلاسل الجبلية فوق سطح الأرض كشريط أو حزام ، مشكلة فاصلا بين منظومتى رى متكاملتين ، ويتكرر هذا الشكل الذى للسلسلة فى أجزائها الأصغر، مع ذرى ووديان تتفرع من السلسلة الأصلية مشكلة أحواضا أو مجمعات أصغر للمياه بالمقابل 

                                                             
   نمط واتجاهات مجارى المياه يظلان الدليل المباشر والأكثر معقولية للحكم على شكل وبنية المنظومة الجبلية ، لذلك فمن الطبيعى أن يتحكم توزيع ومسار المياع فى تخطيط الحرب الدفاعية الجبلية . ليس فى أنها توفر سلسلة طبيعية من المستويات التى تمكن المرء من تحديد الارتفاعات العامة ، والمقاطع الجانبية بشئ من الدقة ، بل لأن الوديان التى تشكلها تكون عادة أقصر وأأمن المسالك للوصول إلى المرتفعات .


   فلم تر الجيوش أبدا فى القمم الرئيسية ، بل كانت دائما فى السفوح ، وأعلى أو أخفض قليلا ، وفى مواجهة هذا الجانب أو ذاك – متوازية أو متعامدة أو مائلة ، تتبع مجارى المياه أو تتقاطع معها ، وفى السلاسل العالية ، مثل الألب ، غالبا ما كانت تتواجد وباستمرار فى قعر الوادى .


   كم بوسع المرء أن ينتظر من حرب جبلية دفاعية ، وأين ينبغى استخدامها أو الجوء إليها ، وإلى أى مدى يمكن ذلك ، أو إلى أين يمضى بانتشار وتجزأة قواته – وكلها من الأمور التى يجب أن يتركها المفكرون لحصافة القائد وتقديره . ويكفى المفكرين وصف الوسائل والدور الى تلعبه فى العمليات العسكرية .


   أما القائد الذى يسمح لنفسه بأن يهزم هزيمة منكرة فى مواضع جبلية ممتدة طويلا فيستحق الإحالة إلى محكمة عسكرية 


0 التعليقات: